الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد هذا التخريج لتسمية
عمر هذه الصلاة بدعة، يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن أهل البدع ليس لهم بمثل هذا متعلق ألبتة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (1)» وهو عام يشمل كل البدع دون استثناء. أما ما كان من الأمور المشروعة التي أحدثت دون سابق عمل من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنها لا تسمى بدعة إلا بالمعنى اللغوي لأنها مستندة لأصل من أصول الشريعة، كما سبق توضيحه في ثنايا هذا البحث، والله سبحانه أعلم بالصواب.
(1) سنن أبو داود السنة (4607)، سنن الدارمي المقدمة (95).
(ب)
زيادة عثمان رضي الله عنه أذانا ثانيا يوم الجمعة:
الأذان يوم الجمعة يطلق ويراد به واحد من ثلاثة:
1 -
ما يقع عقيب صعود الإمام على المنبر فهذا لا خلاف فيه فقد كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري (1) عن السائب بن يزيد قال: «كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك (2)» وهذا الأذان هو الذي يمنع البيع ويلزم السعي لأنه تعالى أمر بالسعي ونهى عن البيع بعد النداء بقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (3) ولكون هذا الأذان الذي يقع عقيب صعود الإمام على المنبر هو النداء الموجود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ تعلق الحكم به دون غيره (4).
(1) البخاري مع فتح الباري 393/ 2.
(2)
صحيح البخاري الجمعة (912)، سنن الترمذي الجمعة (516)، سنن النسائي الجمعة (1392)، سنن أبو داود الصلاة (1087).
(3)
سورة الجمعة الآية 9
(4)
انظر المغنى والشرح الكبير 145/ 2.
2 -
والثاني هو الإقامة للصلاة: وتسميتها أذانا من باب تغليب الأذان عليها، أو لاشتراكهما في الإعلام؛ حيث جاء عن ابن أبي ذؤيب:«كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة (1)» ووجه كونها أذانا ثانيا هو أنها تقع في الترتيب بعد الأذان المعهود في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه. وهذا الأذان أو الإقامة لا خلاف فيها.
3 -
الأذان الثالث وهو ما وجد على عهد عثمان رضي الله عنه كما ورد في الحديث السابق وهذا هو محل البحث:
عرفنا من فعل عثمان للأذان الثاني أنه سنة مشروعة لا بدعة للأسباب الآتية:
1 -
أنه أمر بهذا في وقت الصحابة وفعله، وأقروه على هذا دون نكير، فكان كالإجماع، اللهم إلا ما روي عن ابن عمر أنه قال: الأذان الأول يوم الجمعة بدعة. فهذا منه: يحتمل الإنكار، ويحتمل أن يريد أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، ويكون قصد ابن عمر على هذا: أنه بدعة لغوية كما سمى أبوه صلاة التراويح بدعة لهذا السبب كما فصلنا القول فيه آنفا.
2 -
أنه أحدثه لإعلام الناس بدخول الوقت لما كثروا قياسا على بقية الصلوات، فألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب (2) 3 - وفعل عثمان رضي الله عنه هذا مشروع لقوله صلى الله عليه وسلم:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ (3)» وعثمان من الخلفاء الذين أمرنا بالاستنان بسنتهم. فلا يكون عثمان
(1) مسند أحمد بن حنبل (3/ 450).
(2)
انظر فتح الباري 394/ 2، وعون المعبود 360/ 12، وتفسير القرطبي 100/ 18.
(3)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
رضي الله عنه بهذا مبتدعا وتابعه كذلك لا يصح أن يقال إنه جاء ببدعة.
ولهذا فلا متعلق للمبتدعة بإحداث عثمان هذا الأذان؛ لأن له أصلا شرعيا، وليس من البدعة في شيء؛ لأن البدعة محدثة لا أصل لها من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا فعل صحابي كعثمان.
(جـ) يتعلق المبتدعة بأدلة يزعمون أنها تبرر ما جاءوا به من بدع وما أحدثوا من مخالفات: ومن هذا: استدلالهم بما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه: (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح) والمقصود ما رأوه بعقولهم، وإلا لو كان حسنه بالدليل الشرعي لم يكن من حسن ما يرون؛ إذ لا مجال للعقول في التشريع، فدل على أن المقصود ما رأوه برأيهم.
ولكن نقول قبل الكلام عن هذا الحديث: إن الاستحسان لا يكون إلا بمستحسن وهو: إما العقل وإما الشرع. أما الشرع فاستحسانه هو الاستحسان الحق؛ لأن الأدلة اقتضت هذا، وأما العقل إذا استحسن فإن كان بدليل فهو حق، ولا فائدة لهذه التسمية لرجوعه إلى الأدلة لا إلى غيرها، وإن كان بغير دليل فذلك هو البدعة التي تستحسن، ويشهد لهذا تعريف من عرف الاستحسان: بأنه ما يستحسنه المجتهد بعقله، ويميل إليه برأيه. وهذا النوع من الاستحسان هو الذي تعلق به المبتدعة، وبه حسنوا بدعهم. وهم حينما فعلوا كانوا يظنون أنهم على شيء من الحق وأنهم باستحسانهم لهذه البدع إنما ساروا على مصدر من مصادر التشريع المعتبرة عند كثير من العلماء. ولم يعرفوا أن الاستحسان الذي ساروا على فهمه يختلف عن الاستحسان الذي فهمه العلماء
وغاب عنهم أن الاستحسان المعتبر هو ما ليس للرأي فيه مدخل ولا للعقل فيه نصيب؛ فلهذا ضلوا وأضلوا. وقد استدلوا بالحديث المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. ووجه الدلالة منه أنه قال: ما رآه المسلمون: والظاهر ما رأوه بعقولهم فرجع التحسين إليهم فهم المخترعون. ولو كان التحسين بالدليل لما نسب الرؤية إلى المسلمين فدل على أن البدعة إذا استحسنها المسلمون كانت مشروعة والجواب عن هذه الشبه من وجوه:
1 -
أن هذا الحديث ليس بمرفوع بل هو أثر موقوف على ابن مسعود: فليس بحجة.
2 -
وعلى التسليم بأنه حجة فهو خبر واحد في مسألة قطعية فلا يسمع.
3 -
وعلى التسليم بحجيته فليس المراد جنس المسلمين الصادق بالمجتهد وغيره لاقتضائه أن كل ما رآه آحاد المسلمين حسنا فهو حسنا وكل ما رآه آحاد المسلمين قبيحا فهو قبيح وهذا باطل لوجهين:
أحدهما: أنه يناقض حديث «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة (1)» ووجه المناقضة أن الحديث الأول يفيد كل مسلم لا يخطئ؛ لأنه يرى أن ما ذهب إليه حسن فلا يكون في النار، والثاني أفاد نقيض ذلك. وهذا باطل.
