الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (1) وقوله سبحانه {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (2) ولهذا نص العلماء على أنه لا يجب الختان الشرعي على الكبير إذا خيف عليه من ذلك.
أما التجمع رجالا ونساء في يوم معلوم لحضور الختان وإيقاف الولد متكشفا أمامهم فهذا حرام لما فيه من كشف العورة التي أمر الدين الإسلامي بسترها ونهى عن كشفها.
وهكذا الاختلاط بين الرجال والنساء بهذه المناسبة لا يجوز لما فيه من الفتنة ومخالفة الشرع المطهر.
(1) سورة البقرة الآية 195
(2)
سورة النساء الآية 29
الحلف بغير الله:
-
لله سبحانه وتعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته على ما شاء منها ولا يجوز لمخلوق كائنا من كان أن يحلف ويقسم بغيره جل وعلا. فإن الله شرع لعباده المؤمنين أن تكون أيمانهم به سبحانه وتعالى أو بصفة من صفاته وهذا خلاف ما كان يفعله المشركون في الجاهلية فقد كانوا يحلفون بغيره من المخلوقات كالكعبة والشرف والنبي والملائكة والمشايخ والملوك والعظماء والآباء والسيوف وغير ذلك مما يحلف به كثير من الجهلة بأمور الدين فهذه الأيمان كلها لا تجوز بإجماع أهل العلم لقوله صلى الله عليه وسلم «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (1)» وقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله (2)» رواه البخاري. ولمسلم: «فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت (3)» وفي حديث آخر: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون (4)» .
(1) صحيح البخاري الأدب (6108)، صحيح مسلم الأيمان (1646)، سنن الترمذي النذور والأيمان (1535)، سنن النسائي الأيمان والنذور (3766)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3251)، سنن ابن ماجه الكفارات (2094)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 125)، موطأ مالك النذور والأيمان (1037)، سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).
(2)
صحيح البخاري الأدب (6108)، صحيح مسلم الأيمان (1646)، سنن الترمذي النذور والأيمان (1534)، سنن النسائي الأيمان والنذور (3766)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249)، سنن ابن ماجه الكفارات (2094)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 142)، موطأ مالك النذور والأيمان (1037)، سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).
(3)
صحيح البخاري الأدب (6108)، صحيح مسلم الأيمان (1646)، سنن الترمذي النذور والأيمان (1534)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 11)، موطأ مالك النذور والأيمان (1037)، سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).
(4)
سنن النسائي الأيمان والنذور (3769)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3248).
وقوله صلى الله عليه وسلم «من حلف بالأمانة فليس منا (1)» وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا) والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب على المسلمين أن يحفظوا أيمانهم وألا يحلفوا إلا بالله وحده أو صفة من صفاته وأن يحذروا الحلف بغير الله كائنا من كان للأحاديث السابقة. نسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين لما يرضيه وأن يمنحهم الفقه في دينه وأن يعيذنا وإياهم من مضلات الفتن ومن شرور النفس وسيئات العمل إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(1) سنن أبو داود الأيمان والنذور (3253)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 352).
صفحة فارغة
حكم السفور والحجاب
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين سلك الله بي وبهم سبيل الاستقامة وأعاذني وإياهم من أسباب الخزي والندامة، آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد: فلا يخفى عليكم أيها المسلمون ما عمت به البلوى في كثير من البلدان من تبرج الكثير من النساء وسفورهن وعدم تحجبهن من الرجال وإبداء الكثير من زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة ومن أعظم أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد.
فاتقوا الله أيها المسلمون وخذوا على أيدي سفهائكم وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن وألزموهن التحجب والتستر واحذروا غضب الله سبحانه وعظيم عقوبته فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه (1)» وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (2){كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (3).
(1) سنن الترمذي الفتن (2168)، سنن ابن ماجه الفتن (4005).
