الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدء الكون ومصيره
يقول تعالى:* قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت: 9 - 12].
في الآيات الكريمة إشارة إلى ثلاث حقائق كونية:
1 -
خلق الأرض وتقدير الأقوات فيها في أربعة أيام قبل السماء.
2 -
أصل الكون المادي من الدخان.
3 -
الدورات التكوينية للأرض والسماء ومجموعها ستة أيام.
إن العلوم الفضائية والعلوم الطبيعية لا زالت تحبو للتعرف على أصل الكون ونشأته والمادة الأولية التي تتكوّن منها الأجرام السماوية وطريقة تشكيلها. ولقد درسوا مليّا ما يقع على الكرة الأرضية من خارج مجالها من النيازك (1) والأتربة الكونية وما حصلوا عليه أخيرا من قطع من سطح القمر.
(1) النيزك: كتلة صلبة تخترق الغلاف الجوي وتصل الأرض، أما الكتل التي تحترق في الغلاف الجوي للأرض بفعل الحرارة الناتجة عن دخول الغلاف الجوي فتسمى (شهبا). وقد أمكن للآن التعرف على مائة نيزك أما الشهب فهي كثيرة جدا تشاهد كل ليلة. «من روائع الإعجاز» . د. جمال الدين الفندي، ص 52.
كل ذلك يؤكد وحدة أصل الكون المادي. وأصبح ذلك حقيقة علمية عندهم ولكنهم لم يستطيعوا تحديد الحالة الأولية لهذه المواد التي كانت عليها قبل تجمّعها في مجموعات من النجوم والكواكب والمجرّات ولن يستطيعوا ذلك إلا ظنا وتخمينا. يقول تعالى:* ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51)[الكهف: 51].
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأصل الموحد وساق حقائق كونية في غاية الوضوح، يقول تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 30 - 32].
ويفصل في آيات أخرى مراحل الخلق والتكوين، فيقول جل جلاله:
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11).
لم يصل العلم الحديث للآن إلى معرفة أصل الوجود المادي للكون على الرغم من توصل العلم إلى نجاحات كبيرة في المسائل التطبيقية والاستفادة من دراسة خصائص المادة واستخدام الطاقات الكونية المختلفة.
فنحن نعرف طرقا شتى لاستخدام الكهرباء في التدفئة والعلاج والإنارة وإدارة الآلات وتسيير القاطرات والسيارات وغير ذلك من الاستخدامات إلا أننا لا نعرف تماما ما هي الكهرباء.
وقل مثل ذلك في الضوء والحرارة ..
فنطلق على كل ذلك لفظا مبهما هو الطاقة التي أودعت بين ثنايا الكون وأرجائه المختلفة. «ويمكن أن يتحول بعضها إلى بعض، إلا أنه لا يمكن خلقها أو استحداثها من العدم» .
وعلى الرغم من محاولة العلم الحديث التعرف على اللبنات الأولى
التي ينبني عليها الكون المادي ومحاولة التعرف على الذرة، إلا أنه لم يخرج بطائل من دراسته هذه يقول العلم الحديث:
قوام الذرات جسيمات متناهية في الصغر تتشابه في جميع ذرات العناصر المختلفة، ويتوقف على عددها وترتيبها داخل كل ذرة- بالإضافة إلى النواة- نوع المادة أو العنصر، وأبسط الذرات تركيبا على الإطلاق ذرة الإيدروجين وهو الغاز المعروف باسم الغاز الكوني، أو الغاز الذي خلقت منه الأجرام السماوية وتطورت عنه داخل الشموس والنجوم سائر المواد المعروفة. وقد كان المعتقد إلى عهد ليس ببعيد بين جمهرة العلماء أنّ الذرة غير قابلة للتجزئة إلى جسيماتها أو طاقاتها الأولية
…
ولكن لما عرفت وسائل تحطيم الذرة في هذا العصر أمكن الجزم بإمكان اقتسام الذرة وانطلاق طاقات عظمى مما يدّخر بين ثناياها، أساسها الطاقة التي استخدمت في الأصل في ربط جسيماتها الأولية، فهل هذا الغاز الكوني هو الدخان الذي شكل أصل التكوين المادي أو أن المراد بالدخان هي تلك السدم الغازية الملتهبة التي تتجمع في ساحات هائلة من الكون تشكل نجوما أو مجموعات منها؟.
والأمر الآخر في آيات «فصّلت» هو خلق الأرض ووضع البركة فيها وتقدير الأقوات في أربعة أيام، كل ذلك قبل تشكيل السماء وجعلها سبع سماوات.
وهذه الحقيقة لا يستطيع العلم البشري أن يصل إليها إلا من طريق الوحي من خالق السماوات والأرض، لأن وسائل البشر محدودة فلا يستطيع أن يخترق بوسائله المادية حجب غيب الماضي ليعرف تكوين الأجرام الكونية والسابق منها عن اللاحق.
وهنا لا بد من الإشارة إلى آيات سورة «النازعات» فقد يفهم بعضهم أنها تتعارض مع آيات سورة «فصلت» .