ثانيهما: أنه يقتضي كون العمل الواحد حسنا عند بعض الناس يصح التقرب به إلى الله تعالى، قبيحا عند البعض الآخر لا يصح التقرب به وهو باطل.
(1) سنن الترمذي الإيمان (2641).
4 -
أن ظاهره يدل على أن ما رآه المسلمون حسنا فهو حسنا، والأمة لا تجتمع على باطل، فاجتماعهم على حسن شيء يدل على حسنه شرعا؛ لأنه إجماع والإجماع يتضمن دليل شرعي. فالحديث دليل على هؤلاء لا لهم.
5 -
أنه إذا لم يقصد به أهل الإجماع وأريد بعضهم فليلزم عليه استحسان العوام وهو باطل بالإجماع. 6 - ويجوز أن يكون الحديث فيما لم يرد فيه نص يأباه من كتاب ولا سنة ولا أصل معتبر من الأصول الشرعية العامة، بحيث لو عرض على العقول السليمة لتلقته بالقبول، ولم يكن من العبادات فعلى هذا يمكن أن يكون استحسانا مقبولا.
فالحاصل أن تعلق المبتدعة بمثل هذا الأثر هو تعلق بما يغنيهم ولا ينفعهم (1) ألبتة. لأن الأدلة الصحيحة نصت على أن «كل بدعة ضلالة (2)» وهو عام في كل ما أحدث في الدين مما لا أصل له من كتاب ولا سنة ولا دليل معتبر.
فبهذا بطل ما احتج به هؤلاء المبتدعة وتبين أنهم قد تمسكوا بحجج واهيه لا تسمن ولا تغنى من جوع.
(1) انظر الاعتصام 152/ 2، والإبداع في مضار الإبداع 117و131.
(2)
صحيح مسلم الجمعة (867)، سنن النسائي صلاة العيدين (1578)، سنن ابن ماجه المقدمة (45)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 311)، سنن الدارمي المقدمة (206).
مبحث:
بعد هذه الدراسة عن البدع والمبتدعين أرى أن نأتي بأمثلة من البدع بها يستكمل البحث، ويزداد وضوحا زيادة على ما جاء في ثنايا هذا البحث من أمثلة.
فمن ذلك:
1 -
الإعراض عن العلم وطلبه والاشتغال عن ذلك بالعبادة، وهذا جهل دخل على بعض الناس وزينه لهم إبليس. قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله: وقد لبس إبليس على كثير من المتعبدين بقلة علمهم؛ لأن جمهورهم يشتغل بالتعبد ولم يحكم العلم. فأول تلبيسه عليهم إيثارهم التعبد على العلم، والعلم أفضل من النوافل، فأراهم أن المقصود من العلم العمل، وما فهموا من العلم إلا عمل الجوارح (فقط)، وما علموا أن العمل عمل القلب (أيضا)، وعمل القلب (لا يقل) عن عمل الجوارح. قال مطرف بن عبد الله: فضل العلم خير من فضل العبادة. وقال يوسف بن أسباط: باب من العلم تتعلمه أفضل من سبعين غزاة. وقال المعافى بن عمران: كتابة حديث واحد أحب إلي من صلاة ليلة. فلما مر عليهم هذا التلبيس، وآثروا التعبد بالجوارح على العلم، تمكن إبليس من التلبس عليهم في فنون التعبد (1). اهـ. فتمادوا في طريق الابتداع، وجاءوا بها بدعة بدعة بسبب تركهم العلم وبعدهم عنه، واستبدالهم الجهل الذي أودى بعقولهم حتى استحسنت ما ليس بالحسن، وبعدت عن السنن السليمة.
2 -
ومن البدع التي تسبب الحرج والمشقة في الدين: ما يفعله بعض الموسوسين من طول المكث في الخلاء، والمشي والقيام بحركات، كأن يرفع قدما ويحط أخرى زاعما أنه بهذا يستنقي، والواقع أنه كلما زاد في هذا نزل البول؛ لأن الماء يستقر في المثانة، فإذا تهيأ الإنسان للبول خرج ما اجتمع، فإذا مشى وتنحنح أو تزحر وتوقف رشح شيء آخر. فالرشح لا ينقطع (2).
(1) تلبيس إبليس 134.
(2)
نقد العلم والعلماء 134.
فالمبالغة في الاستنقاء بدعة محدثة لم ينزل الله بها من سلطان.
3 -
التلفظ بالنية:
ومن البدع التي يقع فيها بعض المسلمين التلفظ بالنية، وهذا أمر لا يشرع إلا في الإحرام خاصة؛ لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الصلاة والطواف وغيرهما فينبغي عدم التلفظ في شيء بالنية، فلا يقال: نويت أن أصلي كذا وكذا، ولا نويت أن أطوف كذا، بل التلفظ بذلك من البدع المحدثة، والجهر بذلك أقبح وأشد إثما، ولو كان التلفظ بالنية مشروعا؛ لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم وأوضحه للأمة بفعله أو قوله، ولسبق إليه السلف الصالح. فلما لم ينتقل ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم؛ علم أنه بدعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (1)» . رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
والنية محلها القلب باتفاق العلماء، فإن نوى بقلبه ولم يتكلم بلسانه أجزأته النية باتفاقهم، وقد خرج بعض أصحاب الشافعي وجها من كلام الشافعي غلط فيه على الشافعي؛ فإن الشافعي إنما ذكر الفرق بين الصلاة والإحرام بأن الصلاة في أولها كلام فظن بعض الغالطين أنه أراد التكلم بالنية وإنما أراد التكبير. والنية تتبع العلم فمن علم ما يريد فعله فلا بد أن ينويه ضرورة، فمن عرف هذا تبين له أن النية مع العلم في غاية اليسر، لا تحتاج إلى وسوسة وآصار وأغلال؛ ولهذا قال بعض العلماء: الوسوسة إنما تحصل للعبد من الجهل بالشرع أو خبل بالعقل (2). اهـ.
(1) انظر: التحقيق والإيضاح لمسائل الحج والعمرة للشيخ عبد العزيز بن باز.
(2)
مجموع الفتاوى 262/ 18.
من هذا يظهر أن ما يفعله بعض الموسوسين في نية الصلاة بدعة منكرة، كمن يقول: نويت أصلي صلاة كذا ثم يعيد هذا ظنا منه أنه نقض النية. وكمن يكبر ثم ينقض ثم يكبر ثم ينقض، فإذا ركع الإمام كبر الموسوس وركع معه. فهذه البدعة فوتت عليه فضيلة تكبيرة الإحرام (1) في وقتها ومتابعة الإمام وقراءته وهو يظن أنه على شيء من الهدى، وهو أبعد ما يكون عنه. فالشريعة سمحة سهلة سليمة من هذه الآفات وما جرى الرسول صلى الله عليه وسلم عليه هو المعيار الصحيح للسير إلى الله.
