المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أسباب انحراف المبتدعة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ الختان:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌ حكم نكاح الشغار

- ‌كلمة سماحة الشيخ إلىحجاج بيت الله الحرام

- ‌ ضابط المثلة الممنوعة

- ‌ مدى ملك الإنسان التصرف في نفسه أو في عضو من أعضائه

- ‌مجمل ما ذكره ابن قدامة رحمه الله في المغني

- ‌الأمانة العامة لهيئة كبار العلماءقرار رقم 62

- ‌التجانية

- ‌الموضوع الثانينبذ من عقيدته وعقيدة أتباعه

- ‌حكم ورد التجانية

- ‌حكم الصلاة خلف الأئمة المبتدعين - كالتجانية

- ‌ ترك الصوم ثمانية أعوام

- ‌ توفي بعد شهر رمضان وقد صام نصفه

- ‌الحامل أو المرضع إذا خافت على نفسها أو على الولد في شهر رمضان

- ‌شخص صام شهر رمضان في فرنسا بناء على سماعه رؤية الهلال في إذاعة القاهرة

- ‌ منع الطبيب مريضا عن الصيام وهو قادر عليه

- ‌ أصيبت امرأة بمرض نفساني واضطراب أعصاب تركت على إثره الصوم أربع سنوات

- ‌ المسلم الذي أصبح مزمنا وذا فاقة ليس في إمكانه الصوم ولا في قدرته الإطعام

- ‌ اختلاف مطالع الأهلة

- ‌ أفطر وهو في الطائرة بتوقيت بلد ما وهو يعلم أن الشمس لم تغرب

- ‌ مسافر أفطر في سفره أيمسك عندما يصل إلى محل إقامته

- ‌ صوم النافلة لا يقضى ولو ترك اختيارا

- ‌ الطريقة التي يثبت بها كل شهر قمري

- ‌الحلقات الدينية التي يقدمها التلفزيون

- ‌السنة أن يضحي الرجل بواحدة عنه وعن أهل بيته

- ‌ صفات الأضحية شرعا

- ‌ إخراج ثمن الأضحية ودفعه للمجاهدين المسلمين

- ‌ حج من ترك طواف الوداع

- ‌ أحصر الإنسان عن الحج بعد ما أحرم بمرض أو غيره

- ‌ التوكيل في رمي الجمرات

- ‌ حج المصر على المعصية

- ‌ المبيت في مزدلفة

- ‌ لم يستطع طواف القدوم لأنه لم يصل إلى مكة إلا عصر يوم عرفة

- ‌كيف يستطيع الإعلام بوسائله المختلفة خدمة المسلمين

- ‌البدع طعن في الشريعة وقدح في كمالها

- ‌ من الأدلة النقلية الدالة على ذم البدع وفاعليها:

- ‌من الأدلة العقلية على ذم البدع وسوء منقلب أصحابها

- ‌تعريف البدع

- ‌تعريف البدعة في اللغة

- ‌البدعة في لسان الشارع:

- ‌العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:

- ‌اختلاف العلماء في الحد الشرعي للبدعة:

- ‌الموازنة بين هذين المسلكين:

- ‌ أقسام البدع:

- ‌ تارك الواجب أو المندوب أو المباح هل يعد مبتدعا

- ‌ درجات البدع من حيث هي كفر أو معصية

- ‌ تفاوت البدع من حيث هي كبيرة وصغيرة

- ‌ الفرق بين البدع والمعاصي:

- ‌ معاملة أهل البدع

- ‌ هل لأهل البدع من توبة

- ‌المبتدع يتعلق ببدعته ويعض عليها بالنواجذ

- ‌الخلاف في قبول توبة المبتدع

- ‌ أسباب انحراف المبتدعة

- ‌ سبب تسمية عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا العمل بدعة

- ‌ استحسان بعض البدع

- ‌ زيادة عثمان رضي الله عنه أذانا ثانيا يوم الجمعة:

- ‌أسانيد الكتاب وسماعاته:

- ‌نص الجزء من مسند بلال

- ‌[باب المسح على الخفين]

- ‌باب أفطر الحاجم والمحجوم:

- ‌باب الأذان

- ‌ تعريف الاجتهاد لغة وشرعا:

- ‌ أدلة الاجتهاد في الشريعة:

- ‌ وقت وجود الاجتهاد في هذه الأمة

- ‌ شروط الاجتهاد

- ‌ أنواع الاجتهاد:

- ‌ الخاتمة:

- ‌حكم بيع العينة

- ‌بعض المسائل المتفرعة عن مسألة العينة:

- ‌ مسألة التورق

- ‌الأكل من الطيبات:

