الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من كلام العرب على ذلك ثم يصلون إلى إعجاز القرآن من خلال المقارنة.
إلا أن هذا اللون في البحث اختلف مساره على يد الإمام الباقلّاني المتوفى سنة 403 هـ حيث قصد إلى بحث إعجاز القرآن ابتداء فجعل البحث في وجوهه نقطة البدء.
الإعجاز في كتب متكلمي أهل السنّة والجماعة:
ثم جاء بعد ذلك الخطابي وهو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطّابي المتوفى سنة 388 هـ. ويعدّ الخطابي من علماء أهل السنّة والجماعة البارزين، وعرف بمؤلفاته الجليلة مثل «غريب الحديث» ، و «معالم السنن» في شرح سنن أبي داود، و «أعلام السنن» في شرح البخاري، و «بيان إعجاز القرآن» .
وقد تعرض في كتابه لآراء العلماء الذين سبقوه بالحديث عن إعجاز القرآن وبلاغته، مما يدل على أنه استفاد من الذين ألفوا قبله في هذا الموضوع. وطريقته شبيهة بطريقة الرماني في عرض الكلام البليغ والأساليب البليغة والاستشهاد على ذلك من كلام العرب ثم الانتهاء إلى بلاغة القرآن، والمقارنة بين أسلوب القرآن وغيره من الأساليب.
وجه الإعجاز عند الخطابي:
لقد اطّلع الخطابي على ما كتبه السابقون عن إعجاز القرآن كالجاحظ وابن قتيبة والرماني. وكان موضوع النظم القرآني هو ميدان البحث في كتابات المتصدّين لبيان وجه الإعجاز، إلا أن حديث الخطابي عن النظم القرآني يختلف بعض الاختلاف عن حديث الجاحظ وعن حديث ابن قتيبة والرماني. فبينما اهتم السابقون ببيان وجوه المجاز والاستعارات والتشبيهات، واستخدام الألفاظ المختارة للدلالة على الأغراض المعيّنة،
وقارنوا كل ذلك بما ورد عن العرب في أشعارهم وخطبهم وفصيح كلامهم في محافلهم، وأبرزوا مزايا القرآن الكريم على كل ذلك، نجد الخطابي يضيف بعدا جديدا إلى مفهوم النظم حيث يقول:
(وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشد تلاؤما وتشاكلا من نظمه، وأما المعاني فلا خفاء على ذي عقل أنها هي التي تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها والترقي إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها)(1).
والخطابي عند ما يطلق هذه الأوصاف العامة في النظم القرآني وألفاظه الفصيحة الجزلة ونظمه المتآلف المتلائم ومعانيه الفاضلة، لم يسق أمثلة تطبيقية من خلال نصوص آي الذكر الحكيم ليلمسنا هذه الجوانب لمس اليد ويضع أصابعنا على هذه الجوانب من النظم القرآني كما فعل الجرجاني الذي جاء بعده.
ولعل جانبا آخر تميّزت به نظرية الخطابي في الإعجاز وهو مزيتا القرآن الكريم التي قال عنها الخطابي: (صفتا الفخامة والعذوبة) يقول في ذلك:
(
…
فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع من أنواعها شعبة (2)، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة، وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادّين لأن العذوبة نتاج السهولة، والجزالة والمتانة في الكلام
(1)«بيان إعجاز القرآن» للخطابي، مطبوع ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، ص 27، بتحقيق محمد خلف الله، د. محمد زغلول سلام. ط دار المعارف.
(2)
يقصد الخطابي الكلام البليغ الذي قسمه إلى ثلاثة أقسام: (البليغ الرصيف الجزل، والفصيح القريب السهل، والجائز الطلق الرسل).
تعالجان نوعا من الوعورة، فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبوّ كل واحد منهما على الآخر فضيلة خصّ بها القرآن، يسرّها الله بلطيف قدرته من أمره، ليكون آية بينة لنبيه، ودلالة على صحة ما دعا إليه من أمر دينه) (1).
فهذه المزايا في نظم القرآن الكريم هي التي أعجزت العرب عن الإتيان بمثله أو بمثل أقصر سورة منه، (لذا انقطع الخلق دونه وعجزوا عن معارضته بمثله أو مناقضته في
شكله. ثم صار المعاندون له ممن كفر به وأنكره يقولون مرة إنه شعر لما رأوه كلاما منظوما، ومرة سحر إذ رأوه معجوزا عنه غير مقدور عليه، وقد كانوا يجدون له وقعا في القلوب وقرعا في النفوس يريبهم، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا من الاعتراف، ولذلك قال قائلهم إن له حلاوة وإن عليه طلاوة .. ) (2).
وهكذا نجد الخطابي قد استوعب ما قاله سابقوه في وجه الإعجاز وعمّق مفهوم النظم القرآني بهذه التقسيمات.
بالإضافة إلى ما تعرض له في كتابه في الرد على الصرفة والقائلين بها، وما أورده من وجوه أخرى في الإعجاز وإن لم يرتضها كالقول بالإعجاز الغيبي لأن جميع سور القرآن لا تشتمل على إخبار بالغيب، وقد جعل كل سورة من القرآن معجزة قائمة بذاتها.
ثم يذكر من وجوه الإعجاز ما قال عنه: (إن الناس قد ذهبوا عنه فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم وهو صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما أو منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب- من اللذة والحلاوة في الحال، ومن الروعة والمهابة في أخرى- ما يخلص من القرآن إليه، تستبشر به النفوس، وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة، وقد عراها الوجيب والقلق وتغشاها