الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرحم والنشأة الجنينية
يقول الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13)[المؤمنون: 12 - 13].
ويقول تعالى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (21) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (23)[المرسلات: 20 - 23].
ويقول جل جلاله: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ [الزمر: 6].
الآيات الكريمة تشير إلى أصل الخلقة من الماء المهين- النطفة- التي تودع في القرار المكين- الرحم- وتسمية الرحم بالقرار المكين الذي يستقر فيه الجنين إلى قدر معلوم حدده الله سبحانه وتعالى تسمية ذات دلالة، وقد وفر له وسائل الراحة والاستقرار والعناية الربانية التي تفوق التصور، وتبرز هذه الوسائل ودقتها في الأمور التالية:
1 -
الحوض وشكله: ويتكون من مجموعة من العظام متصلة ببعضها اتصالا دقيقا، فتكون مثل الصندوق الخشبي، ونظرا لاختلاف وظيفة حوض المرأة عن وظيفة حوض الرجل في قضية المحافظة على وضع الرحم فإن الله قد هيأه بعنايته لاحتواء الرحم المتنامي الذي يبلغ آلاف المرات في نهاية الحمل عن حجمه قبل الحمل، حيث لا تتجاوز سعة الرحم قبل الحمل لأكثر من (5، 2) ميليلتر عند الأنثى البالغة، أما في نهاية الحمل فيتسع لسبعة آلاف ميليلتر.
لذا كان تجويف الحوض عند الأنثى أوسع وأقصر، وعظام الحوض
أرق وأقل خشونة وأبسط تضاريسا، كل ذلك ليكون حصنا ودرعا للرحم الذي يشتمل على هذه الدرة الثمينة التي تتجلى عظمة الخالق في تكوينها.
ولتيسير طروء التغيرات على هذه العظام عند الولادة فتكوين عظام الحوض يتناسب تماما مع ما يتطلب منها من القيام بعمل تنفرد به دون غيرها من عظام الهيكل، وهكذا يحفظ الحوض العظمي الرحم بداخله بحيث لا يصله شيء من الكدمات والهزات التي تتعرض لها المرأة، بل لو أصيبت المرأة في حادث أو سقطت من شاهق وتكسرت عظامها فإننا نجد الرحم في أغلب الأحوال سليما لم يمسه سوء، ولو أن شخصا اعتدى على امرأة ومزق أحشاءها بالسكين فإنه لن يستطيع أن يصل إلى الرحم، إلا إذا كانت المرأة حاملا في الشهر الرابع فما بعده، وأما قبل ذلك فيكاد يكون من المستحيل الوصول إلى الرحم بأي أذى.
والحوض على متانته له مفاصل أربعة يمكن من خلالها أن يتحرك قليلا حتى يزداد اتساعه وخاصة عند الحمل والولادة، بينما حوض الرجل لا يكاد يتزحزح.
2 -
العضلات والأربطة: تكاد العضلات تحيط بالرحم من جميع جوانبه لتحفظ توازنه وبقاءه معلقا في منتصف الحوض، فمنها العضلات التي تمسكه من أعلى، ومنها ما تشده إلى أسفل، ومنها ما تجره يمنة ويسرة، ومنها التي تشده إلى عظام الحوض، وإلى جهات أخرى من الأحشاء تعرف بالصفاقات الحشوية والصفاقات الجدارية.
وهذه الأربطة تتعاون جميعا في حفظ الرحم في موضعه الطبيعي، وفي نفس الوقت تسمح له بالحركة الحقيقية والنمو الهائل في فترة الحمل، ولكأنما الرحم جسر معلق تربطه مجموعة محكمة من الأربطة والأعمدة المتينة المحكمة، بل إنه أعظم من ذلك بكثير، إذ لا يمكن للجسر المعلق أن ينمو أو يغير وضعه وهو متصل بمكانه لا يبرحه، كما أن وجود وفرة من الأحشاء الطرية اللينة وامتلاء الحوض بها يهيئ فراشا وثيرا للرحم عند
امتلائه بالجنين وتعاظمه خلال الأشهر الأخيرة من الحمل.