- ‌أدلة تحريم الرشوة:

- ‌تعريف الرشوة:

- ‌حكم هدايا العمال والحكام وعامة الناس:

- ‌رفض الخلفاء الهدية خوفا من الشبهة:

- ‌أقوال العلماء في هدايا الحكام وغيرهم:

- ‌رد وتعقيب للإمام الشوكاني:

- ‌الرشوة لرفع ظلم:

- ‌حكم هدية غير الحكام والعمال:

- ‌خلاصة القول في المسألة:

- ‌محاسبة العمال:

- ‌مكافأة المحسن:

- ‌بيان مذهب أهل السنة: في الاستواء وسائر الصفات

- ‌ وجوب استعمال الماء عند القدرة عليه في الطهارتين وتحريم التيمم في هذه الحال

- ‌علم الحساب لا يعتمد عليه في إثبات الصوموالفطر والأحكام الشرعية

- ‌بيان ما يلزم المحدة على زوجها من الأحكام

الفصل: ‌ أسباب انحراف المبتدعة

الحديث محمول على ما إذا لم يتب لأن التوبة تجب ما كان قبلها كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عقيل (1): الرجل إذا دعا إلى بدعة، ثم ندم على ما كان، وقد ضل به خلق كثير، وتفرقوا في البلاد وماتوا، فإن توبته صحيحة إذا وجدت الشرائط، ويجوز أن يغفر الله له ويقبل توبته ويسقط ذنب من ضل به بأن يرحمه ويرحمهم، وبهذا قال أكثر العلماء. اهـ.

2 -

وأما بقية الأدلة: فما كان منها من أحاديث وآثار فهو معارض بالآيات الصريحة والأحاديث التي أوردنا طرفا منها فتقدم عليها. أو أن يقال إنها محمولة على ما إذا لم يتب هؤلاء وماتوا على بدعتهم.

وأما ما كان منها (أي من أدلة أهل الرأي الأول) مرويا عن السلف فمحمول على التنفير من هذه البدعة وأهلها أو على من مات ولم يتب؛ لأن شأن المبتدعة عدم التوبة بناء على التجربة التي مارسها علماء السلف مع هؤلاء. ولكن مع هذا فالمعول عليه هو النصوص المتواترة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتي صرحت بأن باب التوبة مفتوح ويد الله مبسوطة لكل مذنب يريد التوبة، حتى لو كان كافرا أو زانيا أو قاتلا ولا نطيل في هذا لأنه من المسلمات.

(1) غذاء الألباب للسفاريني 568/ 2.

ص: 185

مبحث:‌

‌ أسباب انحراف المبتدعة

.

يتعلق المبتدعون بحجج أوهى من بيت العنكبوت؛ إذ يتعلقون في الاستدلال بأدلة يستدلون بها على خصوصات مسائلهم، وهذه الأدلة قد تكون قطعية الثبوت قطعية الدلالة ولكنهم يحرفونها عن مواضعها، وقد تكون هذه الأدلة أحاديث ضعيفة أو موضوعة، وقد يتعلقون بآثار لا أصل لها، كما أن بعضهم يكون الوازع له على هذا هو اتباع الظن والهوى

ص: 185

والتشهي؛ فلهذا وقعوا فيما وقعوا فيه من انحراف عن صراط الله السوي فاستحقوا غضب الله والبعد عن مرضاته وسنتحدث بإيجاز عن أهم الأسباب التي جعلت هؤلاء المبتدعة يحيدون عن الجادة:

1 -

اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة والمكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي لا يقبلها أهل صناعة الحديث في البناء عليها. كحديث الاكتحال يوم عاشوراء وإكرام الديك الأبيض وأكل الباذنجان بنية (معينة). وأن النبي صلى الله عليه وسلم تواجد واهتز عند السماع حتى سقط الرداء عن منكبيه. وما أشبه ذلك فإن أمثال هذه الأحاديث- على ما هو معلوم- لم ينقل الأخذ بشيء منها عمن يعتد به في طريقة العلم ولا طريقة السلوك، ومعلوم أيضا أن الأحاديث الضعيفة الواهية الإسناد لا يغلب على الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها، فلا يمكن أن يسند إليها حكم، فما الظن بالأحاديث المعروفة الكذب، فالذي حمل هؤلاء المبتدعة على العمل بها هو اتباع الهوى، أو الجهل بالشريعة وأصولها.

2 -

اعتمادهم على تحكيم عقولهم والسير على قواعد قعدوها مما حملهم على رد أحاديث صحيحة؛ لأنها غير موافقة لأغراضهم ومذهبهم فيجب ردها، كالمنكرين لعذاب القبر والصراط والميزان ورؤية الله عز وجل في الآخرة، وكذلك حديث الذباب إذا وقع في الإناء وأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء.