وإذا كان بعض العلماء يجيز التلفظ بالنية فبالرغم من أنه مرجوح لعدم الدليل عليه، إلا أن هؤلاء المجيزين يتلفظون بها سرا دون ترديد أو تردد، كهذا الذي يفعله بعض الجهلة من التلفظ بتكبيرة الإحرام، ثم إعادتها زعما منه أن الأولى لم تنعقد.
4 -
ومن البدع الشائعة: اتخاذ اليوم الذي يوافق مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا: جرت عادة بعض المسلمين على إقامة عيد سنوي بمناسبة ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا العيد تقام الاحتفالات المشتملة على الخطب والقصائد وقراءة القرآن، والإشادة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر شمائله وإظهار محاسنه، وبيان معجزاته وتوضيح سيرته، والمعروف أن من أحدث هذا بمصر هم الفاطميون في القرن الرابع، فابتدعوا عيد المولد النبوي، ومولد بعض آل البيت كعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وبقيت هذه الموالد إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش الأيوبي، ثم أعيدت في خلافة الحاكم بأمر الله سنة أربع وعشرين وخمسمائة للهجرة بعد ما كاد الناس
(1) انظر تلبيس إبليس 138.
ينسونها، وقد استمر العمل بالموالد إلى يومنا هذا، وتوسع الناس فيها وابتدعوا بكل ما تهواه أنفسهم، وتوجه شياطين الجن والإنس.
ولا نزاع أنها من البدع، ومع هذا فقد قال البعض: إنها وإن كانت بدعة إلا أنها من البدع الحسنة، واستدل هؤلاء لهذا الرأي بما يأتي:
1 -
أنها تشتمل على أنواع من الخير: كإطعام الطعام، وتلاوة القرآن، وقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصائد مدحه، وإظهار شمائله. وهذه محاسن تتمشى مع رغبة الشارع وأهداف الشريعة. وهي وإن لم تكن موجودة في عهد الصحابة والتابعين لعدم حاجتهم لقرب عهدهم بنور النبوة ومزيد عنايتهم بنشر الشريعة، إلا أن الناس في العصور المتأخرة قد بعد عهدهم بالنبوة، وزادت حاجتهم إلى تذكيرهم بمحاسن الإسلام ورسوله تذكيرا لعامتهم من النساء والأطفال والشيوخ؛ لتقوية صلتهم برسولهم صلى الله عليه وسلم وتمكين محبته في نفوسهم، فهذه سنة حسنة مندوبة لانطباق قواعد الندب وأدلته العامة عليها.
2 -
الدليل الثاني: أن «النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد اليهود يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى فيه موسى؛ فنحن نصومه شكرا لله تعالى، فصامه صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه (1)» . فيستفاد من ذلك فعل الشكر لله تعالى على ما من الله به في يوم معين، من إسداء نعمة، ودفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة.
وحيث أقر الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا الشكر وعمل به، وقال «نحن أولى بموسى منكم (2)» وأمر أن نصومه على أن نصوم يوما قبله أو بعده مخالفة لهم، فحيث جاز هذا شكرا لله على فضله في إنجاء موسى وإغراق فرعون، فإنه يجوز أن يشكر سبحانه على تفضله بمحمد رسولا لهذه الأمة.
(1) صحيح البخاري الصوم (2004)، صحيح مسلم الصيام (1130)، سنن أبو داود الصوم (2445)، سنن ابن ماجه الصيام (1734)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 310)، سنن الدارمي الصوم (1759).
(2)
صحيح البخاري المناقب (3943)، صحيح مسلم الصيام (1130)، سنن أبو داود الصوم (2444)، سنن ابن ماجه الصيام (1734)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 310).
وشكره سبحانه يكون بإقامة عيد سنوي لميلاده، وفي هذا العيد يتلى القرآن، ويذكر الناس بفضل الله: حيث بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا؛ فلهذا وذاك يكون عيد المولد النبوي سنة حسنة مندوبة.
أما الرأي الصحيح وهو رأي من يعتد به من العلماء فهو أن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من البدع المذمومة في الدين للأمور الآتية:
1 -
لأن السلف من الصحابة والتابعين لم يستحسنوها، ولم يفعلوها حيث لم ينقل عن أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم أو بعضهم أحيا هذه الفعلة، وأقام عيدا بمناسبة ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم، ولو حصل هذا لنقل إلينا؛ لأنه يتعلق بأمر يهم الأمة في دينها ورسولها.
وذلك كما نقلوا أقواله وأفعاله في العيدين وفي رمضان والتراويح وليلة القدر وصيام ست من شوال وصوم عاشوراء ونحوه.
2 -
أن هذا العيد داخل تحت المحدثات المذمومة في الدين مثل قوله صلى الله عليه وسلم «وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (1)» . 3 - ومما يدل على أنها بدعة مذمومة ما ثبت بالتجربة والتتبع التاريخي: أن إحياء المولد كل عام قد زاد الجهال من المسلمين بعدا عن دينهم وتشويها لسنة نبيهم؛ حيت صاحب هذه الموالد منكرات يشيب لهولها الوليد، ويتقطر قلب المسلم الغيور حسرة وأسفا على ما يرتكب باسم الرسول، وما يقترف على الإسلام باسم إكرام رسول الإسلام أمثال:
1 -
إضاعة الأموال وارتكاب مزيد من المحرمات كالمبالغة في إنارة
(1) سنن أبو داود السنة (4607)، سنن الدارمي المقدمة (95).
المساجد والطرقات وإيقاد الشموع والمصابيح عند الأضرحة، واتخاذها أعيادا ومناجاة أهل القبور وذبح الذبائح عندهم.
2 -
ومنها انتهاك حرمة المساجد بتقذيرها، وكثرة اللغط والكلام غير المشروع ودخول الأطفال بأوساخهم وصراخهم، مما يفقد المساجد حرمتها.
3 -
ومنها خروج النساء متبرجات مع الاختلاط بالرجال إلى حد لا يؤمن معه وقوع المحذور.
4 -
ومنها استعمال المزامير والأغاني والأهازيج التي يستعملها المحترفون لإقامة هذه الموالد والذين يقتدي بهم المحبون لهذه الموالد، وهذا وذاك من المحرمات في الدين.
5 -
ومنها تلاوة القرآن بشكل مبتدع لم يكن مألوفا في عهد النبوة، كالتلحين والترجيع والتشدق، والقيام بحركات أثناء القراءة كالتمايل يمينا وشمالا وأماما وخلفا، وكترديد المستمعين للقارئ أذكارا ودعوات بشكل جماعي جهرا. وكون المقرئ والمستمعين له يتابعون القرآن من حيث الصوت لا المعنى، بحيث يظهرون بمظهر الطرب الذي لا يختلف عما يحصل أثناء الغناء، وهذا ينشأ عنه إهانة لكتاب الله وابتذال له ضد ما وصف الله به المؤمنين عند سماع كلامه (1). حيث قال سبحانه {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (2).
