الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث:
سبب تسمية عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا العمل بدعة
.
وتحسينه لها بقوله: نعمت البدعة هذه، وهل يصح مستمسكا للمبتدعة في
استحسان بعض البدع
؟
والجواب عن هذا:
1 -
أن عمر رضي الله عنه لم يأت بجديد لم يسبق إليه، كما اتضح من الاستدلال السابق، بل جاء بعمل بدأه الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وأقر عليه، ولولا خوف فرضه لاستمر عليه؛ فلهذا الاعتبار لم يكن عمر مبتدعا.
2 -
إقرار الصحابة وسكوتهم بل وفعلهم هذه السنة دليل على مشروعيتها وأن لها أصلا لعله ما ذكرناه من فعله وتقريره.
3 -
وفي سكوت الصحابة وإقرارهم لعمر وامتثالهم ما يوحي بالإجماع وهو حجة، والعمل المستند إلى الإجماع لا يقال لفاعله إنه جاء ببدعة لم يكن لها في الشرع مستند.
وفعل عمر رضي الله عنه هذا وجمعه الناس على إمام واحد حجة؛ لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي قال فيه صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ (1)» .
ففعله رضي الله عنه سنة؛ لأنه من الخلفاء الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم باحتذاء سنتهم. قال الإمام الشاطبي في الموافقات: ويطلق لفظ السنة
(1) رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي حديث صحيح.
على ما عمل عليه الصحابة وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد لكونه اتباعا لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا أو اجتهادا مجتمعا عليه منهم أو من خلفائهم؛ فإن إجماعهم إجماع وعمل خلفائهم راجع أيضا إلى حقيقة الإجماع، إذا حملوا الناس عليه والتزمه الجميع وسار وافيه بدون نكير، فهذا يدل على إجماعهم عليه (1) اهـ. وعلى هذا فلا وجه لتسمية صلاة التراويح بدعة حسنة من فعل عمر. يتذرع بها أهل الرأي والاستحسان الخاطئ والمبتدعة ويؤيدون بها آراءهم الضالة.
أما تسمية أمير المؤمنين عمر هذا العمل بدعة، فالجواب عنه: أنه إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه، لا لأنها بدعة في المعنى. فمن سماها بدعة لهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى الشائع. لأنه تحريف للكلم عن مواضعه (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما سمي بدعة وثبت حسنه بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم: إما أن يقال: ليس ببدعة في الدين، وإن كان يسمى بدعة من حيث اللغة، كما قال عمر:(نعمت البدعة هذه). وإما أن يقال: هذا عام خصت منه هذه الصورة لمعارض راجح، فيبقى فيما عداها على مقتضى العموم كسائر عمومات الكتاب والسنة (3). اهـ والعموم الذي يشير إليه شيخ الإسلام هو ما يستفاد من الأحاديث الواردة في ذم البدع، كقوله صلى الله عليه وسلم «كل بدعة ضلالة (4)» .
(1) الموافقات 5/ 4.
(2)
انظر الاعتصام 194/ 1.
(3)
مجموع الفتاوى 370/ 1.
(4)
صحيح مسلم الجمعة (867)، سنن النسائي صلاة العيدين (1578)، سنن ابن ماجه المقدمة (45)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 311)، سنن الدارمي المقدمة (206).