الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)[الحجر: 6 - 15]. وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)[العنكبوت: 50 - 51].
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً [الرعد: 31].
إن الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ومن السهل الميسّر الهيّن عليه أن يلبّي جميع المطالب، ولكن لم يشأ ذلك لحكم:
الحكمة الأولى:
لأنهم غير جادّين بهذه المطالب ولو لبّيت لهم لما آمنوا لأن قصدهم هو التعجيز كما أشارت الآية الكريمة السابقة وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)[الحجر: 15]. فمن العبث عندئذ اتبع أهوائهم ورغباتهم ولو اتّبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض.
روى ابن هشام في السيرة النبوية قال:
(اجتمع أشراف قريش بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلّموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلّموك، فأتهم فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلّمهم فيه بداء، وكان عليهم حريصا يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم، فقالوا له: يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلام، وفرّقت الجماعة فما بقي أمر
قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا
…
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئت به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكنّ الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل عليّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم» .. قالوا يا محمد: فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا، ولا أقل ماء، ولا أشد عيشا منا، فسل ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسيّر عنا هذه الجبال التي ضيّقت علينا، ويبسط لنا في بلادنا، ويفجر لنا فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، وليبعث من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصيّ بن كلاب فإنه كان شيخ صدق، فنسألهم عما تقول أحقّ هو أم باطل؟ فإن صدقوك، وصنعت ما سألناك، صدقناك وعرفنا به منزلتك من الله وأنه بعثك رسولا كما
تقول، فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه:«ما بهذا بعثت إليكم، إنما جئتكم من الله بما بعثني به، وقد بلّغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله بيني وبينكم» ، قالوا: فإذا لم تفعل لنا فخذ لنفسك، سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، وسله فليجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي فإنك تقوم بالأسواق كما نقوم، وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما أنا بفاعل وما أنا الذي يسأل ربه هذا» ..
قالوا: فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربّك إن شاء فعل ..
فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل
…
».