(1) انظر الإبداع 239.
(2)
سورة المائدة الآية 83
6 -
وهذه المفاسد التي ذكرنا طرفا منها تعارض المحاسن التي ذكروها، وإذا وجد مفاسد ومصالح يقدم العمل بدرء المفاسد على جلب المصالح، كما هو معلوم في الأصول.
الرد على ما احتج به مروجو هذه البدعة:
1 -
ما قيل من أن هذه البدعة سبب لحمل الناس على فعل الخير فهذا لأن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها. فالوصول إلى الخير لا يكون بوسيلة محرمة لأن تلاوة القرآن والصدقات والتذكير بمعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم هي من أمور الخير ولكنها جاءت في وقت ومكان غير مشروعين؛ لأنها عبادات والأصل في العبادات التوقيف يتبع فيها صاحب الشرع ولا يبتدع. فمثل هذه الأعمال الخيرة مثل الصلاة إذا جاءت في غير وقتها بقصد التعبد فإنها مردودة على صاحبها.
ثم إن هذا اجتهاد فيما لا يجوز فيه الاجتهاد فيرد. ثم إن هذه المحاسن معارضة بما ذكرنا من المساوئ فتسقط هذه وتقدم تلك عملا بالقاعدة الأصولية " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " كما ذكرنا قريبا.
2 -
أما الدليل الثاني وهو حديث صوم عاشوراء شكرا لله. فلا دليل فيه على المدعي؛ لأن ما يدل عليه هو العمل بشيء سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا خلاف فيه؛ لأنه وحي من عند الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فثبوته ليس استحسانا ولا ابتداعا حتى يقال بأنه دليل على أن نستحسن أو نبتدع. بل الذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1)» رواه مسلم.
(1) صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).
ومن هذا يظهر أن الاحتفال بعيد المولد هو بدعة منكرة يتعدى ضررها ويعم شرها لمصاحبتها كثيرا من البدع والخرافات والمحرمات من الكبائر ومساوئ الأعمال كما ذكرنا والله الهادي إلى أقوم طريق، وبهذا القدر نكون قد أنهينا البحث عن البدع وما يتصل بها. وختاما نسأل الله سبحانه أن يجنب هذه الأمة مضلات الفتن ومزالق الشيطان، وأن يأخذ بيدها لتسير إليه سبحانه على ما أنزله في كتابه وشرعه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إنه جل جلاله خير مسئول، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
صفحة فارغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الإلحاد وعلاقته باليهود والنصارى
د. محمد بن سعد الشويعر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد: -.
فمنذ خلق الله الإنسان والصراع قائم بينه وبين الشيطان، ثم ازداد الأمر مع ذريته. الشيطان وأعوانه من الجن والإنس، يريدون إغواء بني آدم وصرفهم عن المنهج القويم. ونصب الحبائل لإبعادهم عن أمر الله وشرعه، وعن طاعة رسله واتباع كتبه التي أنزل، والمؤمنون من بني آدم يأتمرون بأمر الله ويتبعون رسله ويعملون بما أنزل عليهم، فهم عباد الله المخلصون له، الذين حماهم الله من الشيطان وحبائله، وأشد الناس عداوة وحسدا للمسلمين هم اليهود والذين أشركوا، وذلك لعداوتهم لله وتحديهم لرسالاته ووقوفهم ضدها، وكراهيتهم لأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، يقول الله تبارك وتعالى مخبرا عن اليهود وعدائهم للمسلمين، وأنهم متلازمون في هذا يعنى اليهود مع الملاحدة وعبدة الأوثان {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (1){وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (2).
(1) سورة المائدة الآية 82
(2)
سورة المائدة الآية 83
ويقول تبارك وتعالى مخبرا عما حل بهم بعد أن تجاوزوا الحد في المعصية والمعاندة: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (1).
وكما حرص اليهود في بث السموم والعداء للديانة النصرانية، وفي وقوفهم ضد عيسى والحواريين فإن مواقفهم مع محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة معروفة في كتب السير، وسجلها التاريخ، بل أبان القرآن نماذج من حوارهم وعنادهم في أكثر من موضع، كما رصدت من قبل كثير من كتب النصارى وتأريخهم مواقف للعداء المستحكم بين اليهودية والنصرانية.
وبدءوا أسلوبا جديدا في حربهم للإسلام على يد عبد الله بن سبأ اليهودي الذي دخل الإسلام ظاهرا، أما باطنه فكان الإضلال والمباعدة بين المسلمين ودينهم، فأنشأ الفرقة البأية، وكان مما فتن الناس فيه قوله: بأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يقتل وإنما هو حي في السحاب، ولو أتيتمونا بدماغه في سبعين صرة ما صدقنا موته، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا (2).
(1) سورة البقرة الآية 61
(2)
انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ج5 ص 36.
حرك اليهود الجدل في تأريخ الإسلام منذ حل محمد صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا، بل إن هناك أخبارا تعطينا الدلالة على اتصال اليهود بالمدينة - واسمها ذلك الوقت يثرب - بكفار مكة وإخبارهم ببعض الأمور التي تطرح أسئلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم للتعجيز والحجاج، لا للفائدة والوصول للحقيقة، كالأسئلة التي وردت إجاباتها في سورة الكهف وهي مكية. لأن عرب الجزيرة قبل البعثة لم يكونوا أهل علم، ولا معرفة بأحوال الأمم السابقة.
ولذا يؤدب الله جلت قدرته أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة للمدينة، التي يسكنها قوم من أهل الكتاب في طريقة الحوار معهم، والنقاش فيما يطرح من مسائل، وهو اللين والرفق، لينجذب طالب الحقيقة، وتقوم الحجة على المعاند والمكابر، فيقول سبحانه وتعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (1).
ولما كان اليهود يضمرون العداء لمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، فإنهم سلكوا طرقا ملتوية لإضلال الناس، فحركوا في الأمم المغلوبة كالفرس والروم جذور دياناتهم السابقة ليأتوا بطرق ظاهرها الإسلام، وباطنها محاربته للتشكيك فيه.
فظهرت الزندقة في العهد العباسي، كما تحرك النصارى وبدءوا يطرحون شبههم ويحاولون الظهور على المسلمين، وكان أول رد جدلي حسب ما وصلنا خبره رسالة الجاحظ في " الرد على النصارى "، وما ذكره
(1) سورة العنكبوت الآية 46
المسعودي من جدل بين الرشيد وملوك الروم (1).