(2)
سورة المائدة الآية 78
(3)
سورة المائدة الآية 79
وفي المسند وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ثم قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم (1)» وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (2)» وقد أمر الله سبحانه في كتابه الكريم بتحجب النساء ولزومهن البيوت وحذر من التبرج والخضوع بالقول للرجال صيانة لهن عن الفساد وتحذيرا لهن من أسباب الفتنة فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (3){وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (4) الآية.
نهى سبحانه في هذه الآيات نساء النبي الكريم أمهات المؤمنين وهن من خير النساء وأطهرهن عن الخضوع بالقول للرجال وهو تليين القول وترقيقه لئلا يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنا ويظن أنهن يوافقنه على ذلك وأمر بلزومهن البيوت ونهاهن عن تبرج الجاهلية وهو إظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراع والساق ونحو ذلك من الزينة لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا، وإذا كان الله سبحانه يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن فغيرهن أولى وأولى بالتحذير والإنكار والخوف عليهن من أسباب الفتنة، عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن. ويدل على عموم الحكم لهن
(1) سنن الترمذي تفسير القرآن (3047)، سنن أبو داود الملاحم (4336)، سنن ابن ماجه الفتن (4006).
(2)
صحيح مسلم الإيمان (49)، سنن الترمذي الفتن (2172)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5009)، سنن أبو داود الصلاة (1140)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1275)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 54).
(3)
سورة الأحزاب الآية 32
(4)
سورة الأحزاب الآية 33
ولغيرهن قوله سبحانه في هذه الآية: {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1) فإن هذه الأوامر أحكام عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن وقال عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ} (2) فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء وأبعد عن الفاحشة وأسبابها وأشار سبحانه إلى أن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة وأن التحجب طهارة وسلامة.
فيا معشر المسلمين تأدبوا بتأديب الله وامتثلوا أمر الله وألزموا نساءكم بالتحجب الذي هو سبب الطهارة ووسيلة النجاة والسلامة. وقال عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (3) ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما.
أمر الله سبحانه جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى يعرفن بالعفة فلا يفتتن ولا يفتن غيرهن فيؤذيهن. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.
وقال محمد بن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (4) فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه
(1) سورة الأحزاب الآية 33
(2)
سورة الأحزاب الآية 53
(3)
سورة الأحزاب الآية 59
(4)
سورة الأحزاب الآية 59
اليسرى. . . ثم أخبر الله سبحانه أنه غفور رحيم عما سلف من التقصير في ذلك قبل النهي والتحذير منه سبحانه. وقال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) يخبر سبحانه أن القواعد من النساء - وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحا- لا جناح عليهن أن يضعن ثيابهن عن وجوههن وأيديهن إذا كن غير متبرجات بزينة فعلم بذلك أن المتبرجة بالزينة ليس لها أن تضع ثوبها عن وجهها ويديها وغير ذلك من زينتها، وأن عليها جناحا في ذلك ولو كانت عجوزا؛ لأن كل ساقطة لها لاقطة، ولأن التبرج يفضي إلى الفتنة بالمتبرجة ولو كانت عجوزا فكيف يكون الحال بالشابة والجميلة إذا تبرجت؟ لا شك أن إثمها أعظم، والجناح عليها أشد والفتنة بها أكبر، وشرط سبحانه في حق العجوز أن لا تكون ممن يرجو النكاح وما ذاك- والله أعلم إلا لأن رجاءها النكاح يدعوها إلى التجمل والتبرج بالزينة طمعا في الأزواج فنهيت عن وضع ثيابها عن محاسنها صيانة لها ولغيرها من الفتنة. ثم ختم الآية سبحانه بتحريض القواعد على الاستعفاف، وأوضح أنه خير لهن، وإن لم يتبرجن.
يظهر بذلك فضل التحجب والتستر بالثياب، ولو من العجائز وأنه خير لهن من وضع الثياب، فوجب أن يكون التحجب والاستعفاف عن إظهار الزينة خير للشابات من باب أولى وأبعد لهن عن أسباب الفتنة. وقال تعالى:
(1) سورة النور الآية 60
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون} (1){وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2).
أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك، ولهذا قال سبحانه:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (3)
فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة. وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب العطب والعذاب في الدنيا والآخرة. نسأل الله العافية من ذلك.
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس وأنه لا يخفى عليه خافية، وفي ذلك تحذير للمؤمنين من ركوب ما حرم الله عليهم، والإعراض عما شرع الله لهم، وتذكير لهم بأن الله سبحانه يراهم ويعلم
(1) سورة النور الآية 30
(2)
سورة النور الآية 31
(3)
سورة النور الآية 30
أفعالهم الطيبة وغيرها كما قال تعالى {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (1).
وقال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} (2).
فالواجب على العبد أن يحذر ربه وأن يستحي منه أن يراه على معصيته أو يفقده من طاعته التي أوجب عليه ثم قال سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (3) فأمر المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج، كما أمر المؤمنين بذلك صيانة لهن من أسباب الفتنة، وتحريضا لهن على أسباب العفة والسلامة، ثم قال سبحانه:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (4) قال ابن مسعود رضي الله عنه: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (5) يعني بذلك ما ظهر من اللباس فإن ذلك معفو عنه، ومراده بذلك رضي الله عنه الملابس التي ليس فيها تبرج وفتنة.
وأما ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (6) بالوجه والكفين فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب. وأما بعد ذلك فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع كما سبق في الآيات الكريمات من سورة الأحزاب وغيرها. ويدل على أن ابن عباس أراد بذلك ما رواه علي بن أبي طلحة عنه أن قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة. وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن
(1) سورة غافر الآية 19
(2)
سورة يونس الآية 61
(3)
سورة النور الآية 31
(4)
سورة النور الآية 31
(5)
سورة النور الآية 31
(6)
سورة النور الآية 31
تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق. وهو الحق الذي لا ريب فيه. وأما ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها: «أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله! وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه (1)» . فهو حديث ضعيف الإسناد لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة وهو لم يسمع منها فهو منقطع، ولهذا قال أبو داود بعد روايته لهذا الحديث هذا مرسل، خالد لم يدرك عائشة. . . ولأن في إسناده سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يحتج بروايته. . وفيه علة أخرى ثالثة وهي: عنعنة قتادة عن خالد بن دريك وهو مدلس.
ومعلوم ما يترتب على ظهور الوجه والكفين من الفساد والفتنة، وقد تقدم قوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (2) ولم يستثن شيئا، وهي آية محكمة فوجب الأخذ بها والتعويل عليها وحمل ما سواها عليها والحكم فيها عام في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين. وتقدم في سورة النور ما يرشد إلى ذلك وهو ما ذكره الله سبحانه في حق القواعد وتحريم وضعهن الثياب إلا بشرطين: أحدهما: كونهن لا يرجون النكاح. والثاني: عدم التبرج بالزينة. وسبق الكلام على ذلك وأن الآية المذكورة حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم سفور النساء وتبرجهن بالزينة. ولا يخفى ما وقع فيه النساء اليوم من التوسع في التبرج وإبداء المحاسن فوجب سد الذرائع وحسم الوسائل المفضية إلى الفساد وظهور الفواحش. ومن أعظم أسباب الفساد: خلوة الرجال بالنساء وسفرهم بهن من دون
(1) سنن أبو داود اللباس (4104).
(2)
سورة الأحزاب الآية 53
محرم. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ولا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم (1)» وقال صلى الله عليه وسلم «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما (2)» وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون زوجا أو ذا محرم (3)» رواه مسلم في صحيحه. فاتقوا الله أيها المسلمون وخذوا على أيدي نسائكم، وامنعوهن مما حرم الله عليهن من السفور والتبرج، وإظهار المحاسن. والتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى وسائر الكفرة ومن تشبه بهم، واعلموا أن السكوت عنهن مشاركة لهن في الإثم وتعرض لغضب الله وعموم عقابه، عافانا الله وإياكم من شر ذلك.