وحديث المبطون الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أخاه بأن يسقيه العسل. وما أشبه ذلك من الأحاديث الصحيحة المنقولة نقل العدول.

وربما قدحوا في الرواة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وكذا من اتفق الأئمة من المحدثين على عدالتهم وإمامتهم، كل ذلك ليردوا به

ص: 186

على من خالفهم في المذهب حتى بلغ بهم الأمر أن جعلوا القول بإثبات الصراط والميزان والحوض قولا بما لا يعقل وقد سئل بعضهم: هل يكفر من قال برؤية الباري في الآخرة فقال: لا يكفر؛ لأنه قال ما لا يعقل، ومن قال ما لا يعقل فليس بكافر.

كل هذا إمعانا منهم في الضلالة حيث ردوا ما صح من النصوص وحرفوا ما لم يوافق مذاهبهم الباطلة ظلما وعدوانا.

3 -

قولهم في القرآن والسنة بالخرص والتخمين مع جهلهم بعلم العربية الذي يفهم به عن الله ورسوله، فيفتاتون على الشريعة بما فهموا ويدينون به ويخالفون الراسخين في العلم.

وإنما فعلوا هذا من جهة تحسين الظن بأنفسهم واعتقادهم أنهم من أهل الاجتهاد والاستنباط وليسوا كذلك. كقول بعضهم في قوله سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} (1) أي: ألقينا فيها. كأنه عندهم من قول العرب: (ذرته الريح) وذلك لا يجوز لأن (ذرأنا) مهموز و (ذرته) غير مهموز.

ومثل قول ابن عربي في تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} (2) قال ما نصه: واذكر اسم ربك الذي هو أنت أي: اعرف نفسك ولا تنسها فينساك الله. . إلخ وهذا التفسير مبني على اعتقاده من القول بوحدة الوجود. ومثل هذا تفسير بعض الشيعة: (الجبت والطاغوت) بأبي بكر وعمر. قاتلهم الله أني يؤفكون على هذا التأويل المنحرف.

(1) سورة الأعراف الآية 179

(2)

سورة المزمل الآية 8

ص: 187

فمثل هذه الاستدلالات لا يعبأ بها ولا يعد خلاف قائليها خلافا وما استدلوا عليه من الأحكام الفرعية أو الأصولية فهو عين البدعة؛ إذ هو خروج عن طريقة كلام العرب إلى اتباع الهوى، وصدق عمر رضي الله عنه حين قال:(إنما هذا القرآن كلام فضعوه مواضعه ولا تتبعوا به أهواءكم).

أي: فضعوه على مواضع الكلام ولا تخرجوه عن ذلك فإنه خروج عن الطريق المستقيم إلى اتباع الهوى.

4 -

الانحراف عن الأصول الواضحة إلى اتباع المتشابهات والأخذ بها تأويلا كما أخبر سبحانه في كتابه: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (1).

والذي عليه العلماء أن كل دليل فيه اشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه. ويشترط في ذلك ألا يعارضه أصل قطعي. فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو اشتراك أو عارضه قطعي. فليس بدليل لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهرا في نفسه ودالا على غيره. وإلا احتيج إلى دليل. فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى ألا يكون دليلا.

ومن أمثلة هذا زعم المعتزلة أن القرآن مخلوق؛ لأن الكلام لا يتصل إلا بأصوات وحروف، وكل ذلك من صفات المحدثات، والباري تنزه عنها؛ ولهذا اضطروا لتأويل مثل قوله تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (2) ولأن الله يقول: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (3) والقرآن شيء فتشمله

(1) سورة آل عمران الآية 7

(2)

سورة النساء الآية 164

(3)

سورة الأنعام الآية 102

ص: 188

الآية، فهو إذا مخلوق وهذا المسلك منهم أخذ بالمتشابهات لأنهم قاسوا الخالق على المخلوق ونسوا أن بينهما فرقا عظيما لقوله سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) لأن لله سبحانه صفات قائمة بذاته تليق بجلاله وعظمته لا تشبه صفات المخلوقين كما أن له أفعالا تليق به تختلف عن أفعال عباده.

فهذا التأويل إخراج لهذه النصوص عن حقائق معانيها التي نزل القرآن بها وهو خروج عن أم الكتاب إلى ما تشابه منه (2).

وبعد، فهذه بعض المزالق التي تردى فيها المبتدعة ومن سلك سبيلهم من الأتباع وكانوا يظنون أنهم على شيء من الحق وهم أبعد ما يكونون عنه؛ لأنهم اتبعوا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا، كما حكموا العقول، والعقول لا تستقل بمعرفة مصالح العباد بغير الشرع، كما حكموا الهوى والهوى يعمي أصحابه.