وفي الحروب الصليبية حول النصارى الناحية الجدلية إلى قوات عسكرية ناوأت المسلمين، حتى هيأ الله لهم قائدا رفع راية الإسلام عالية في بلاد الشام ومصر ضد عباد الصليب إنه صلاح الدين الأيوبي رحمه الله 532 - 589، الذي حرص أن يبني قاعدة وعقائد المسلمين، قبل أن يحارب بهم أعداءهم، فحرص رحمه الله على القضاء على دولة الفاطميين في مصر؛ لأنها نشرت البدع وأماتت في المسلمين حب الجهاد في سبيل الله، وقد حول مصر من التشيع الذي اهتمت به الدولة الفاطمية إلى السنة عندما استقدم علماء من الشام، ووزعهم في أنحاء مصر لإصلاح عقائد أهل مصر قبل أن يدخل بهم المعركة ضد النصارى.
وقد نشط الجدل بين النصارى والمسلمين في العراق والشام ومصر، ولكنه بلغ الذروة في الأندلس لكثرة النصارى واليهود في تلك البلاد، خاصة وأن اليهود يحركون الشبه لدى النصارى ليجعلوهم في الصورة الجدلية وإلقاء العقبات في فهم الإسلام.
ومن الرسائل الجدلية القصيرة التي كتبها علماء الإسلام في الأندلس.
- الرد على اليهود للرقيلي.
- الرد على النصارى لأبي القاسم العتبي.
- وكتاب ابن أبي عبيد في الرد على النصارى.
(1) راجع مروج الذهب للمسعودي ج1 ص 365 - 374.
- كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم وهو من أقواها (1).
فالصراع بين الحق والباطل قائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد أخبر الصادق المصدوق في حديث رواه عوف بن مالك الأشجعي الأنصاري رضي الله عنه، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:«اعدد يا عوف ستا بين يدي الساعة: أولهن: موتي، والثانية: فتح بيت المقدس، والثالثة: موتان يكون في أمتي يأخذهم مثل مقاص الغنم، والرابعة: فتنة تكون في أمتي وعظمها، والخامسة: يفيض المال فيكم حتى إن الرجل ليعطى المائة دينار فيتسخطها والسادسة: هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيسيرون إليكم على ثمانين غاية، قلت: ما الغاية. قال: الراية تحت كل راية اثنا عشر ألفا (2)» .
ولعل من تلك الرايات موجة الإلحاد التي حرص أعداء الإسلام على نشرها بين المسلمين لتشكيكهم في قدرة الإسلام على مسايرة الحياة الحاضرة من مالية وتربوية وعلمية وأمنية وغيرها بعد أن خسروا الحوار الجدلي بين الإسلام والنصرانية التي يدعون إليها.
إذ بدأ رجال خدموا الكنيسة وفي مناصب قيادية، يندسون في بعض المجتمعات الإسلامية لإظهار - أولا: تمردهم على الكنيسة التي وجدوا تعليماتها وطقوسها لا تتفق مع منطق العقل ولا مع متطلبات العصر، وما فيه من مستحدثات.
(1) راجع الفصل ج1 ص15.
(2)
راجع هذا الحديث بكماله في الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل ج24 ص 24 - 25.
وثانيا: وهذا هو هدفهم الأساسي لصرف المسلمين عن دينهم، بالمعادلات التي لمسوها في عقائد أصحاب الديانات الأخرى، فينصرف إليهم من لا خلفيات عقائدية أو علمية لديه في أمور الدين الإسلامي. وسوف أضرب في هذا الموقف مثالا واحدا، من الأمثلة الكثيرة التي تنتشر في العالم الإسلامي بأسره، ولدى الأقليات الإسلامية في أوروبا وأميركا وأستراليا مما يوجب اتخاذ عمل جماعي وموحد، لتبصير أبناء الإسلام بما يراد بهم، وتوضيح تلك الشبهات المطروحة أمامهم لصرفهم عن دينهم، وشاهده من كتاب الله قول الله تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (1).
ومما لا شك فيه أن العالم الغربي والشرقي يمر بمرحلة إلحادية عارمة نشأت عن الشيوعية والعلمانية، حيث التمسوا في متاهاتهم الفكرية، ما يحل قضاياهم المتشابكة، فأصبحوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، حيث التجئوا للإلحاد للتمرد على الكنيسة وظلمها.
ومصداقا لقول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (2).
أجد أن الحالة التي سأذكر هنا، وهي نموذج لحالات كثيرة تخرج هنا وهناك عن أولئك القوم، تعطي فكرة عن الجهود التي تبذل لإخراج المسلمين عن جادة الصواب، التي هي منهج الإسلام، إلى متاهات
(1) سورة البقرة الآية 109
(2)
سورة البقرة الآية 120
فوضوية، لكي يقولوا لبني جلدتهم بلسان الحال والمقال: إن المسلمين أيضا قد شعروا بالضجر الذي مر بنا، فتركوا دينهم، فتغتنم ذلك الكنيسة لتكثيف التبشير، وجذب أولئك البشر روحانيا وعقائديا إليها؛ لأن النفس البشرية مهما ابتعدت بالإلحاد والانصراف، فهي في حاجة إلى الانتماء العقائدي لأي شيء يطرح أمامها.
وهي والله مكيدة يمكرون من ورائها بالمسلمين {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (1) ليخرجوهم من الإسلام بالبعد عن مصدري التشريع فيه، ثم جذبهم لتعاليم الكنيسة.
فلقد وصلتني من أحد الأخوة الغيورين على دينهم من دبي - بدولة الإمارات العربية المتحدة، رسالة قد أرفق معها كتابا باللغة المليبارية بالهند واسمه: القرآن دراسة انتقادية من تأليف: جوزف ايدا ماروك. وقد صدر هذا الكتاب في شهر يوليو عام 1982 م.
يقع الكتاب في 174 صفحة باللغة المليباريه، أما ترجمته إلى اللغة العربية فتقع في 79 صفحة.
وقد نشرت هذا الكتاب جمعية النشر الإلحادية الهندية، ودار الكتب الزندقية هناك برقم (1) واحد. مما نستنتج معه أن هذه الجميعة جديدة التكوين، وجديدة النشاط أيضا، وأنها مركزة علمها في منطقة إسلامية في الهند، وبلغة أكثر من يتكلمها المسلمون.
