الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأنها حسنة فتنتشر وتفشو وبهذا لا تكون من الصغائر.
وبهذا يظهر أن البدعة لا تكون صغيرة إلا بوجود هذه الشروط. فإن تخلف منها شرط أو أكثر صارت كبيرة أو خيف أن تكون كبيرة (1).
(1) الاعتصام بتصرف 65/ 2 وما بعدها، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 471/ 11 وما بعدها.
مبحث
الفرق بين البدع والمعاصي:
المعاصي والبدع: فيها تعد على حرمات الله وتجن على شريعته ولكن المعاصي والبدع تختلف بسبب اختلاف بواعثها وآثارها لهذا ذكر العلماء فروقا بينها:
1 -
أن مرتكب المعصية قصده نيل غرضه وشهوته العاجلة متكلا على العفو ورفع الحرج الثابت في الشريعة، فهو إلى الطمع في رحمة الله أقرب. كما أن إيمانه لا يتزحزح في أن هذه المعصية ممنوعة شرعا، وإن اقترفها فهو يخاف الله ويرجوه، والخوف والرجاء شعبتان من شعب الإيمان.
2 -
أن مرتكب المعصية ليس في ذهنه أن معصيته هذه من الشرع في شيء، فهو لا يعتقد إباحتها فضلا عن أن يعتقد شرعيتها. كما أنه بمعصيته لم ينقص من الدين شيئا، في حين أن المبتدع ببدعته قد جاء بتشريع زائد أو ناقص أو تغيير للأصل الصحيح، وكل ذلك قد يكون على انفراد أو ملحقا بما هو مشروع، فيكون قادحا في المشروع، ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عامدا لكفر؛ إذ الزيادة والنقصان فيها أو التغيير قل أو كثر كفر. ولكن من فعل هذا بتأويل فاسد أو برأي
خاطئ فإنه يكون مخالفا لشرع الله ولا أقل من أن تكون هذه المخالفة بدعة يمنعها الشارع منعا قاطعا.
3 -
أن مرتكب المعصية يؤاخذ عليها شرعا ولكنه مع صحة الاعتقاد يحب الله ورسوله، في حين أن المبتدع ليس كذلك يوضح هذا الحديثان الآتيان:
(أ) فيما يتصل بصاحب المعصية:
روى البخاري (1): في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أن رجلا كان يدعى حمارا وكان يشرب الخمر وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان كلما أتي به النبي صلى الله عليه وسلم جلده الحد فلعنه رجل مرة وقال: لعنه الله ما أكثر ما يؤتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله (2)» .
ووجه الدلالة: أن هذا رجل كثير الشرب للخمر ومع هذا لما كان صحيح الاعتقاد ويحب الله ورسوله شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ونهى عن لعنه.
(ب) وفيما يتصل بصاحب البدعة:
جاء في الصحيحين عن علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري وغيرهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم فجاءه رجل ناتئ الجبين كث اللحية محلوق الرأس بين عينيه أثر السجود وقال: ما قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يخرج من ضئضئ هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون
(1) الباب الخامس من كتاب الحدود.
(2)
صحيح البخاري الحدود (6780).
من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد (1)». وفي رواية:«لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل (2)» . وفي رواية: «شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه (3)» .
ووجه الدلالة: أن هؤلاء المبتدعة مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم وما هم عليه من العبادة والزهادة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم؛ ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل كما يروي عنه ابنه عبد الله قال: حدثنا أبي قال: قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة، وقبور أهل البدع من الزنادقة حفرة. فساق أهل السنة أولياء الله، وزهاد أهل البدعة أعداء الله. اهـ.
وكلام الإمام أحمد لعل المقصود به والله أعلم بيان النسبة بين ضرر الفسق وأهله والبدعة وأهلها لقوله تعالى: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (4) ولقوله سبحانه عن أوليائه {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (5) وقد بين المحققون أن البدعة شر من المعاصي وأضر لاعتقاد أهلها أنها حق وطاعة، وذلك كذب على الله وقول في دينه بغير علم، ويندر أن يتوب صاحبها (6).
من هذا التفريق بين المعصية والبدعة ظهر قبح البدع في الإسلام؛ لأنها كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أظلم من الزنا والسرقة وشرب الخمر (7).
(1) صحيح البخاري التوحيد (7432)، صحيح مسلم الزكاة (1064)، سنن النسائي الزكاة (2578)، سنن أبو داود السنة (4764)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 68).
(2)
سنن أبو داود السنة (4768).
(3)
سنن الترمذي تفسير القرآن (3000)، سنن ابن ماجه المقدمة (176).
(4)
سورة الأنفال الآية 34
(5)
سورة يونس الآية 63
(6)
انظر كتاب الآداب الشرعية والتعليق عليه لابن مفلح 183/ 2.
(7)
انظر الفتاوى لابن تيمية 473/ 11 وما بعدها.