3 -
هرمون الحمل (البروجسترون): ويؤثر هذا الهرمون على تقلصات عضلات الرحم فيجعلها متئدة وقورة بدلا من تلك الحركات النزقة الطائشة التي يسببها هرمون الأنوثة (الأوستروجين) ولهرمون الحمل تأثير هام في استقرار الرحم في فترة الحمل، حتى لا يقذف الجنين وخاصة في أشهره الأولى.
وهكذا تتضافر هذه العوامل لجعل الرحم القرار المكين وهل هناك وصف أعظم من هذا الوصف، وتحديد أدق للوظيفة من التحديد الرباني لطبيعة تكوين الرحم ومهمته، إنه وصف الخالق لمخلوقه أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) [الملك: 14].
إنها العناية الإلهية بهذا المخلوق المعزز المكرم، إنه الله سبحانه الذي قدر وأحكم. وإنه الإعجاز القرآني الباهر الذي جاء على لسان النبي الأمي أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (21) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (23) [المرسلات: 20 - 23].
أما الظلمات الثلاث: فإن اكتشافها أحدث، وإن واقعها أعجب، وإن وظائفها أعظم، يقول الطب الحديث عن الظلمات الثلاث ما يلي: إنها ثلاثة أغشية تحيط بالجنين داخل الرحم وتسمى:
(أ) غشاء السلى أو (الأمنيون) ويحيط بالجنين مباشرة.
(ب) غشاء الكوريون (الغشاء المشيمي).
(ج) الغشاء الساقط.
(أ) غشاء السلى «الأمنيون» : وهو عبارة عن كيس غشائي رقيق ومقفل يحيط بالجنين إحاطة تامة وبه سائل يزداد مع نمو الجنين .. والجنين يلعب وسط هذا السائل ويتقلب يمنة ويسرة بل ويتشقلب رأسا على عقب.
ويمسك بالحبل السري وهو في أمان تام، وللسائل الأمنيوني فوائد جمة من أهمها:
أ- تغذية الجنين: حيث يحتوي السائل على مواد زلالية وسكرية وأملاح يمتصها الجنين مما يساعد على تغذيته ونموه.
ب- حماية الجنين ووقايته من الصدمات المفاجئة والحركات الخفيفة والسقطات التي تتعرض لها الأم.
ج- يحتفظ الجنين بحرارة ثابتة تقريبا فهو مكيف جيد بحيث لا تزيد الحرارة ولا تقل إلا في حدود ضئيلة جدا.
د- يمنع السائل الأمنيوني غشاء الأمنيوني من الالتصاق بالجنين، وذلك لأن التصاق الغشاء بالجنين من العوامل الهامة في حدوث التشوهات الخلقية فوجود السائل عامل مهم في تجنب هذه التشوهات الخلقية.
(ب) غشاء الكوريون (الغشاء المشيمي): وهو الغشاء الثاني من الأغشية التي تحيط بالجنين، والزغابات الكثيرة الموجودة في هذا الغشاء ينتقل الغذاء والأوكسجين بواسطتها من الأم إلى الجنين، كما ينتقل غاز ثاني أوكسيد الكربون والبولينا من الجنين إلى دم الأم.
وبداية تكوين هذا الغشاء عند تكون النطفة الأمشاج بعد تلقيح البويضة بالحيوان المنوي، وتنقسم البويضة الملقحة وتصبح مثل الكرة أو مثل ثمرة التوت وتسمى (التوتة). وتتكون من طبقات فالطبقة الداخلية يتكون منها الجنين أما الطبقة الخارجية فيتكون منها هذا الغشاء المشيمي وإليه الإشارة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ [الحج: 5] فهي المضغة غير المخلقة التي تقوم بمهمة مصنع كامل لتهيئة الغذاء المبسط المناسب للجنين، وإبعاد الفضلات التي يطرحها إلى الدورة الدموية للأم، حيث تفرزها بواسطة الكلى عن طريق البول.
(ج) الغشاء الساقط: وهو الغشاء الثالث الذي يحيط بالجنين من