المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - من الفنون البلاغية: التشبيه: - مباحث في إعجاز القرآن

[مصطفى مسلم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌بين يدي المباحث

- ‌مقدمة في مكانة الإنسان بين المخلوقات

- ‌المبحث الأول المعجزة

- ‌تمهيد:

- ‌تعريف المعجزة:

- ‌شروط المعجزة:

- ‌إمكان وقوع المعجزة:

- ‌وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول:

- ‌المبحث الثاني معجزات الأنبياء السابقين ومعجزات خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين

- ‌سنة الله سبحانه وتعالى في معجزات الأنبياء:

- ‌مزايا معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم العظمى (القرآن الكريم):

- ‌الحكمة في الصرف عن المطالبة بالمعجزات المادية إلى معجزة القرآن الكريم:

- ‌الحكمة الأولى:

- ‌الحكمة الثانية في هذا الصرف عن المعجزات المادية:

- ‌الحكمة الثالثة:

- ‌مراحل التحدي والقدر المعجز من القرآن:

- ‌القسم الأوّل في الجانب التّاريخيّ لإعجاز القرآن

- ‌إعجاز القرآن في دراسات العلماء

- ‌نشأة مصطلح إعجاز القرآن:

- ‌الفصل الأول

- ‌الإعجاز في كتب المعتزلة

- ‌الإعجاز عند مفسري المعتزلة

- ‌جار الله الزمخشري:

- ‌الصرفة

- ‌مصدر القول بالصرفة:

- ‌القائلون بالصرفة:

- ‌حقيقة القول بالصرفة:

- ‌مما تقدم من أقوال القائلين بالصرفة نتعرف على مذهبين لهم:

- ‌أما الأدلة النقلية:

- ‌وأما الأدلة العقلية:

- ‌الفصل الثاني

- ‌الإعجاز عند علماء أهل السنة والجماعة

- ‌الإعجاز في كتب متكلمي أهل السنّة والجماعة:

- ‌وجه الإعجاز عند الخطابي:

- ‌الباقلاني وكتابه «إعجاز القرآن»:

- ‌من أشهر مؤلفاته:

- ‌كتاب «إعجاز «القرآن»:

- ‌فصل (في جملة وجوه إعجاز القرآن)

- ‌عبد القاهر الجرجاني ونظريته في إعجاز القرآن:

- ‌ومن أمثلة عبد القاهر الجرجاني على حذف المفعول للعناية بنفس الفعل:

- ‌ومن أمثلة عبد القاهر على احتمال النظم وجوها ثم اختيار وجه معين دون غيره من الوجوه:

- ‌إعجاز القرآن عند مفسري أهل السنّة والجماعة

- ‌الفصل الثالث

- ‌إعجاز القرآن في دراسات المعاصرين

- ‌1 - مصطفى صادق الرافعي وكتابه «إعجاز القرآن والبلاغة النبوية»:

- ‌ الحروف

- ‌الكلمات وحروفها:

- ‌الجمل وكلماتها:

- ‌وجه الإعجاز عند الرافعي:

- ‌2 - رأي الدكتور محمد عبد الله الدراز:

- ‌3 - سيد قطب ورأيه في إعجاز القرآن:

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌المرحلة الثالثة:

- ‌القسم الثاني الجانب الموضوعي لإعجاز القرآن

- ‌وجوه إعجاز القرآن

- ‌الفصل الأوّل الإعجاز البيانيّ

- ‌المبحث الأول

- ‌فصاحة القرآن وبلاغته

- ‌أولا: تعريف الفصاحة والبلاغة:

- ‌ثانيا: أمثلة على بعض الفنون البلاغية:

- ‌1 - إيجاز القصر:

- ‌2 - ومن الفنون البلاغية: التتميم

- ‌3 - من الفنون البلاغية: التشبيه:

- ‌المبحث الثاني

- ‌النظم القرآني (جزالته وتناسقه)

- ‌التناسق بين العبارة والموضوع الذي يراد تقريره:

- ‌ومن مزايا النظم القرآني اهتمامه بالجملة القرآنية واختيار المكان المناسب فيها للكلمة المعبرة:

- ‌وبالإضافة إلى اختيار الكلمة المناسبة لأداء المعنى المعيّن فإن النظم القرآني يهتم بالإيقاع والانسجام في اللفظ والنغم:

- ‌المبحث الثالث

- ‌الأسلوب القرآني الفريد

- ‌أولا: المرونة والمطاوعة في التأويل:

- ‌ثانيا: اعتماد الأسلوب القرآني الطريقة التصويرية في التعبير:

- ‌ثالثا: طريقة الأسلوب القرآني المتميزة في المحاجّة والاستدلال:

- ‌وجه دلالة الإعجاز البياني على مصدر القرآن

- ‌الفصل الثاني الإعجاز العلميّ التّجريبيّ

- ‌الإعجاز العلميّ (التجريبيّ)

- ‌تمهيد: بين يدي البحث في الآيات الكونية:

- ‌ضوابط في مبحث الإعجاز العلمي وتفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم

