الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان مذهب أهل السنة: في الاستواء وسائر الصفات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد: -.
فقد اطلعت أخيرا على ما نشر في مجلة البلاغ بعددها رقم637 من إجابة الشيخ أحمد محمود دهلوب على السؤال الآتي (ما تفسير قوله تعالى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (1) وجاء في هذه الإجابة جملة نسبها إلى السلف وهي قوله (وقال أهل السلف استوى على العرش استولى عليه وملكه كقولهم:
استوى بشر على العراق
…
من غير سيف أو دم مهراق
وحيث إن هذه النسبة إلى السلف غلط محض. أحببت التنبيه على ذلك لئلا يغتر من يراها فيظنها من قول العلماء المعتبرين. والصواب أن هذا التفسير هو تفسير الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم في نفي الصفات وتعطيل الباري سبحانه وتعالى عما وصف به نفسه من صفات الكمال. وقد أنكر علماء السلف رحمهم الله مثل هذا التأويل وقالوا إن القول في الاستواء كالقول في سائر الصفات وهو إثبات الجميع لله على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل قال الإمام مالك رحمه لله (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به
(1) سورة الأعراف الآية 54
واجب والسؤال عنه بدعة).
وعلى هذا درج علماء السلف من أهل السنة والجماعة رحمهم الله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة الحموية (فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، ثم عامة كلام الصحابة والتابعين، ثم كلام سائر الأئمة: مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلي، وهو فوق كل شيء، وهو عال على كل شيء وأنه فوق العرش وأنه فوق السماء: مثل قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (1){إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (2){أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} (3){أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} (4){بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (5){تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (6){يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} (7){يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (8){ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (9) في ستة مواضع {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (10) إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى إلا بالكلفة. وفي الأحاديث الصحاح والحسان مما لا يحصى
(1) سورة فاطر الآية 10
(2)
سورة آل عمران الآية 55
(3)
سورة الملك الآية 16
(4)
سورة الملك الآية 17
(5)
سورة النساء الآية 158
(6)
سورة المعارج الآية 4
(7)
سورة السجدة الآية 5
(8)
سورة النحل الآية 50
(9)
سورة الأعراف الآية 54
(10)
سورة طه الآية 5
إلا بالكلفة مثل قصة معراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه، ونزول الملائكة من عند الله وصعودها إليه وقوله في الملائكة الذين يتعاقبون فيكم بالليل والنهار: فيعرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم فيسألهم وهو أعلم بهم.
وفي الصحيح في حديث الخوارج «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء (1)» إلى أن قال (إلى أمثال ذلك مما لا يحصيه إلا الله مما هو من أبلغ المتواترات اللفظية والمعنوية التي تورث علما يقينا من أبلغ العلوم الضرورية أن الرسول المبلغ عن الله ألقى إلى أمته المدعوين أن الله سبحانه على العرش وأنه فوق السماء كما فطر الله على ذلك جميع الأمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته. ثم عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مئين أو ألوفا إلخ)(2) ا. هـ.
وبما ذكرناه يتضح للقراء أن ما نسبه أحمد محمود دهلوب إلى السلف من تفسير الاستواء بالاستيلاء غلط كبير وكذب صريح لا يجوز الالتفات إليه بل كلام السلف الصالح في ذلك معلوم ومتواتر وهو ما أوضحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من تفسير الاستواء بالعلو فوق العرش وأن الإيمان به واجب وأن كيفيته لا يعلمها إلا الله سبحانه وقد روي هذا المعنى عن أم سلمة أم المؤمنين وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمه الله وهو الحق الذي لا ريب فيه وهو قول أهل السنة والجماعة بلا ريب. وهكذا القول في باقي الصفات من السمع والبصر والرضى والغضب، واليد والقدم والأصابع والكلام والإرادة وغير ذلك. كلها
(1) صحيح البخاري المغازي (4351)، صحيح مسلم الزكاة (1064)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 5).
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج5 الفتوى الحموية 12 - 15.
يقال فيها أنها معلومة من حيث اللغة العربية، فالإيمان بها واجب والكيف مجهول لنا، لا يعلمه إلا الله سبحانه مع الإيمان أن صفاته سبحانه كلها كاملة وأنه سبحانه لا يشبه من خلقه فليس علمه كعلمنا ولا يده كأيدينا ولا أصابعه كأصابعنا ولا رضاه كرضانا إلى غير ذلك كما قال سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) وقال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2){اللَّهُ الصَّمَدُ} (3){لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (4){وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (5) وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (6) والمعنى أنه لا أحد يساميه سبحانه أي: يشابهه، وقال عز وجل {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (7) والآيات في هذا المعنى كثيرة والواجب على المؤمن التمسك بما أخبر الله به ورسوله ودرج عليه سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، والحذر من مقالات أهل البدع الذين أعرضوا عن الكتاب والسنة وحكموا أفكارهم وعقولهم فضلوا وأضلوا والله المسئول أن يحفظنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن وأن يعيذنا وسائر المسلمين من نزغات الشيطان واتباع خطواته إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(1) سورة الشورى الآية 11
(2)
سورة الإخلاص الآية 1
(3)
سورة الإخلاص الآية 2
(4)
سورة الإخلاص الآية 3
(5)
سورة الإخلاص الآية 4
(6)
سورة مريم الآية 65
(7)
سورة النحل الآية 74