الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويكون وصف المضغة أو القطعة من اللحم التي مضغتها الأسنان ولاكتها ثم قذفتها هو أصدق وصف وأدقه لهذه المرحلة.
مرحلة العظام واللحم:
وهي مرحلة تستغرق الأسبوع الخامس والسادس والسابع، وفي الأسبوع السادس تكون هذه الهياكل الغضروفية لعظام الأطراف العلوية والسفلية قد ظهرت بوضوح وإن كان الطرف العلوي يسبق الطرف السفلي ببضعة أيام، وأول علامة على وجود عضلات الأطراف تظهر في الأسبوع السابع.
ومعنى هذا أن العظام تسبق العضلات .. ثم تكسو العضلات العظام وصدق الله العظيم حيث يقول: فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً.
ثم أنشأناه خلقا آخر:
وهو التصوير والتسوية والتعديل ثم نفخ الروح، لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ [آل عمران: 6].
ويقول عز من قائل: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (8)[الانفطار: 6 - 8].
وأما التسوية فهي تتم مع التصوير وقبله وبعده .. فهي تشمل جميع الأعضاء، إن عملية الهدم والبناء والتسوية والتعديل مستمرة في الجنين بشكل مثير .. إذ كل يوم بل كل ساعة تشهد جديدا .. هذه أنبوبة القلب المستطيلة تتحول إلى شكل ( S) ثم تتكون الغرف المتتالية: الأذين العام، والبطين العام، وبصلة القلب، والجيب الوريدي، ثم يعاد التركيب ليدخل الجيب الوريدي في الأذين الأيمن، وتدخل بصلة القلب في البطين الأيمن والأيسر. ومن بصلة القلب تنشأ جذور الشريان الأورطي والشريان الرئوي.
إن عملية التسوية والتعديل عملية مستمرة في بناء جسم الإنسان منذ
أن كان جنينا إلى أن يصبح شيخا هرما .. ولكن هذه التسوية والتعديل أبرز ما تكون في الجنين. ولا يمكن أن تتم التسوية والتعديل إلا بعد وضع الأسس. والأسس لجميع الأعضاء توضع في الفترة ما بين الأسبوع الرابع والثامن .. ولهذا تعتبر هذه الفترة هي الفترة الحرجة التي تكون فيها الجينات أشد ما تكون قابلية للتغيير، ولذا فإن تأثير الأدوية والعقاقير أو الأشعة أو الحميات .. تكون في أوج تأثيرها على الجنين في هذه الفترة.
وقد شرحت بعض الأحاديث النبوية جوانب في هذه المراحل، فقد جاء في صحيح مسلم قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:«إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب ذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما يشاء ويكتبه الملك» (1).
ويقول الطب الحديث: في نهاية الأسبوع السادس تكون النطفة قد بلغت أوج نشاطها في تكوين هذه الأعضاء وهي قمة المرحلة الحرجة الممتدة من الأسبوع الرابع وحتى الأسبوع الثامن.
والمبيض والخصية لا يمكن التعرف عليهما إلا في الأسبوع السابع والثامن حيث يمكن التعرف على الغدة التناسلية خصية هي أم مبيض.
وفي رواية أخرى عند مسلم: «إن النطفة إذا استقرت في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليه الملك فيقول: يا رب ذكر أم أنثى؟» وفي رواية:
«بضع وأربعين ليلة» وفي رواية: «لخمس وأربعين» (2).
وهكذا نرى من مجموعة الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أن قمة تكوين الأعضاء وتحديد الذكورة والأنوثة على مستوى الغدد التناسلية إنما يكون في الأربعين.
وفي هذه الفترة يستطيل الحميل من (5) مليميترات إلى (23)
(1) صحيح مسلم كتاب القدر 8/ 45.
(2)
السابق ص 46.
مليمترا، وتظهر عليه علامات خارجية كثيرة وواضحة، وإن كان بعضها لم يكتمل في هذه الفترة.
ومما تقدم يبدو أن التقسيم القرآني لمراحل نمو الجنين الإنساني أدق من وصف علم الأجنة، ولا يركز بعض علماء علم الأجنة على مرحلة العلقة كما يركز عليها التقسيم القرآني، وكذلك مرحلة التصوير والتسوية والتعديل، أما نفخ الروح فهو لا يزال في طي الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آل عمران: 7] (1).
أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59) [الواقعة:
58 -
59].
هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11)[لقمان: 11]. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21)[الذاريات: 21].
(1) نقلنا هذا المقطع من كتاب «خلق الإنسان بين الطب والقرآن» للدكتور محمد علي البار، باختصار من الصفحة 365 - 379.