الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروا عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم (1).
ثانيا: ما ورد في شأن المنافقين:
والفئة الثانية التي لم يقر لها قرار في المدينة بعد أن استوطنها المسلمون المهاجرون وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم وبين الأنصار هي فئة المنافقين، وكان يتزعمها عبد الله بن أبي ابن سلول، فكان هو وأتباعه يحاولون النيل من الإسلام ووضع بذور الشقاق والخلاف بين المسلمين من الأوس والخزرج، وبينهم وبين المهاجرين كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ولكن آيات القرآن الكريم كانت لهم بالمرصاد حيث كشفت عن أعمالهم وعن دخيلة أنفسهم فكان المسلمون على بينة من أمرهم.
أ- فمن الأساليب التي كان يلجأ إليها المنافقون حرب الأعصاب، ففي غزوة أحد قام رأس النفاق بشطر الجيش وسحب أنصاره منه وهم زهاء الثلاثمائة وهم يريدون بذلك إيقاع البلبلة والاضطراب في قلوب المسلمين، ولما هزم المسلمون في المعركة أبدوا شماتة الجبناء الأنذال، والقرآن يصور خستهم القائمة على الخبث والجبن ويبرز الحقيقة الكامنة فيهم، وهي أن ألسنتهم وصدورهم إنما تعيشان باستمرار على طرفي نقيض: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167)[آل عمران: 166 - 167].
وفي غزوة الخندق كان لنذالة المنافقين دورها، فقد حفر المسلمون الخندق حول المدينة ليكونوا في مأمن من هذا الهجوم ولكن المسلمين أصبحوا مع ذلك في خطر يتهددهم من داخل المدينة من قبل اليهود لا
(1) صحيح البخاري 6/ 51، ط صبيح.
سيما بنو قريظة الذين غدروا بالعهد ليطعنوا المسلمين من الخلف ولم يكتف المنافقون بمهمة التثبيط حتى قال قائلهم (1): كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط.
لم يكتفوا بهذا بل قاموا بدور الانسحاب مرة أخرى، والمعركة في أحد غير المعركة داخل المدينة، فإن كانوا قد انسحبوا من الميدان في أحد فكيف ينسحبون وهم في دور الدفاع عن كيان بلدهم، ومرة أخرى انتحلوا عذرا واهيا زاعمين أن بيوتهم عورة مكشوفة معرضة للخطر، عليهم أن يتولوا حراستها والدفاع عنها، علما أن الخطر لم يكن كامنا على بيوتهم بل على الجبهة التي وقف أمامها المسلمون، ولكن خسة الطبع زينت لهم هذا الغدر وسوغته فتركوا الميدان: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً (13)[الأحزاب: 11 - 13].
ب- ويتكرر موقف التخاذل والنذالة والانسحاب في غزوة تبوك- غزوة العسرة- بعد أن يحاولوا تثبيط المسلمين عن الخروج للجهاد، وجهز رأسهم جيشا من المنافقين واليهود ينافس به جيش المسلمين، حتى كان يقال ليس عسكر ابن أبيّ بأقل العسكرين، ثم أعلن حرب الأعصاب حين قرر التخلف والانسحاب وهو يقول: يغزو محمد بني الأصفر- مع جهد الحال والحر والبلد البعيد إلى ما لا قبل له به- يحسب محمد أن قتال بني الأصفر اللعب، والله لكأني أنظر إلى أصحابه غدا مقرنين في الحبال (2).
هذا ديدنهم في الشدائد وعند الاستعداد للمعارك، وهو أن يفروا من الميدان، ويبررون هزيمتهم هذه بأتفه الأعذار، وانظر إلى عذر أحدهم (3).
(1) هو متعب بن قشير، انظر «سيرة ابن هشام» 3/ 262.
(2)
انظر الروايات في «سيرة ابن هشام» ، 4/ 175 وما بعدها.
(3)
هو الجدّ بن قيس، ذكره ابن هشام: 4/ 173.
يقول: إنه يخشى على نفسه الفتنة من نساء الروم لجمالهن.
وانظر إلى الآيات وهي تعري حقائقهم: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) * وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49)[التوبة: 45 - 49].
ج- وخسة المنافقين ونذالتهم وكيدهم للمسلمين لا يقتصر على زمن الحرب بل لا يتورعون عن شيء يخدم قضيتهم إلا واستغلوه، ويبدو ذلك في قضية الإفك جليا، فبعد النصر الساحق للمسلمين على بني جذيمة في غزوة بني المصطلق، رجع المسلمون وهم في نشوة الانتصار، والمنافقون كانوا في مأتم لأن كيدهم لم ينفع، فوجدوا مجالا في تخلف السيدة عائشة رضي الله عنها عن الركب وحمل صفوان بن المعطل رضي الله عنه لها على بعيره، وجدوا في هذا ما يشفي غلّهم وحقدهم الدفين، وليعكروا صفو هذا الانتصار، ولتسوء العلاقة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين عائشة، وبينه وبين صديقه الأول أبي بكر، وفوق كل ذلك لتتزعزع ثقة المسلمين ببعضهم وبرسولهم، لكن الله سبحانه وتعالى، جعل التباطؤ في قضية الإفك الذي حسبه المسلمون شرا كله، جعل فيه الخير الكثير، حيث كشف دخيلة أنفس المنافقين، وعلّم المسلمين درسا بليغا في التربية وضبط النفس وعدم الانسياق والانحراف مع الإشاعات المغرضة المدسوسة.
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ
(13)
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)[النور: 11 - 17].