وقبل أن نعطي فكرة عن الكتاب ومداخل المؤلف في التلبيس، فإن القارئ المسلم يجدر به أن يعرف شيئا عن المؤلف وأعماله حتى يتقي
(1) سورة الأنفال الآية 30
شره، ويسعى بما أعطاه الله من جهد وعلم للتعريف به في أوساط المسلمين للرد على شبهاته، وتوضيحا للمسلمين في كل مكان لمحاربة هذا المعاند لله ولرسالاته، فالمؤلف هو جوزف - يوسف - ايدامارك، ولد في أسرة من الأسر المسيحية السورية بمقاطعة " أيدوكي "" كيرالا " في عام 1934 م، وكان أول أمره معروفا بتدينه وتمسكه بالنصرانية، وكان خطيبا من خطباء التبشير، ومعلما في إحدى مدارس الأحد، وقد قام بخدمات سياسية، وكان عضوا للجنة المركزية الشيوعية وأمينا لفرع كيرالا.
وألف في عام 1953 م كتاب " إنما عيسى بشر " فغضبت عليه الكنيسة وأخرج من مجلس: " مهارون شولي " وهو مجلس من مجالس المسيحية في الهند.
تزوج بامرأة هندوكية في كيرالا عام 1954 م. فبدأ من ذلك التأريخ نشاطه الإلحادي وأصدر: مجلة إلحادية شهرية باسم ايسكرا أي " شرارة النار " وقد انقطع إصدارها وكان حظه كبيرا في إصدار المنشورات الإلحادية مثل " تيرالى " و " يوكتى " وغيرهما، كما كان مديرا للتحرير لكل من المجلات التالية:" مجلة سينما " و " حولية متوراما " و " منو راجيم ". وهو الآن مراسل دلهي لمجلة " كيرالا شبدم " أي " صوت كيرالا " الأسبوعية. وكانت له اليد الطولى في تأسيس " جمعية كيرالا الإلحادية " منذ عام 1956 م، وكان من المؤسسين للمنظمة التي انتشرت في الهند للتحضيض (الحث) على مناكحة أهل الأديان المختلفة فيما بينهم، وهم يريدون في ذلك أن تزوج المسلمات من غير المسلمين ليسهل تضليل المسلمين.
ولعل نشاط جوزف ايدا مارك هذا في الهند وفي المناطق الإسلامية بالذات في كيرالا - أي خير الله -. وفي الدخول على المسلمين من ناحية التزاوج والانصهار العرقي، وفي طباعة كتب ونشرات الإلحاد في المناطق الإسلامية في الهند وباللغات التي يتكلمها المسلمون بالذات، مع جهوده المكثفة وتشكيكهم في دينهم، كل هذه الاعتبارات وغيرها لعلها هي التي أهلته لأخذ الجائزة الإلحادية العالمية عام 1978 م. حيث يعتبر أول من نالها من آسيا.
ومع هذه النبذة عن حياته المليئة بما يغضب الله تعالى نذكر كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله: عجبت لأهل الباطل وحرصهم على باطلهم، وهذا ليس بغريب فعدو الله إبليس يعرف عن نفسه أنه على باطل، ومع هذا يصر على السير في طريقه وإغواء الناس، ولن أذكر هنا مضامين هذا الكتاب؛ لأنه من أوله إلى آخره مليء بشبهات وأحقاد على الإسلام والرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، بآراء غير مركزه ولا مرتبة، وفي جملتها هي من الشبهات التي يطرحها اليهود، ويثيرها النصارى في هجومهم على الإسلام والقرآن الكريم، الذي يصفونه دائما بأنه من وضع محمد. ثم بما يعرضون له من آراء حول الحدود الشرعية التي يصفونها بالقسوة، وعن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم العائلية وزواجه، وتلك الأمور في مخرجها الأساسي شبهات من اليهود رددها النصارى، وأثارها غيرهم من أصحاب الملل والنحل.
بل إن المبشرين ودعاة الكنيسة في كل مكان وزمان يثيرون هذه الشبه التي تعرض لها هذا المؤلف. . من باب التشكيك في صحة القرآن الكريم، وإيهام الآخرين أنه من وضع البشر وليس من عند
الله. وهم يأخذون هذا من طريقة الجدل بين اليهود والنصارى، التي تشكك كل طائفة في الأخرى، وتصف كتابها بالتعديل والتغيير، وأنه من وضع أحبارهم ورهبانهم وزعماء الدين فيهم.
وإذا كانت المجتمعات غير الإسلامية قد ظهرت فيها مظالم، وتسلط القوي على الضعيف ونتج عن ذلك أمور عديدة: من تفكك الأسرة، وفقدان الرابطة الاجتماعية، وخلو القلوب من الوازع، وانتشار الجريمة، واضطراب النفوس، وكثرة القلق والحقد على الآخرين، وغلبة الأنانية. . وغير هذا من النوازع التي تسعى إلى تخريب المجتمعات، وضياع الرابطة الأسرية.
فإن الإسلام فيه الحل لكل ما يعترض من مشكلة، وما مر أو يمر بالعالم من اضطراب لتخليص أبناء الإسلام أولا من الغزو الإلحادي الموجه إليهم، ولإشعار الأمم الأخرى بقدرة الإسلام على تخليصها من المشكلات التي تعاني منها، لما في تشريعه وحدوده من قضاء على تلك المشكلات بالقضاء على مسبباتها.
فبالنسبة لأبناء المسلمين الذين غزوا في عقر دورهم، وبلغاتهم القومية، فإن الحل يكمن في تعاون المسلمين على الأمور التالية: -.
أ - تعليم أبناء المسلمين منذ صغرهم أمور دينهم حتى يتسلحوا ضد أعدائهم وأعداء دين الله.
2 -
وإذا كانت دراساتهم النظامية في مدارس علمانية لا تهتم بالدين الإسلامي فإن المسئولية تقع على الآباء والأمهات بتعليم الأولاد في المنزل ما يصلح شأنهم وعقائدهم.
3 -
تنظيم مجموعات لأبناء المسلمين لتعليمهم في المسجد أو في المراكز
الإسلامية، وأن يتطوع القادر بتخصيص جزء من وقته أداء لحق الله الذي منحه القدرة والكفاءة، ولا يبخل من لديه قدرة ومتسع من الوقت بالتعاون معه امتثالا لقول الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ} (1).
4 -
تنمية الحجاب لدى المرأة المسلمة، وتشجيع الانفصال في التعليم عن الرجل لإيجاد الشخصية الإسلامية من البداية حسب أمر الله {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (2).
5 -
تنظيم الندوات والمحاضرات الإسلامية للرجال والنساء وتشجيع النقاش وطرح الأسئلة، والإجابة على الشبهات وتوضيح اختلاف نظرة الإسلام لكثير من الأمور عن النصرانية واليهودية، حتى تتسع مدارك أبناء المسلمين لأن الإسلام يخاطب العقل.
6 -
تقوية الرابطة في المجتمعات الإسلامية وخاصة عندما يكون المسلمون في بلاد بها معتقدات مختلفة.