- ‌1 - القرآن كتاب هداية:

- ‌2 - ترك الإفراط والتفريط:

- ‌3 - مرونة الأسلوب القرآني:

- ‌4 - الحقائق العلمية مناط الاستدلال:

- ‌5 - عدم حصر دلالة الآية على الحقيقة الواحدة:

- ‌6 - استحالة التصادم بين الحقائق القرآنية والحقائق العلمية:

- ‌7 - اتباع المنهج القرآني في طلب المعرفة:

- ‌بدء الكون ومصيره

- ‌السماء

- ‌السماوات والأرض

- ‌الأرض

- ‌الشمس والقمر

- ‌النجوم

- ‌الجبال

- ‌البحر

- ‌الظواهر الجوية (الرياح- السحب- المطر- الرعد والبرق)

- ‌الحيوان

- ‌(أ) التذليل:

- ‌(ب) الرزق:

- ‌(ج) أنماط الحياة والتكاثر:

- ‌الإنسان

- ‌الرحم والنشأة الجنينية

- ‌النشأة الجنينية:

- ‌مرحلة النطفة:

- ‌مرحلة العلقة:

- ‌مرحلة المضغة «الأسبوع الرابع»

- ‌مرحلة العظام واللحم:

- ‌ثم أنشأناه خلقا آخر:

- ‌تحقيق الشخصية «البصمات»

- ‌الحساسية الجلدية

- ‌الضغط الجوي وتأثيره على الإنسان:

- ‌وجه دلالة الإعجاز العلمي على مصدر القرآن الكريم

- ‌الفصل الثالث الإعجاز التّشريعيّ

- ‌أولا: في العقيدة:

- ‌ثانيا: في الشريعة:

- ‌1 - الرابطة بين أفراد المجتمع الإسلامي رابطة الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين:

- ‌2 - الأسرة ومكانتها في القرآن:

- ‌3 - الدولة والحكومة في القرآن:

- ‌أ- الشورى:

- ‌ب- العدل المطلق بين الرعية:

- ‌ج- التكافل الاجتماعي:

- ‌4 - الأسس التي بنيت عليها علاقات الدولة الإسلامية بغيرها:

- ‌ثالثا: في الأخلاق:

- ‌دلالة الإعجاز التشريعي على مصدر القرآن الكريم

- ‌الفصل الرّابع الإعجاز الغيبيّ

- ‌المبحث الأول

- ‌غيب الماضي

- ‌أهداف غيب الماضي:

- ‌المبحث الثاني

- ‌غيب الحاضر

- ‌أولا: ما جاء في شأن اليهود:

- ‌ثانيا: ما ورد في شأن المنافقين:

- ‌المبحث الثالث غيب المستقبل

- ‌وجه دلالة الغيب على مصدر القرآن

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الآيات

- ‌فهرس الأحاديث النبوية

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس المراجع

- ‌أولا: كتب التفسير وعلوم القرآن:

- ‌ثانيا: كتب الحديث:

- ‌ثالثا: كتب مختلفة:

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌القسم الأول: في الجانب التاريخي لإعجاز القرآن

- ‌القسم الثاني: الجانب الموضوعي لإعجاز القرآن

- ‌الفهارس

- ‌صدر للمؤلف

الفصل: ‌3 - من الفنون البلاغية: التشبيه:

لما يجد في نفسه من القوة وما يأمل من طول المدة فقال محتاطا وَأَصابَهُ الْكِبَرُ. ثم علم سبحانه وتعالى أنه إذا كان عقيما مع الكبر سلّاه عنها قرب المدة وعدم من يهتم بضياعه بعده فلا يشتدّ أسفه عليها، فقال عز وجل محتاطا أيضا: وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ. ثم علم أنه إذا لم يصف الذرية بالضعف احتمل الإطلاق أن يكونوا أقوياء، فيترجى إخلافهم لها،

فيخفض ذلك من أسفه فقال محتاطا: ضُعَفاءُ. ثم لما فرغ من وصف الجنة أخذ في وصف الحادث المهلك لها بقوله عز وجل: فَأَصابَها إِعْصارٌ. وعلم تبارك اسمه أن الإعصار لا يعجل فساد هذه الجنة، ولا يحصل هلاكها به إلا بعد استمراره عليها في مدة طويلة، وهو يريد الإخبار بتعجيل هلاكها فقال: فِيهِ نارٌ. ثم اقتصر سبحانه وتعالى من الرياح على الإعصار لكونه عبارة عن تقابل الرياح المثيرة للعجاج الكثيف الذي يعمي دوامه عيون الماء، ويطم الآبار والأنهار، ويحرق بسمومه ورهجه الأشجار، وإذا اتفق مع ذلك أن تكون فيه نار أدارها على المكان الذي يكون فيه بحيث لا ينصرف عنه، لأنه لا يقصد وجهة مقابلة فينصرف ما يكون فيه إليها. ثم علم الله سبحانه وتعالى أن النار يحتمل أن تكون ضعيفة فتطفأ لضعفها عن مقاومة ما في الجنة من الأنهار، ورطوبة الأشجار، فاحتاط لذلك بقوله:

فَاحْتَرَقَتْ فنفى هذا الاحتمال، وأوجز تتميم المعنى المراد.

