الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
النظم القرآني (جزالته وتناسقه)
ويقصد بنظم القرآن طريقة تأليف حروفه، وكلماته، وجمله، وسبكها مع أخواتها في قالب محكم، ثم طريقة استعمال هذه التراكيب في الأغراض مع أخواتها في قالب محكم، ثم طريقة استعمال هذه التراكيب في الأغراض التي يتكلم عنها، للدلالة على المعاني بأوضح عبارة في أعذب سياق وأجمل نظم.
والفرق بين الأسلوب والنظم: أن دائرة الأسلوب أوسع وأشمل ولا يدرك الأسلوب بالجملة الواحدة (1)، بينما النظم يمكن إدراكه في الجملة الواحدة بل وحتى في الكلمة الواحدة.
إن المتأمل في حروف القرآن الكريم وكلماته لا يجد فيها شيئا خارجا عن المألوف المتداول في لغة العرب قديما وحديثا، ولكن عند ما نتلو آيات الله نشعر أن للعبارة القرآنية كيانا خاصا بنى عليه تراكيبه ورسم معالم صورة نظمه الفريد على هذا الكيان الفريد.
فالكلام كما عهدته العرب شعر ونثر وما هو بين الشعر والنثر وهو السجع، ولو كان لإنسان عربي أن يتكلم أو يكتب أو يعلم أو يشرع أو يلفظ لما خرج في نظم كلامه أو تأليفه عن أخذ هذه الأنواع المعهودة عند العرب.
(1) الأسلوب القرآني سنتحدث عنه في المبحث اللاحق.
ولكن القرآن جاء في ثوب غير تلك الأثواب وفي صورة غير تلك الصور، جاء نسيج وحده، وصورة ذاته، فلا هو شعر ولا هو نثر ولا هو سجع، وإنما هو قرآن، فالآية في النظم القرآني وهو ليست بيت شعر وجملة نثر ومقطع سجع، بل هي قطعة من القرآن لها بداية ونهاية متضمّنة في سورة، ولكل آية مقطع تنتهي به هو الفاصلة، وليست هذه الفاصلة قافية شعر ولا حرف سجع وإنما هي شاهد قرآني لا يوجد إلا فيه، ولا يعتدل في كلام غيره.
إن النظم القرآني البديع بهر العرب بحسن مبادئ الآي والمقاطع وتماسك الكلمات واتساقها في التراكيب، وقد تأمّلوه آية آية وعشرا عشرا وسورة سورة فلم يجدوا في الجميع كلمة ينبو بها مكانها ولفظة ينكر شأنها أو يرى غيرها أصلح هناك أو أشبه أو أحرى، بل وجدوا اتساقا بهر العقول وأعجز أهل الحكم والبلاغات، ونظاما والتئاما وإتقانا وإحكاما لم يدع في نفس واحد منهم موضع طمع حتى خرست الألسن أن تدّعي وتتقوّل.
وأقروا في قرارة أنفسهم أن هذا ليس من قول البشر وإن أنكروا ذلك بألسنتهم. ومجيء النظم القرآني على هذا الشكل من الإتقان والإحكام إنما يعود- كما يقول ابن عطية- إلى أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما وأحاط بالكلام كله علما إذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطة أي لفظة تصلح أن تبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره، والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن قط محيطا. فلهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة.
ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يضع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا ثم تعطى لأحد نظيره فيأخذها بقريحة خاصة فيبدّل فيها وينقّح ثم لا تزال كذلك فيها مواضع للنظر والبدل. وكتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن