الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرض
جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تتحدث عن الأرض خصائصها ومزاياها مبدأ خلقها ونهايتها.
يقول تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)[الزمر: 5].
في «مفردات الراغب» في مادة (كور)(1)؛ كور الشيء: إدارته وضمّ بعضه إلى بعض ككور العمامة، وقوله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ فإشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما.
وفي «لسان العرب» (2): وتكوير الليل والنهار: أن يلحق أحدهما بالآخر، وقيل تكوير الليل والنهار تغشية كل واحد منهما صاحبه، وقيل:
إدخال كل واحد منهما في صاحبه، والمعاني متقاربة.
وفي «الصحاح» : وتكوير الليل على النهار تغشيته إياه، ويقال زيادته في هذا من ذلك. وفي التنزيل العزيز: يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل، أي يدخل هذا على هذا وأصله من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها. وكوّرت الشمس جمع ضوؤها ولفّ كما تلفّ العمامة، وقيل معنى كوّرت غوّرت.
(1) ص 665.
(2)
. 5/ 156.
يقول سيد قطب (1) عند تفسير هذه الآية: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ: (وهو تعبير عجيب يقسر الناظر فيه قسرا على الالتفات إلى ما كشف حديثا عن كروية الأرض، ومع أنني في هذه الظلال حريص على ألّا أحمل القرآن على النظريات التي يكشفها الإنسان لأنها نظريات تخطئ وتصيب وتثبت اليوم وتبطل غدا، والقرآن حق ثابت يحمل آية صدقه في ذاته ولا يستمدها من موافقة أو مخالفة لما يكشفه البشر الضعاف المهازيل.
مع هذا الحرص فإن هذا التعبير يقسرني قسرا على النظر في موضوع كروية الأرض، فهو يصوّر حقيقة مادية ملحوظة على وجه الأرض، فالأرض الكروية تدور حول نفسها في مواجهة الشمس. فالجزء الذي يواجه الشمس من سطحها المكوّر يغمره الضوء ويكون نهارا، ولكن هذا الجزء لا يثبت لأن الأرض تدور وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار، وهذا السطح مكوّر فالنهار كان عليه مكورا والليل يتبعه مكورا.
وكذلك وبعد فترة يبدأ النهار من الناحية الأخرى يتكور على الليل، وهكذا في حركة دائبة: يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل
…
واللفظ يرسم الشكل ويحدد الوضع، ويعين نوع طبيعة الأرض وحركتها، وكروية الأرض ودورانها يفسران هذا التعبير تفسيرا أدق من أي تفسير آخر لا يستصحب هذه النظرية اهـ.
ولقد توصل علماء الفلك في العصر الحديث إلى حقائق علمية دقيقة حول دورات الأرض في المجموعة الشمسية منها:
أ- تدور الأرض حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة ومن هذه الدورة يتولد الليل والنهار.
ب- تدور الأرض حول الشمس بسرعة خمسة وستين ألف ميل في
(1)«في ظلال القرآن» 6/ 3038.
الساعة وتتولد من هذه الدورة الفصول الأربعة، وهي تميل أثناء دورانها حول الشمس بمقدار 5، 23 لتوزيع الفصول (1).
ج- وتسير الأرض مع المجموعة الشمسية كلها بمعدل عشرين ألف ميل في الساعة نحو برج الجبار، ولم يتوصل العلم الحديث إلى الآن إلى ما يترتب على هذه المسيرة من أوضاع وهيئات، ولا بد أن له ارتباطا بنظام الكون بشكل ما (2).
فسبحان القائل: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62)[الفرقان: 61، 62].
الأرض:
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً (26) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (27)[المرسلات: 25 - 27].
في «مفردات الراغب» : كفت: الكفت: القبض والجمع. قال تعالى:
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً.
وقيل معناه: تضم الأحياء التي هي الإنسان والحيوان والنبات، والأموات التي هي الجمادات من الأرض والماء وغير ذلك.
(1) يرى بعض الباحثين المعاصرين في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (46)[الفرقان: 45 - 46]، إشارة إلى دورة الأرض حول نفسها وحول الشمس وقبض الظل حين ميل الأرض أثناء دورانها بالمقدار المذكور لتتولد الفصول الأربعة. انظر في ذلك: القرآن وإعجازه العلمي لمحمد إسماعيل إبراهيم ص 82، ط دار الفكر العربي.
(2)
للمزيد من معرفة هذه الحقائق انظر كتاب: الكون والإعجاز العلمي للقرآن للدكتور منصور حسب النبي ص 157 وما بعدها، ط. دار الفكر العربي. وكتاب الطبيعيات والإعجاز العلمي للقرآن الكريم للدكتور عبد العليم عبد الرحمن خضر ص 113، وما بعدها ط الدار السعودية للنشر.
والكفات: قيل هو الطيران السريع وحقيقته قبض الجناح للطيران.
والكفت: (السوق الشديد)(1).
وفي «لسان العرب» لابن منظور: (الكفت: صرفك الشيء عن وجهه.
وكفت يكفت كفتا وكفاتا: أسرع في العدو والطيران وتقبض فيه ..
وفرس كفت سريع .... وعدو كفيت: أي سريع) (2).
وقال الجوهري: (الكفت: السوق الشديد. والكفات: الموضع الذي يضم فيه الشيء ويقبض .. وفي التنزيل العزيز: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً قال ابن سيده: هذا قول أهل اللغة، قال: وعندي أن الكفات هنا مصدر من كفت إذا ضم وقبض، وأن أحياء وأمواتا منتصب به أي ذات كفات للأحياء والأموات، وكفات الأرض ظهرها للأحياء وبطنها للأموات، ومنه قولهم للمنازل: كفات الأحياء وللمقابر كفات الأموات .. وفي الحديث: «نهينا أن نكفت الثياب في الصلاة» أي نضمها ونجمعها من الانتشار، يريد جمع الثوب باليدين عند الركوع والسجود. وهذا جراب كفيت إذا كان لا يضيع شيئا مما جعل فيه
…
).