وقد ثار هذا الإشكال في عصر الصحابة رضوان الله عليهم:
في صحيح البخاري قال .. وقال المنهال عن سعيد بن جبير قال:
قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما إني لأجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، قال: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27)، وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فقد كتموا في هذه الآية، وقال تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (27) إلى قوله تعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) فذكر خلق السماء قبل الأرض ثم قال تعالى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ إلى قول:
طائِعِينَ فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء، قال: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً عَزِيزاً حَكِيماً، سَمِيعاً بَصِيراً فكأنه كان ثم مضى.
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ في النفخة الأولى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وفي النفخة الأخرى وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ، وأما قوله: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً فإن الله تعالى يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول المشركون تعالوا نقول لم نكن مشركين فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم فعند ذلك يعرف أن الله تعالى لا يكتم حديثا وعنده يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا
…
الآية. وخلق الأرض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم دحى الأرض ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله تعالى: دَحاها، وقوله: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ. فخلق الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلق السماوات في يومين. وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً سمى نفسه بذلك وذلك قوله: أي لم يزل كذلك فإن الله تعالى لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد. فلا يختلفن عليك القرآن فإن كلا من عند الله عز وجل (1).
(1) صحيح البخاري كتاب التفسير 6/ 35.
يقول ابن كثير: (فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص. وفي قوله تعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) أن دحو الأرض كان بعد خلق السماء، فالدحو، هو مفسر بقوله: أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها).
أما الحقيقة الثالثة في آيات سورة «فصلت» فهي الدورات التكوينية للأرض والسماء ومجموعها ستة أيام.
وقد اختلف المفسرون قديما في مقدار اليوم المقصود في الآيات الكريمة، فاليوم الاصطلاحي الذي ترتبط به الأحكام التكليفية من الصوم والصلاة والعدة وغير ذلك هو من مطلع الفجر أو الشمس إلى غروبها.
إلا أن هذه المدة الزمنية المعيّنة لا تقدّر بهذا المقدار إلا بعد وجود الأرض والشمس ووجود دوراتهما في أفلاكهما. والحديث هنا عن خلق الأرض والسماء، فكيف تقدر قبل وجودهما؟!.
هذا ما دفع بعض المفسرين للذهاب إلى تقدير تلك الأيام بفترات زمنية تتناسب مع أدوار التكوين. فعن مجاهد: يوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدّون. وهو يشير إلى قوله تعالى: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج: 47]. وجاء في سورة المعارج قوله تعالى:
تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)[المعارج: 4]. وفي سورة السجدة يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)[السجدة: 5].
ويذهب علماء الفلك المعاصرون إلى ما يطلقون عليه (النسبية الزمنية) وأن لكل كوكب وحداته الزمنية الخاصة به، وذلك يقدر بالنسبة لسبحها في الفضاء ودورانها في أفلاكها (1).
(1) - يوم القمر نحو (30) يوما وهو مقدار دورته حول الأرض.
- يوم الزهرة حوالي (30) يوما تقريبا من أيام الأرض أما دورتها حول الشمس فسبعة أشهر ونصف.
- يوم عطارد (88) يوما من أيام الأرض أي بمقدار طول سنته فهو يتم دورته حول
وإطلاق القرآن الكريم اسم اليوم على مقدار ألف سنة تارة وخمسين ألف سنة تارة أخرى يشير إلى مفهوم النسبية هذا.
هذا ما جعل الباحثين في أصل تكوين الأجرام السماوية يطلقون اصطلاح الدورات التكوينية. فالدور الأول: كون الأرض مع السماء رتقا، ودور انفصال الأرض عن السماء هو الثاني، والدور الثالث والرابع هما دور تهيئة الأرض للحياة بإرساء الجبال فيها وتقدير الأقوات، وخلق الحياة.
إلا أن تقدير هذه الدورات بالمدد الزمنية تتفاوت أقوالهم فيها، وهم في ذلك يتّبعون الظن وما هم بمستيقنين.
يتساءل بعضهم: (هل يمكن أن يصل العلم إلى الزمن المحدّد الصحيح المؤكّد لخلق الأرض؟ هذا مستحيل .. فالتوقيت الزمني الذي خلقت فيه الأرض لا يوجد ما يدل عليه إطلاقا، وإذا وصل العلم إلى التوقيت السليم فسيكون هو الأقرب إلى الصحيح اجتهادا. وهل يمكن أن يصل العلم إلى الطريقة التي خلقت فيها الأرض، والأزمنة الصحيحة التي تطورت فيها منذ كانت دخانا إلى أن أصبحت صالحة لإقامة الإنسان؟
وكذلك بالنسبة للإنسان وخلقه .. والسماء وخلقها وما فيها
…
).
فطالما أن الإنسان- أي إنسان- لم يشهد خلق السماوات والأرض وكذلك لم يشهد خلق نفسه ولا خلق غيره فكيف يعرف الحقيقة إذن؟
وصدق الله العظيم:* ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51)[الكهف: 51].
الشمس وحول محوره في مدة واحدة.
- يوم الشمس أطول من ثلاثة أسابيع عند خط استواء الشمس 25 يوما وعند القطبين أكثر من شهر.
- يوم المريخ يزيد عن يوم الأرض بمقدار سبع وثلاثين دقيقة.