7 -
الاهتمام فيما بينهم بالمناسبات الإسلامية كالأعياد ويوم الجمعة، وشهر الصوم وتشجيع التزاور والنقاش في الفوارق بين مناسبات المسلمين وغيرهم. ونبذ المناسبات الطارئه على المجتمع الإسلامي التي دخلته من أصحاب الأهواء والبدع.
أما بالنسبة للمسلمين عموما، فإن هناك أمورا إذا أخذ بها، كانت خير سلاح للوقوف بحزم وقوة ضد ظاهرة الإلحاد التي برزت في هذا العصر بصورة أكثر مما كانت معروفة به من قبل في مثل: -.
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
سورة الأحزاب الآية 53
1 -
تمكين عقيدة التوحيد من القلوب. فالإلحاد لم ينشأ إلا من خراب القلوب حيث حلها الشيطان واستوطنها.
يقول الله جلت قدرته {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1){مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (2){إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (3).
فالفرد إذا امتلأ قلبه بمعرفة الله، وأخلص له سبحانه بالعبادة والوحدانية، لن يجد هؤلاء الملاحدة منفذا يدخلون معه، ولا تجد أفكارهم إلى نفسه سبيلا.
2 -
ترابط المسلمين واهتمامهم بإخوانهم؛ ليكونوا كالجسد الواحد كما جاء في الحديث الشريف، فيعرفوا ما يحاك ضد إخوانهم في أي مكان من مكائد، وما يطرح من شبهات فيعينوهم في الوقوف ضد ذلك حتى لا يقعوا فيه.
3 -
العناية بالتعليم الإسلامي لتنمية العقيدة الصحيحة، ونبذ الخلافات التي دخلت المجتمعات الإسلامية وغذاها أعداء الإسلام، من باب " فرق تسد ".
4 -
بذل المساعدات المالية والعلمية لأبناء المسلمين حتى يزدادوا علما ومعرفة لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم. ومن ثم توجيه الثقافة والتعريف بالنافع من الضار.
5 -
التصدي لشبهات الملاحدة التي تثار، وتوضيحها بالدليل العقلي، والدليل المنقول؛ لأنها شبهات باطلة تتهاوى هشة أمام التوضيح والمناقشة، وصدق الله إذ يقول:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (4).
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2)
سورة الذاريات الآية 57
(3)
سورة الذاريات الآية 58
(4)
سورة النجم الآية 23
6 -
العناية بالتوجيه الإعلامي من مسموع أو مقروء أو منظور، وربط الأمور بمنطلق العقيدة الإسلامية، فوسائل الإعلام في العصر الحاضر مدرسة لتوجيه أفراد المجتمع على اختلافهم، وتبصيرهم بما يجب عليهم وما لهم؛ لأنها تدخل كل بيت وتتحدث بكل لغة. 7 - الاهتمام بالتربية الخلقية، والتأدب بآداب الإسلام فالإحسان إلى الآخرين من آداب الإسلام ويستبعد الآخرين، والعدل بين الناس، والصبر على أذاهم وغير هذا من الأمور التي تجذب الكافر وأصحاب النحل الأخرى إلى حظيرة الإسلام. هذه بعض الأمور التي تعين في التغلب على ظاهرة الإلحاد، والكيد للإسلام وأهله. ويحضرني في هذا الموقف واقعتان حصلتا في العهد العباسي منهما نجد أسلوب علمائنا الأفاضل في معالجة مثل هذه الظاهرة بأسلوب مقنع.
- الأولى حصلت لأحد علماء بغداد عندما طلب إليه مناظرة أحد الملاحدة في ميدان عام بالرصافة، وقد تجمع الناس والعلماء، فتأخر هذا الشيخ عن الحضور والناس ينتظرون، وجاء بعد طول انتظار، فابتدر الجميع قائلا، وهو يعني الملحد الذي سوف يناظر: لقد تأخرت لأنني منذ وقت طويل، وأنا جالس تحت تلك الشجرة أنتطرها تقطع نفسها ثم تصنع لي قاربا من جذرها فأركبه إليكم زورقا.
فضحك الملحد قائلا إن الشجرة لا بد لها من عامل معه فأس
يقطعها، ثم نجار ينشر خشبها، ثم مسامير ومطرقة، ليجمع من أعوادها قاربا، ثم عمال يحركون المجاديف لتجتاز بك النهر حتى تصل إلينا.
فقال الشيخ: إذا كيف تقول: إن المصنوع في هذه الحياة ليس له صانع يوجده من العدم، فما دام لا بد من عامل يعمل، ونجار يصنع من أجل إصلاح قارب؛ فلا بد إذا لهذا الكون من خالق يدبره وهو الله جل وعلا. فالأشياء لا توجد نفسها. فسكت الملحد وانخذل.
- أما الثانية فهي قصة أبي حنيفة رحمه الله مع جاره اليهودي الذي آذاه بفتح بيت الخلاء عليه ليؤذيه بالرائحة الكريهة، فصبر الإمام أبو حنيفة عليه خمسة عشر عاما أداء لحق الجوار، مع أنه قادر بكلمة واحدة لأمير المؤمنين أن ينتقم من هذا اليهودي شر انتقام، وكان أن مرض أبو حنيفة فزاره اليهودي من جملة من زاره، وقد تعمد أن يضع يده على أنفه إظهارا للاستياء مما يشم، وبعد أن جلس عند أبي حنيفة، قال له: منذ متى وهذه الرائحة الكريهة عندكم؟ فقال: منذ جاورتنا، منذ خمسة عشر عاما. فقال اليهودي: وقد صبرت من ذلك التاريخ؟ قال: نعم. لأن ديننا يأمرنا بحسن الجوار. فبهت اليهودي، ثم قال: دين هذه أخلاق علمائه فإنه خير دين، أشهدك أنني أسلمت، ونطق بالشهادتين، ومن هذا كله ندرك علاقة النصرانية واليهودية بموجة الإلحاد السائدة في هذا العصر وحرصهما على مباعدة المسلمين عن دينهم.
نسأل الله السلامة والعافية لأمة الإسلام وأبناء المسلمين، وأن يرزقهم التفقه في دينهم، ومعرفة الحق حقا ويرزقهم اتباعه، والباطل
باطلا ويزرقهم اجتنابه، وإنها لأمانة ملقاة على كاهل العلماء في توضيح حقيقة الإسلام، وشرح تعاليمه، والتصدي لكل شبهة تطرح على أي مستوى، وفي أي مكان، بالتفنيد والإيضاح، وتبصير المسلمين بما يجب عليهم، وهذا من نصر دين الله، وأداء حق ما تحملته النفوس من علم بالدعوة والتوجيه، والله كفيل بتأييدهم ونصرهم قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (1){وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} (2).
