الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
الإعجاز في كتب المعتزلة
لقد أسلفنا القول إن مقالة بعض المعتزلة في نفي الإعجاز الذاتي عن القرآن وإن إعجازه كان بصرف الناس عن معارضته، كانت الدافع للكتابة في بيان إعجاز القرآن وأن إعجازه ذاتي في النظم والفصاحة والبلاغة.
وذكرنا أن أول المتصدّين لرد هذا القول كان الجاحظ، وهو رأس فرقة منهم، إلا أن كتابه «نظم القرآن» لم يصل إلينا، وإن كانت كتبه الأدبية مثل «البيان والتبيين» و «الحيوان» تعطي نماذج جيدة عن فكرته في نظم القرآن.
ولعل أول رسالة خاصة بإعجاز القرآن وصلتنا من أحد متكلمي المعتزلة وأدبائهم هي رسالة «النّكت في إعجاز القرآن» لأبي الحسن علي بن عيسى الرّمّاني المتوفى سنة (384) هـ. وفيما يلي تعريف بالرماني وبرسالته بإيجاز:
الرّمّاني: هو أبو الحسن علي بن عيسى الرّمّاني، نسبة إلى الرمان وبيعه أو إلى قصر الرمان، وهو قصر بواسط. ولد سنة ست وتسعين ومائتين من الهجرة بمدينة سامراء أو ببغداد. أخذ اللغة والنحو على جماعة من شيوخ العلم مثل أبي بكر السراج، والزجاج، وابن الإخشيد المعتزلي.
كان محبا للعلم واسع الاطلاع متقنا للأدب وعلوم اللغة والنحو، وبرع في علوم القرآن والتفسير وألف فيها. وتوفي بعد حياة حافلة سنة 384 هـ.
أما كتابه فهو «النّكت في إعجاز القرآن» ويظهر من مقدمته للكتاب أنه
كان جوابا لسؤال وجّه للرماني، حيث يقول:(سألت وفّقك الله عن ذكر النكت في إعجاز القرآن دون التطويل بالحجاج، وأنا أجتهد في بلوغ محبتك والله الموفق للصواب بمنّه ورحمته، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه).
ثم يبدأ في سرد وجوه الإعجاز .. وفيما يلي مقتطفات من كتابه تبيّن رأي الرماني في إعجاز القرآن:
يقول الرماني: (وجوه إعجاز القرآن تظهر من سبع جهات:
1 -
ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة.
2 -
والتحدّي للكافة.
3 -
والصرفة.
4 -
والبلاغة.
5 -
والأخبار الصادقة عن الأمور المستقبلة.
6 -
ونقض العادة.
7 -
وقياسه بكل معجزة) (1).
وقدّم الرماني الحديث عن البلاغة لأهمية الوجه عنده، أما الوجوه الثلاثة قبلها والوجوه الثلاثة بعدها، فقد أرجأ الحديث عنها إلى آخر الرسالة ليتكلم عنها بإيجاز.
ويقول: (فأما البلاغة فهي على ثلاث طبقات:
1 -
منها ما هو في أعلى طبقة.
2 -
ومنها ما هو في أدنى طبقة.
3 -
ومنها ما هو في الوسائط، بين أعلى طبقة وأدنى طبقة.
(1)«النكت في إعجاز القرآن» للرماني، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، ص 75.
فما كان في أعلاها طبقة فهو معجز، وهو بلاغة القرآن. وما كان منها دون تلك فهو ممكن كبلاغة البلغاء من الناس.
وليس البلاغة إفهام المعنى، لأنه قد يفهم المعنى متكلّمان أحدهما بليغ والآخر عييّ، ولا البلاغة أيضا بتحقيق اللفظ على المعنى، لأنه قد يحقق اللفظ على المعنى وهو غث مستكره ونافر متكلّف، وإنما البلاغة إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ
…
فأعلاها طبقة في الحسن بلاغة القرآن، وأعلى طبقات البلاغة للقرآن خاصة، وأعلى طبقات البلاغة معجز للعرب والعجم كإعجاز الشعر المفحم، فهذا معجز للمفحم خاصة كما أن ذلك معجز للكافة) (1).
ويقسم الرماني بعد ذلك البلاغة إلى عشرة أقسام هي: الإيجاز، والتشبيه، والاستعارة، والتلاؤم، والفواصل، والتجانس، والتصريف، والتضمين، والمبالغة، وحسن البيان.
ثم يفسر كل قسم منها، فيعرف الموضوع ثم يقسمه إلى نواحيه ويستشهد لكل ناحية بالآيات القرآنية، ويسوق أحيانا بعض الأبيات من الشعر، أو كلام منقول عن العرب للمقارنة والموازنة. ويستغرق حديثه عن هذا الوجه من ص 76 - 109. ثم يتحدث عن الوجوه الستة التي ذكرها في أول الرسالة، حديثا موجزا، حيث استغرق الكلام عنها من ص 109 - 113.
والمأخذ الذي أخذ على الرماني في كتابه أنه جعل الصرفة وجها من وجوه الإعجاز. وعلى الرغم من أنه لم يدافع عن هذا الوجه ولم يشرحه، إلا أن مجرد ذكره من بين وجوه الإعجاز وتأييده بقوله:(وهذا عندنا أحد وجوه الإعجاز التي يظهر منها للعقول) وهو في واقع الأمر يتناقض مع ما ذهب إليه في وجه البلاغة، كما سنبيّنه عند الحديث عن الصرفة.
كما أن حجج الرماني على القول بنفي السجع من القرآن لم تكن
(1)«النكت في إعجاز القرآن» للرماني، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، ص 76.
بالمستوى الذي يحمل المرء على الاقتناع بها وترك المحسوس المشاهد من وجوده في الآيات الكثيرة والسور المتعددة. يقول الرماني عن ذلك:
(الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع توجب حسن إفهام المعاني.
والفواصل بلاغة والأسجاع عيب. وذلك أن الفواصل تابعة للمعاني، وأما الأسجاع فالمعاني تابعة لها، وهو قلب ما توجبه الحكمة في الدلالة .. ) (1).
وقد تناول العلماء هذا الموضوع- وجود السجع في القرآن- وأشبعوه بحثا ولا مجال هنا لإيراد أقوالهم (2).
(1)«النكت في إعجاز القرآن» ص 97.
(2)
للاطلاع على أقوالهم يمكن الرجوع إلى كتاب «الصناعتين» لأبي هلال العسكري، ص 261، وكتاب «سر الفصاحة» للخفاجي، ص 165، و «المثل السائر» لابن الأثير، ص 114.