هذا هو أدق وصف وأجمعه لواقع الأرض فهي كرة كفات من حيث الجريان والسرعة مسوقة بقدرة إلهية في مدارها، وفي نفس الوقت تضم سكانها على ظهرها في حال الحياة والموت.
وفي تسلسل الحديث: من ذكر خلق الإنسان في الرحم- القرار المكين الذي يضم الإنسان في مراحله الأولى في النشأة والتكوين- وهو الشكل الكمّثرى الهيئة، وقد جعله قرارا مكينا للجنين بشدّه بتلك الأربطة
من العضلات وجعل مستنده الحوض المحاط من أغلب جهاته بجدران الحوض المقعّر، وهيأ له وسائل التغذية والراحة لمدة معلومة إلى قدر محدد محسوب عند القادر ونعم القادر.
ثم عقب ذلك بضم الكرة الأرضية لهم أحياء وأمواتا تكفت بهم وتسرع في مجراها تضمهم على ظهورها أحياء وفي بطنها أمواتا، وهي محتفظة بهم في كلتا الحالين فلا تقذف بهم بعيدا.
ووسائل حفظ الأشلاء موجودة في الأرض إلى يوم الوقت المعلوم.
إنها مناسبات معبّرة دقيقة في ذكر المستقر لكل طور من الطورين:
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (21) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً (26) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ.
الأرض:
يقول جل جلاله: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (27) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (31) وَالْجِبالَ أَرْساها (32) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (33)[النازعات: 27 - 33].
ويقول تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4) وَالسَّماءِ وَما بَناها (5) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6)[الشمس: 1 - 6].
وهنا كلمتان معبرتان تتعلقان بالأرض وهما كلمتا (دحاها، وطحاها).
فلننظر إلى دلالات الكلمتين في قواميس اللغة ثم نتدبر ما يقوله العلم الحديث.
في «مفردات الراغب» (1): (دحاها، قال تعالى:
(1) ص 239.
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) أي أزالها عن مقرها، وكقوله: يوم ترجف الأرض والجبال، وهو من قولهم: دحا المطر الحصا من وجه الأرض أي جرفها.
ومر الفرس يدحو: إذا جريده على وجه الأرض فيدحو ترابها).
وفي «لسان العرب» (1) لابن منظور: (دحاها: الدحو: البسط. دحا الأرض يدحوها دحوا: بسطها.
وقال الفرّاء في قوله عز وجل: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) قال:
بسطها.
وقال شمر: دحا الأرض: أوسعها.
وفي حديث علي وصلاته رضي الله عنه: اللهم داحي المدحوات، يعنى باسط الأرض موسعها.
والأدحية: مبيض النعام في الرمل، لأن النعامة تدحوه برجلها ثم تبيض فيه.
وفي حديث ابن عمر: فدحا السيل فيه بالبطحاء أي رمى وألقى.
وقال ابن الأعرابي: يقال: هو يدحو الحجر بيده أي يرمي به بيده ويدفعه، قال: والداحي الذي يدحو الحجر بيده،
…
ودحا المطر الحصى عن وجه الأرض دحوا: نزعه.
وفي حديث أبي رافع: كنت ألاعب الحسن والحسين رضوان الله عليهما بالمداحي، هي أحجار أمثال القرصة، كانوا يحفرون حفرة ويدحون فيها بتلك الأحجار، فإن وقع الحجر فيها غلب صاحبها، وإن لم يقع غلب، والدحو: هو رمي اللاعب بالحجر والجوز وغيره.
قال شمر: المدحاة لعبة يلعب بها أهل مكة، قال: وسمعت الأسدي
(1). 14/ 251 وما بعدها.
يصفها ويقول: هي أحجار أمثال القرصة وقد حفروا حفرة بقدر ذلك الحجر فينتحون قليلا، ثم يدحون بتلك الأحجار إلى تلك الحفرة، فإن وقع فيها الحجر فقد قمر وإلا فقد قمر).
وأما كلمة «طحاها» :
ففي «مفردات الراغب» : الطحو كالدحو، وهو بسط الشيء والذهاب به، قال تعالى: وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6) قال الشاعر: طحا بك قلب في الحسان طروب: أي ذهب.
وفي «لسان العرب» تدور المادة كلها حول البسط والامتداد والذهاب، وبعضهم جعلها مثل الدحو.
ولو رجعنا إلى ما يقوله العلم الحديث في فلك الأرض وواقعه لوجدنا أن أدق وصف وأبلغه يتضمن في وصف الأرض بالدحو.
فالدحو وفق الاستعمال اللغوي يتضمن دفعا من الداحي وحركتين للمدحو إحداهما على خط مسار ما، والأخرى حركة دورانية حول نفسه.
والأرض كرة مدحوة في الفضاء ذات حركتين: حركة في مسار دائري حول الشمس، وحركة حول نفسها .. وتعقيب الدحو بإخراج الماء والمرعى، وهي من مستلزمات دحو الأرض فلو لم يكن دوران الأرض حول نفسها لما وجد الليل والنهار، ولو لم يكن دورانها حول الشمس لما وجدت الفصول، فنتيجة الدحو كان أن تهيأت لإخراج الماء والمرعى وبالتالي وجود الحياة عليها.