الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد اتهمت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه افتراه وأعانه عليه قوم آخرون، وقالوا تارة أخرى إنه يتلقاه من بشر. وسموا أنباء الغيب الماضي أساطير الأولين. وهذه التهم شهادة غير مباشرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت قريش تعلم أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، ولم يتهموه أنه اتصل بأحد من أحبار اليهود أو رهبان النصارى، ولم تكن له أسفار للبحث والتنقيب عن آثار الأمم. وعند ما قالوا إنها تملى عليه كانوا يدركون عدم صدقهم في هذه التهمة. فمن الذي أوتي علوم الأولين والآخرين حتى يستطيع إملاءها على التهمة. فمن الذي أوتي علوم الأولين والآخرين حتى يستطيع إملاءها على محمد صلى الله عليه وسلم؟! ولماذا لم يدع هو النبوة بدل محمد صلى الله عليه وسلم؟ لذا كانت تهمتهم هذه اعترافا منهم بأن هذه الأنباء لا يمكن أن يأتي بها محمد صلى الله عليه وسلم من عند نفسه، وتمويها وتضليلا للناس وخداعا لأنفسهم فليلصقوها بأحد أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ورواجا لهذه الفرية ليكن شخصا غريبا عن قريش لعل في ذلك زيادة في التضليل والتمويه، فليكن صهيبا الرومي أو يسارا مولى الحضرمي، أو عداسا مولى حويطب بن عبد العزى أو جبرا مولى ابن عامر، واختاروهم من الموالي الغرباء عن قريش ليوهموا العامة أن هؤلاء الغرباء على علم لا تعلمه قريش.
وهذا ما تولى القرآن الكريم الرد عليه في قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)[الفرقان: 4 - 6]. وقوله تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)[النحل: 103].
أهداف غيب الماضي:
من خلال تتبع القصص القرآني وما ورد فيه من أنباء الأمم السابقة ندرك أن الهدف الأساس من هذا النوع من الغيب هو إثبات صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثيرا ما يستدل القرآن الكريم على ذلك بالإشارة إلى
مطابقة ما ورد في القرآن لما ورد في الكتب السابقة، كما في قوله تعالى:
وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37)[يونس: 37].
وهناك أهداف تبعية لغيب الماضي مثل:
أ- تثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإدخال الطمأنينة إلى قلبه أن منهجه هو منهج الأنبياء والرسل السابقين، وأن ما يلاقيه من عنت المشركين وعنادهم هو سنّة الله في جميع الأقوام. كما في قوله تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)[هود: 120].
ب- تربية الأمة وتهذيبها من خلال العظات والعبر التي ترد في قصص السابقين كالإخلاص والتوكل في قصة إبراهيم عليه السلام، والبر والوفاء والطاعة في قصة إسماعيل عليه السلام والصبر والتحمل في قصة أيوب عليه السلام
…
ج- تنمية المشاعر النبيلة والاستمتاع الوجداني والتسلية والترويح من خلال هذا الزاد الثقافي العظيم، كما في قوله تعالى بعد قصة يوسف عليه السلام لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) [يوسف: 111]، وقوله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (58)[القصص: 58].
د- إبراز وجه من وجوه الإعجاز البياني للقرآن الكريم، فالقصة الواحدة تتكرر أحيانا عدة مرات، وتحس في كل مرة بقضايا وأمور جديدة مع الحفاظ على أصل القصة، ومن غير تناقض في وقائعها، ويؤدى ذلك كله بأسلوب معجز، وهذا ليس في قدرة البشر، يقول الإمام فخر الدين الرازي: ( .. إنه كان يذكر القصة الواحدة مرارا مختلفة بألفاظ مختلفة،
وكل ذلك مشابهة في الفصاحة، مع أن الفصيح إذا ذكر قصة واحدة مرة واحدة بالألفاظ الفصيحة عجز عن ذكرها بعينها مرة أخرى بألفاظ فصيحة، فيستدل بفصاحة الكل على كونها من عند الله تعالى لا من البشر (1).
(1) انظر كتاب أسرار التأويل ص 7.