هكذا نجد مواكبة القرآن الكريم لمسيرة الدعوة، وتوجيهها ورعايتها بإلقاء الضوء أمامها كلما اشتد الظلام وتفرقت السبل واختلط الأمر، وقويت وطأة التآمر من أعداء الله وراجت شائعاتهم، للنيل من وحدة المسلمين، وإلقاء الوهن في قلوبهم.
هذا هو الهدف الأساسي من ذكر هذا النوع من الغيب، ولكن هناك مقاصد أخرى تأتي تبعا، وقد نتوصل إليها كنتائج عند ما نتدبر النصوص التي كشفت النفاق والمنافقين وجميع أعداء الله.
فالنصوص التي استعرضنا قسما منها عرفتنا بحقيقة الأنفس التي بارزت الله والرسول بالعداء، لأن في ذكر خصال هذه الأنفس بتعرية النماذج الأولى منها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف حقيقتهم تمكينا للمسلمين في شتى عصورهم وعلى اختلاف أمكنتهم وأزمنتهم من معرفة أعداء الله، والأساليب التي يلجئون إليها، فهذه النماذج تتكرر باستمرار، فما وجدت دعوة وقائمون عليها لا بد من وجود أعداء يعلنون ما في قلوبهم من غيظ وحنق، ومنافقين يلبسون لكل حالة لبوسها.
وإلى جانب ذلك فهنالك بعض الحالات التي تنزل بشأنها الآيات الكريمة والأطراف فيها مؤمنون صادقون، قد زلت بهم القدم أو اجتهدوا اجتهادا لم يوفقوا فيه إلا لحصول أجر الاجتهاد فتنزل الآيات لتخبر رسوله بما جرى وما ينبغي أن يكون عليه الحال. ومن أمثلة ذلك:
أ- ما نزل في قصة التحريم في قوله تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها
بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4)[التحريم: 3 - 4].
فإن ما اتفقت عليه عائشة وحفصة من حرمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب العسل في بيت زينب بادعاء أنهما تشمان رائحة المغافير منه لم يطلع رسول الله صلى الله سلم عليه، وإنما نزل عليه الوحي مخبرا ومهددا للاثنتين بالطلاق إن لم تكفا عن مثل هذه المواقف التي تزعزع ثقة المسلمين ببيت النبوة، مصدر التشريع للأمة. فالحادثة جرت بين أمهات المؤمنين لا بقصد الإساءة وإنما بقصد الاستحواز على حب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاهتمام بهن وإيثارهن على غيرهن من الضرائر. فنزلت الآيات الكريمة موجهة هادية للصواب مصححة للموقف (1).
ب- وفي غزوة حنين خرج المسلمون في اثني عشر ألف مقاتل، ولأول مرة في تاريخ المسلمين يخرجون بمثل هذا العدد، فكان من بعض الجند إعجاب بهذه الكثرة وغفلة عن أن النصر بيد الله يؤتيه من يشاء ومتى شاء، وما العدد والعدة إلا أسباب ظاهرة أمرنا باتخاذها وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران: 126].
فلما فوجئ جند المسلمين بالعدو ولوا مدبرين، لولا أن تداركهم رحمة الله فثبت الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عصبة من المهاجرين والأنصار، لكانت هزيمة نكراء.
يقول عز من قائل في الحادثة: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26)[التوبة: 25 - 26].
(1) للمزيد من الدروس والعظات والعبر في حادثة التحريم انظر كتابنا: تربية الأسرة المسلمة في ضوء سورة التحريم ص 54 وما بعدها.
إن المقالة التي قالها أحد المسلمين (لن نغلب اليوم من قلة)(1) لم يسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، ولولا نزول الوحي في ذكرها لذهبت الكلمة في ضجيج الناس وصخب المشاة. إلا أن خطورة الغفلة عن الأسباب الحقيقية للنصر، ووجود المخالفات في صفوف المجاهدين ينعكس أثره على الجميع، ولذلك جاء إسناد الإعجاب إلى المجموع (أعجبتكم) فنزل الوحي منبها مصححا مهذبا.
ج- وفي غزوة أحد كشف لجانب آخر من الأمور الخفية التي لا سبيل لأحد من البشر الاطلاع عليها، وهي النية الكامنة في القلب عند التوجه لأداء فعل ما. فقد خرج المسلمون إلى قتال أعدائهم، وتخاذل المنافقون وعاد بهم القهقرى كبيرهم ابن أبيّ، وخوطبت الفئة التي دخلت المعركة وانتصرت في بدايتها ثم انشغلت طائفة منهم بجمع الغنائم، خوطبت بقول الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)[آل عمران: 152]. يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت فينا يوم أحد:
مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ (2). إن هذه الإرادة أمر قلبي لا يطلع عليه أحد سوى الله الذي لا تخفى عليه خافية. وهذا الكشف عن هذا الجانب الغيبي يجعل المؤمن حارسا لوساوس القلب مراقبا للمشاعر والأحاسيس. وفي ذلك إحياء للقلب وتصفية للنوايا من الشوائب والرغائب الدنيوية ليبقى المؤمن في أفق رفيع متألق من الإخلاص لله عز وجل.
نتلمس من ذلك كله أن تسديد مسيرة الدعوة وتربية الأمة وتهذيب
(1) فتح القدير للشوكاني 2/ 348.
(2)
انظر الدر المنثور 2/ 349.
الأنفس هو الغرض الأساس في غيب الحاضر. ويستدل تبعا لذلك أن ما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم من كشف الأمور ومجريات الأحداث- وهو لم يحضرها ولم يشاهدها- دليل على أنه وحي أوحي إليه من ربه وأنه رسول مؤيّد من الذي لا تخفى عليه خافية في السماوات والأرض.