الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دلالة الإعجاز التشريعي على مصدر القرآن الكريم
إن المتعمق في دراسة التشريعات الإسلامية في مختلف مناحي الحياة يدرك إدراكا واضحا وجليا أن هذه التشريعات تهدف إلى هداية الإنسان في حياته الدنيا إلى أقوم السبل التي تحفظ للإنسان إنسانيته وتطلق طاقاته الإيجابية نحو الكمالات البشرية، وتحفظ له نظرته المستقيمة، وتوفر له التوازن الدقيق في متطلباته الجسدية المادية وأشواقه الروحية، مع انسجام تام مع المحاكمات العقلية، مما يثمر الطمأنينة النفسية والسعادة في حياته الدنيا، وهي السبيل إلى الحياة الباقية في الدار الآخرة.
إن تاريخ البشرية لم يحدثنا عن مصلح اجتماعي أو فيلسوف عبقري أنه وضع نظام حياة لشعب من الشعوب بمختلف فئاته وتنوع مجالاتها بل حاول كثير من المصلحين أن يضعوا قوانين تنظيمية لدولة من الدول. ولكن محاولاتهم كثر الانتقاد عليها في حياتهم وبعد مماتهم لأنها كانت متأثرة ببيئة واضعها، وقاصرة عن استيعاب المشاكل لمجتمعهم، وأوجدت الجور والحيف على بعض الفئات لمصلحة آخرين.
وما قانون حمورابي وصولون .. وغيرهم، وما أخذ عليها وما نتج من تطبيقاتها قديما إلا مظهر من المظاهر التي ابتلي بها الإنسان في مراحل شقائه. ولا زالت هذه الظواهر تتكرر في المجتمعات التي لا تدين دين الحق، فالمجتمعات الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية والوثنية تكتوي بمثل هذه التجارب المريرة إلى يومنا هذا.
إن التشريعات الإسلامية التي جمعت بين الروح والمادة فأشبعت كلا منهما في الإنسان بما يناسبها، ووفرت السعادة والطمأنينة في الحياة الدنيا وأزالت القلق عن النفوس من المستقبل مع مراعاة الفطرة وتلاؤمها معها،
لدليل على أن أحدا من البشر لا يستطيع أن يدرك هذه المجالات أو يحيط بها، وهي برهان ساطع على أنها منزلة من خالق الإنسان الذي أودع فيه هذه الطاقات والقدرات والاستعدادات فأنزل ما ينظمها جميعا ويوجهها لعبادة الخالق سبحانه وتعالى. وتكون الدلالة أوضح والبرهان أظهر عند ما تعلم أن الذي نزلت عليه كان أميا لم يتلق العلم على يد أحد من البشر، ولم يعرف بتجواله في الآفاق بحثا عن النظريات والدساتير الإصلاحية.
يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه القيم «المعجزة الكبرى» :
(
…
إن ما اشتمل عليه القرآن من أحكام تتعلق بتنظيم المجتمع وإقامة العلاقات بين آحاده على دعائم من المودة والرحمة والعدالة لم يسبق به في شريعة من الشرائع الأرضية، وإذا وازنا ما جاء في القرآن بما جاءت به قوانين اليونان والرومان، وما قام به الإصلاحيون للقوانين والنظم بما جاء في القرآن وجدنا أن الموازنة فيها خروج عن التقدير المنطقي للأمور، مع أن قانون الرومان أنشأته الدولة الرومانية في تجارب ثلاثمائة سنة وألف، من وقت إنشاء مدينة روما إلى ما بعد خمسمائة من الميلاد، ومع أنه قانون تعهده علماء قيل إنهم ممتازون منهم: سولون الذي وضع قانون أثينا، ومنهم ليكورغ الذي وضع نظام أسبرطة.
فجاء محمد صلى الله عليه وسلم ومعه القرآن الذي ينطق بالحق عن الله سبحانه وتعالى من غير درس درسه، وكان في بلد أمي ليس فيه معهد ولا جامعة ولا مكان للتدريس، وأتى بنظام للعلاقات الاجتماعية والتنظيم الإنساني، لم يسبقه سابق، ولم يلحق به لا حق) (1).
إن الإعجاز التشريعي لآية بينة على أن القرآن الذي اشتمل عليه هو كلام الله أنزله على قلب عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من ظلمات الانحراف والضلال والشقاء إلى نور الإيمان والهداية والتمسك بحبل الله المتين:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)[الصف: 9].
(1)«المعجزة الكبرى» ص 455.