وهكذا نجد أن الآية الكريمة قد تضمنت من الدقائق واللطائف ما يبرز الغرض المقصود من سوق المثل وهو إبراز عظيم أسف صاحب الجنة وتحسره على ما فاته منها، في حالة كان بأمس الحاجة إلى نتاجها وخيراتها. وكذلك المرائي بصدقته الذي ينفقها رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، فإنه سيفقد هذا الثواب في وقت هو بأمس الحاجة إلى ما يثقل ميزان حسناته.

‌3 - من الفنون البلاغية: التشبيه:

قال تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ

ص: 129

نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)[يونس: 24]. فإن في الآية عشر جمل وقع التركيب من مجموعها بحيث لو سقط منها شيء اختل التشبيه، إذ المقصود تشبيه حال الدنيا في سرعة تقضّيها، وانقراض نعيمها، واغترار الناس بها، بحال ماء نزل من السماء، وأنبت أنواع العشب وزين بزخرفها وجه الأرض كالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة، حتى إذا طمع أهلها فيها وظنوا أنها مسلمة من الجوائح أتاها بأس الله فجأة، فكأنها لم تكن بالأمس (1).

يقول صبحي الصالح تعليقا على قول السيوطي:

وإنه ليعنينا أن نقف قليلا عند تشبيه الحياة الدنيا، فلقد أصاب السيوطي في استخلاص وجه الشبه، وتقسيمه هذا التركيب القرآني إلى عشر جمل، أما موضع الجمال الحقيقي في هذا المشهد- مشهد الحياة القصيرة التي يوشك أن تزول- فلم يتتبعه السيوطي في تنسيق الجمل العشر، والصور التي تطويها كل جملة منها في أوقات يتفاوت عرضها الخيالي طولا وقصرا.

لأن هذا التفاوت في العرض الخيالي تبعا لمراحل المشهد المصور لم تكن جزءا من التشبيه المركب، فما على السيوطي إلا أن يذكر المعنى العام للآية وقد وفق فيه وأجاد، وإن علينا نحن أن نشير إلى المراحل التي أبطأ فيها التصوير وتمهل، أو التي اندفع فيها وأسرع، حتى تم لهذا المشهد القرآني من الإعجاز بالألفاظ الجامدة ما لا يتم من الإبداع بالريشة والألوان.

لقد استخدمت في هذا المشهد الوسائل المقصرة لعرض مراحل النبات، فالفاء التعقيبية تطوي المسائل بسرعة عظيمة، ما كاد الماء ينزل من السماء حتى اختلط به نبات الأرض مباشرة، وأصبح فجأة في متناول الناس يأكلونه والأنعام تتمتع به، إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ

(1)«الإتقان» 2/ 70، و «مباحث في علوم القرآن» لصبحي الصالح ص 322.

ص: 130

فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ (1). ولكن أهل هذه الأرض المتمتعين بنباتها البهيج يمتدّ بهم الغرور، ويلجّون في اللهو كأنهم يعيشون أبدا، وكأنهم يقدرون على إخلاد الأرض وإخلاد أنفسهم فيها، غارقين في متعها متقلبين في نعائمها، مسحورين بزخرفها، فاستخدمت (حتى) الدالة على امتداد الصور امتدادا يعرف أوله ويجهل منتهاه.

وتتابعت أوصاف الغرور الإنساني تترى، لكل وصف منها تعبير متمهّل متبطّئ، فأما الأرض فشخصت مرتين، وقامت بحركتين، إذ أخذت بنفسها زخرفها كما تفعل العروس في جلوتها، وتطلبت الزينة تطلبا وسعت إليها سعيا فلم تزين ولكنها ازينت. وأما أهل الأرض فانتفخت أوداجهم زهوّا واختيالا وصعّروا خدودهم عجبا وكبرا وأيقنوا- وإن كان يقينهم ظنا وخيالا- أنهم في الأرض على كل شيء قادرون، ولكن الظن لا يغني من الحق شيئا. وهذه الآماد الطوال كلها ليست إلا ومضات خيالية تزول كما تزول الأطياف. ففي لحظة من ليل أو نهار يأتي تلك الأرض أمر الله فيطوي تلك الأخيلة الكواذب في وقت كلمح البصر بل هو أقرب، إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) [يس: 82].

وانظر ما من زخرف وما من زينة، ثم انظر فالناس المغرورون أعجز من أن يتصوروا ولو بالخيال ربوعهم ومغانيهم في تلك الأرض التي أصبح نباتها حصيدا هشيما تذروه الرياح حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)(2).

(1) في الاقتران بين الناس والأنعام في الأكل دليل على إقبالهم على هذا الخليط من غير تروّ وشعور وإدراك للعواقب، وإنما الدافع لهم هو الشهوة الحيوانية. وهو شأن أهل الدنيا.

(2)

«مباحث في علوم القرآن» لصبحي الصالح، ص 324.

ص: 131