الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله عليه وسلم لم يأمر ابن اللتبية بردها إلى أربابها. ا. هـ من المغني.
قال الشوكاني في نيل الأوطار (1): " قال ابن رسلان في شرح السنن ويدخل في إطلاق الرشوة: الرشوة للحاكم والعامل على أخذ الصدقات وهي حرام بالإجماع. قال الإمام المهدي في البحر (2) في كتاب الأجارات فيه مسألة، وتحرم رشوة الحاكم إجماعا بقوله صلى الله عليه وسلم:«لعن الله الراشي والمرتشي (3)» وقال الشوكاني أيضا: قال المنصور بالله وأبو جعفر وبعض أصحاب الشافعي وإن طلب بذلك حقا مجمعا عليه جاز. قيل وظاهر المذهب المنع لعموم الخبر.
(1) نيل الأوطار للشوكاني ص277 جـ8.
(2)
البحر: كتاب فقه للشيعة الزيدية يسمى [البحر الزخار].
(3)
سنن الترمذي الأحكام (1337)، سنن أبو داود الأقضية (3580)، سنن ابن ماجه الأحكام (2313)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 190).
رد وتعقيب للإمام الشوكاني:
-
وقال الشوكاني ردا على أئمة الزيدية: " والتخصيص لطالب الحق بجواز تسليم الرشوة منه للحاكم لا أدري بأي مخصص. فالحق التحريم مطلقا أخذا بعموم الحديث. ومن زعم الجواز في صورة من الصور فإن جاء بدليل مقبول وإلا كان تخصيصه ردا عليه فالأصل في مال المسلم التحريم {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (1).
ثم قال الشوكاني: والأصل أن الدافع للرشوة إنما دفعه لأحد أمرين: -
الأول: - إما لينال به حكم الله إن كان محقا وذلك لا يحل لأن المدفوع في مقابلة أمر واجب أوجب الله عز وجل على الحاكم الصدع به. فكيف
(1) سورة البقرة الآية 188
لا يفعل حتى يأخذ عليه شيئا من الحطام.
الثاني: - وإن كان الدافع للمال من صاحبه لينال به خلاف ما شرعه الله إن كان مبطلا فذلك أقبح، لأنه مدفوع في مقابلة أمر محظور، فهو أشد تحريما من المال المدفوع للبغي في مقابلة الزنا بها، لأن الرشوة يتوصل بها إلى أكل مال الغير الموجب لإحراج صدره والإضرار به بخلاف المدفوع للبغي. فالتوسل به إلى شيء محرم وهو الزنا لكنه مستلذ للفاعل والمفعول به. وهو أيضا ذنب بين العبد وربه. وهو أسمح الغرماء ليس بين العاصي وبين المغفرة إلا التوبة ما بينه وبين الله، وبين الأمرين فرق بعيد. ثم ساق الأدلة على تحريم الرشوة (1).
ثم قال الشوكاني: وقال أبو وائل شقيق بن سلمة أحد التابعين: القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر. رواه ابن أبي شيبة، بإسناد صحيح وقال: ويدل على المنع من قبول هدية من استعان بها على دفع مظلمته ما أخرجه أبو داود عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من شفع لأخيه شفاعة فأهدي له عليها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا (2)» وفي إسناده مقال.
ثم قال الشوكاني: فليحذر الحاكم المتحفظ لدينه المستعد للوقوف بين يدي ربه من قبول هدايا من أهدى إليه بعد توليته القضاء فإن للإحسان تأثيرا في طبع الإنسان، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، فربما مالت نفسه إلى المهدي إليه ميلا يؤثر الميل عن الحق عند عروض المخاصمة بين المهدي وبين غيره والقاضي لا يشعر بذلك ويظهر أنه لم يخرج عن الصواب بسبب ما قد زرعه الإحسان في قلبه. والرشوة
(1) نيل الأوطار للشوكاني ص278 جـ8.
(2)
سنن أبو داود البيوع (3541)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 261).
لا تفعل زيادة على هذا، إلى أن قال الشوكاني: ومن هذه الحيثية امتنعت عن قبول الهدايا بعد دخولي في القضاء ممن كان يهدي إلى قبل الدخول فيه بل من الأقارب فضلا عن سائر الناس. وقد ذكر المغزلي في شرح بلوغ المرام في شرح حديث الرشوة كلاما في غاية السقوط وقال ما معناه: يجوز أن يرتشي من كان يتوصل بالرشوة إلى نيل حق أو دفع باطل، وكذلك قال: يجوز للمرتشي أن يرتشي إذا كان ذلك في حق لا يلزمه فعله - إلى أن قال: ولا يغتر بمثل هذا الأمر إلا من لا يعرف كيفية الاستدلال. اهـ كلام الشوكاني بإيجاز واختصار من كتابه نيل الأوطار (1).
(3)
وقال الأمير الصنعاني (2) في كتابه سبل السلام: والرشوة حرام بالإجماع سواء كانت للقاضي أو للعامل على الصدقة أو لغيرهما وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (3).
ثم قال: وحاصل ما يأخذه القضاة من الأموال على أربعة أقسام: -
الأول: الرشوة إن كانت ليحكم له الحاكم بغير حق فهي حرام على الآخذ والمعطي. وإن كانت ليحكم له بالحق على غريمه فهي حرام على الحاكم دون المعطي لأنها لاستيفاء حقه فهي كجعل الآبق، وأجرة
(1) نيل الأطار ص277 - 280 جـ8.
(2)
سبل السلام ص124 جـ4.
(3)
سورة البقرة الآية 188
الوكالة على الخصومة. وقيل تحرم لأنها توقع الحاكم في الإثم.
الثاني: الهدية فإن كانت ممن يهاديه قبل الولاية فلا تحرم استدامتها وإن كان لا يهدي إليه إلا بعد الولاية، فإن كانت ممن لا خصومة بينه وبين أحد عنده جازت وكرهت، وإن كانت ممن بينه وبين غريمه خصومة عنده فهي حرام على الحاكم والمهدي.
الثالث والرابع: الأجرة، وأما الأجرة فإن كان للحاكم جراية من بيت المال ورزق حرمت بالاتفاق (يعني حرمت الهدية للحاكم بالاتفاق) لأنه إنما أجري له الرزق لأجل الاشتغال بالحكم فلا وجه للأجرة.
وإن كانت لا جراية له من بيت المال جاز له الأجرة على قدر عمله غير حاكم، فإن أخذ أكثر مما يستحقه حرم عليه، لأنه إنما يعطى الأجرة لكونه عمل عملا لا لأجل كونه حاكما ولا يستحق لأجل كونه حاكما شيئا من أموال الناس اتفاقا.
فأجرة العمل أجرة مثله فأخذ الزيادة على أجرة مثله حرام.
لذا قيل إن تولية القضاء لمن كان غنيا أولى من تولية من كان فقيرا، وذلك لأنه لفقره يصير متعرضا إلى ما لا يجوز له تناوله إذا لم يكن له رزق من بيت المال.
(4)
قال القرضاوي في كتابه الحلال والحرام (1): وقد حرم الإسلام على المسلم أن يسلك طريق الرشوة للحكام وأعوانهم، كما حرم على هؤلاء أن يقبلوها إذا بذلت لهم، كما حظر على غيرهم أن
(1) الحلال والحرام ص24.