والله الهادي سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(1) سورة محمد الآية 7
(2)
سورة محمد الآية 8
صفحة فارغة
محمد بن عمر بن عبد الرحمن العقيل
. * الشهرة العلمية - أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري
. * المولد سنة 1357 هـ بشقراء
. * يحمل الماجستير في التفسير - ثاني فوج من معهد القضاء العالي.
* عمل موظفا بإمارة المنطقة الشرقية وديوان الخدمة المدنية ورئاسة تعليم البنات / ويعمل الآن مديرا عاما للإدارة القانونية بوزارة البلديات والشئون القروية، وعمل رئيسا للنادي الأدبي بالرياض ولا يزال أحد أعضائه طبع له أربعون كتابا ونيفا - أهمها - لن تلحد، وهموم عربية، وابن حزم خلال ألف عام.
صفحة فارغة
بسم الله الرحمن الرحيم
مسند بلال بن رباح رضي الله عنه
لأبي علي الزعفراني
بتحقيق: أبي عبد الرحمن بن عقيل
توطئة عاجلة: -.
بدار الكتب المصرية مجموع برقم 1558 / حديث يضم ستة وأربعين مؤلفا ما بين كتاب وجزء ورسالة. وقد عرفت بهذا المجموع في مقدمتي لكتاب التذكرة للحميدي. وهذا المجموع بخط يوسف بن شاهين (سبط ابن حجر) يتميز بإثبات الرواية والسماع لكل جزء.
وهو بخط تعليق واضح يهمل الحروف ولا يعجمها ويكتب الكاف لاما.
أما راويه وناسخه سبط ابن حجر فقد قال عنه السخاوي في الضوء اللامع: (وليس خطه بالطائل لا سندا ولا متنا، بل ولا يعتمد عليه في كثير مما يبديه لتساهله).
وضمن هذا المجموع بضعة أحاديث رواها الزعفراني بإسناده إلى بلال رضي الله عنه مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب عليها (مسند بلال بن رباح).
وراويها أبو علي الحسن بن محمد بن الصباح - بتشديد الباء - الزعفراني صاحب الإمام الشافعي.
ترجم له - أو ذكره - ابن النديم في الفهرس، والشيرازي في طبقات الفقهاء، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وابن عدي في الكامل، والخطيب في تاريخ بغداد، وابن قانع في المعجم، وابن عبد البر في الانتقاء، وأبو الوليد الباجي في كتابه التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الصحيح، والذهبي في سير أعلام النبلاء، والعبر، وتذكرة الحفاظ، والكاشف، وأبو يعلى في طبقات الحنابلة، وابن طاهر في الجمع بين رجال الصحيحين، والسمعاني في الأنساب، والنووي في تهذيب الأسماء، وابن خلكان في وفيات الأعيان، وابن خير في الفهرس، وياقوت في معجم البلدان، وابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، وابن كثير في طبقات الشافعية، وفي البداية والنهاية، والأسنوي في طبقات الشافعية، والعبادي في طبقات الشافعية، وابن هداية في الطبقات، وابن الأثير في اللباب، وابن تغري بردي في النجوم الزاهرة، وابن الجوزي في المنتظم، والصفدي في الوافي، واليافعي في مرآة الجنان، وابن حبان في الثقات، والمزي في تهذيب الكمال، وابن حجر في تهذيب التهذيب، والخزرجي في الخلاصة، والعليمي في المنهج الأحمد، وابن العماد في شذرات الذهب، والخوانساري في روضات الجنات، والزركلي، وكحالة وسزكين.
ولم يذكر جمهور من ترجم له أن له شيئا من المؤلفات، وإنما ذكر ابن خلكان وتابعه ابن العماد أن له مؤلفات في الفقه والحديث. وذكر له ابن خير حديث أبي علي الزعفراني في أربعة أجزاء وأسنده إليه بعدة طرق من طريق ابن الأعرابي عن الزعفراني، وكذلك ذكره
صاحب صلة الخلف الذي ذكر له مسند بلال، وخباب، وعمار بإسناده إلى الفخر بن البخاري إلى الدجاجي إلى القطان عن الزعفراني.
ولعله من جمع تلميذه ابن الأعرابي.
ولم يصل إلينا شيء من آثار الزعفراني غير هذه الضميمة من حديث بلال، ولعلها من جمع تلميذه أبي عبد الله القطان. ذكر سزكين لهذه الضميمة نسخة أخرى بدار الكتب المصرية برقم 25585 حديثة النسخ في سنة 1351 هـ.
والزعفراني منسوب إلى الزعفرانية قرية بسواد العراق، ثم سكن ببغداد، فقيل للدرب الذي يسكن فيه درب الزعفراني نسبة إليه. وهذا تصحيح من ابن السبكي لقول شيخه الذهبي: إن الزعفراني منسوب إلى الدرب.
والعكس هو الصحيح.
روى عنه الستة إلا مسلما، كما روى عنه من ألف في الصحيح كابن خزيمة وأبي عوانة. وثقه النسائي، بل أجمعوا على إمامته وتوثيقه. كان نبطيا، ولكنه من أفصح أهل زمانه، ومن أهل اللغة.
ورد عند ابن عبد البر والسمعاني: (أنه الزعفراني البزار) ولم أر هذا عند غيرهما، ولعل السمعاني تابع ابن عبد البر، ويكون ابن عبد البر اختلط عليه الزعفراني بالحسن بن الصباح صاحب الإمام أحمد.
وفي طبقات الحنابلة لأبي يعلى: روى عنه الشافعي كتابه القديم.
قال أبو عبد الرحمن: لعل هذا تطبيع، وأن العبارة (عن) بدون هاء الغائب.
قال ابن عبد البر عن الزعفراني:.
كان يذهب إلى مذهب أهل العراق فتركه وتفقه للشافعي. .
وكان نبيلا فقيها مأمونا قرأ على الشافعي الكتاب كله نيفا على ثلاثين جزءا، وكتبه عنه.
وهو الكتاب المعروف بالبغدادي، وبالقديم.
ويقال لكتابه (المصري الذي كتبه بمصر الجديد). اهـ.
وقال ابن النديم: (روى المبسوط عن الشافعي على ترتيب ما رواه الربيع، وفيه خلف يسير).
وليس يرغب الناس فيه، ولا يعملون عليه. وإنما يعمل الفقهاء على ما رواه الربيع.
ولا حاجة إلى تسمية الكتب التي رواها الزعفراني؛ لأنها قد قلت، واندرس أكثرها. وليس ينسخ فيما بعد). اهـ.
قال أبو عبد الرحمن: إنما رغب الناس عنها فقها؛ لأنها القول القديم للشافعي، أما الأحاديث فلا بد أنها بقيت في رواية الزعفراني والبيهقي وغيرهما.
اختلف المؤرخون في تاريخ وفاة الزعفراني، فقال السمعاني مات في ربيع الآخر سنة 249 هـ.