ومن أعظم الواجبات تحذير الرجال من الخلوة بالنساء والدخول عليهن والسفر بهن بدون محرم، لأن ذلك من وسائل الفتنة والفساد، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء (4)» وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء (5)» وقال عليه الصلاة والسلام: «رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة (6)» . وقال صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد؛ نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، ورجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس (7)» وهذا تحذير شديد من التبرج والسفور ولبس الرقيق والقصير من الثياب، والميل عن الحق والعفة، وإمالة الناس إلى الباطل، وتحذير شديد من ظلم النفس والتعدى عليهم، ووعيد لمن فعل ذلك بحرمان دخول الجنة. نسأل الله العافية من ذلك.
(1) صحيح البخاري الحج (1862)، صحيح مسلم الحج (1341)، سنن ابن ماجه المناسك (2900)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 222).
(2)
سنن الترمذي الفتن (2165)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 18).
(3)
صحيح مسلم السلام (2171).
(4)
صحيح البخاري النكاح (5096)، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2741)، سنن الترمذي الأدب (2780)، سنن ابن ماجه الفتن (3998)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 210).
(5)
صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2742)، سنن الترمذي الفتن (2191)، سنن ابن ماجه الفتن (4000)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 61).
(6)
صحيح البخاري الجمعة (1126)، سنن الترمذي الفتن (2196)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 297)، موطأ مالك الجامع (1695).
(7)
صحيح مسلم اللباس والزينة (2128)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 440).
ومن أعظم الفساد تشبه الكثير من النساء بنساء الكفار من اليهود والنصارى، ومن تشبه بهم في لبس القصير والرقيق من الثياب وإبداء الشعور والمحاسن. وقد قال صلى الله عليه وسلم «من تشبه بقوم فهو منهم (1)» ومعلوم ما يترتب على هذا التشبه وهذه الملابس القصيرة التي تجعل المرأة شبه عارية من الفساد والفتنة ورقة الدين، وقلة الحياء. فالواجب الحذر من ذلك غاية الحذر، ومنع النساء منه، والشدة في ذلك لأن عاقبته وخيمة وفساده عظيم، ولا يجوز التساهل في ذلك مع البنات الصغار لأن تربيتهن عليه يفضي إلى اعتيادهن له وكراهتهن لما سواه إذا كبرن، فيقع بذلك الفساد والمحذور والفتنة المخوفة التي وقع فيها الكبيرات من النساء.
فاتقوا الله عباد الله واحذروا ما حرم الله عليكم وتعاونوا على البر والتقوى وتواصوا بالحق والصبر عليه. واعلموا أن الله سبحانه سائلكم عن ذلك ومجازيكم على أعمالكم، وهو سبحانه مع الصابرين، ومع المتقين والمحسنين، فاصبروا وصابروا واتقوا الله وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
ولا ريب أن الواجب على ولاة الأمور من الأمراء والقضاة والعلماء ورؤساء الهيئات وأعضاء الهيئات أكبر من الواجب على غيرهم، والخطر عليهم أشد والفتنة في سكوت من سكت منهم عظيمة، ولكن ليس إنكار المنكر خاصا بهم، بل الواجب على جميع المسلمين ولا سيما أعيانهم وكبارهم، وبالأخص أولياء النساء وأزواجهن، إنكار المنكر والغلظة فيه والشدة على من تساهل في ذلك، لعل الله سبحانه يرفع عنا ما نزل من البلاء ويهدينا ونساءنا إلى سواء السبيل. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما بعث الله من نبي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون
(1) سنن أبو داود اللباس (4031).
بسنته، ويهتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل (1)» وأسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يصلح ولاة أمورنا ويقمع بهم الفساد وينصر بهم الحق، ويصلح لهم البطانة، وأن يوفقنا وإياكم وإياهم وسائر المسلمين لما فيه صلاح العباد والبلاد في المعاش والمعاد، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
(1) صحيح مسلم الإيمان (50)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 458).