(1) سورة الشورى الآية 11

(2)

الاعتصام 224/ 1وما بعدها و164/ 2وما بعدها.

ص: 189

مبحث: في إبطال تعلق المبتدعة بالمسائل الآتية:

1 -

جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس على إمام واحد في صلاة التراويح.

2 -

زيادة عثمان بن عفان رضي الله عنه أذانا ثانيا يوم الجمعة.

3 -

تحقيق ما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن.

وذلك أن المبتدعة يتعلقون بمثل هذه المسائل وهم يظنون أنهم

ص: 189

يحسنون صنعا ولم يعلموا أن ما تعلقوا به ليس لهم فيه حجة على الوجه الذي استدلوا به وهو تحسين بدعهم ومحدثاتهم فنقول:

(أ) مشروعية صلاة التراويح ثابتة بأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما رواه الجماعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة فيقول: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (1)» رواه الجماعة (2). قال الكرماني: اتفقوا على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح. وقال النووي رحمه الله: إن قيام رمضان يحصل بصلاة التراويح. وقال: اتفق العلماء على استحبابها والجمهور على أن الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر رضي الله عنه والصحابة رضي الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد. وبالغ الطحاوي فقال: إن صلاة التراويح في الجماعة واجبة على الكفاية (3).

ومما يؤيد استحباب صلاة التراويح وأفضلية أدائها جماعة ما رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم (4). عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس يتحدثون بذلك فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس، ثم تشهد فقال: أما بعد: فإنه لم يخف علي

(1) صحيح البخاري الإيمان (37)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (759)، سنن الترمذي الصوم (808)، سنن النسائي الصيام (2206)، سنن أبو داود الصلاة (1371)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 423)، موطأ مالك النداء للصلاة (251)، سنن الدارمي الصوم (1776).

(2)

نيل الأوطار حديث 1باب التراويح 57/ 3

(3)

نفس المصدر.

(4)

صحيح البخاري كتاب التهجد ومختصر المنذري 108/ 1.

ص: 190

شأنكم الليلة ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها (1)». وفي رواية «وذلك في رمضان (2)» ووجه الدلالة من هذا أنه صلى الله عليه وسلم أدى صلاة الليل في رمضان إماما بجماعة مدة ثلاث ليال حتى بلغوا من الكثرة ما جعل المسجد يكتظ بالمأمومين. وما منعه صلى الله عليه وسلم من ترك مواصلة هذه السنة إلا الرأفة بالأمة وخوف المشقة عليها حيث صرح صلى الله عليه وسلم بهذا بقوله: «لكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها (3)» قال ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث ندب قيام الليل ولا سيما في رمضان جماعة لأن الخشية المذكورة أمنت بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك جمعهم عمر بن الخطاب على أبي بن كعب كما يتضح من الحديث الآتي، الذي رواه البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون: يعني آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله. ولمالك في الموطأ عن يزيد بن رومان قال: كان الناس في زمن عمر يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة (4). وجه الدلالة من جمع عمر الناس مع إمام واحد على سنية التراويح: إقرار الصحابة رضي الله عنهم لهذا العمل، بل وامتثالهم له دون معارض فدل على استحبابه. يوضح هذا ما نقله ابن حجر عن ابن

(1) صحيح البخاري صلاة التراويح (2012)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (761)، سنن أبو داود الصلاة (1373)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 268)، موطأ مالك النداء للصلاة (250).

(2)

صحيح البخاري الجمعة (1129)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (761)، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1604)، سنن أبو داود الصلاة (1373)، موطأ مالك النداء للصلاة (250).

(3)

صحيح البخاري صلاة التراويح (2012)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (761)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 169).

(4)

نيل الأوطار 60/ 3.

ص: 191

التين وغيره حيث قال: استنبط عمر ذلك من تقرير النبي صلى الله عليه وسلم من صلى معه في تلك الليالي وإن كان كره ذلك لهم، فإنما كرهه خشية أن يفرض عليهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم حصل الأمن من ذلك. ورجح عند عمر ذلك؛ لما في الاختلاف من افتراق الكلمة، ولأن الاجتماع على واحد أنشط لكثير من المصلين. وإلى قول عمر جنح الجمهور. وقال الطحاوي: إن صلاة التراويح جماعة واجبة على الكفاية (كما سبق) وقال ابن بطال: قيام رمضان سنة؛ لأن عمر إنما أخذه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم خشية الافتراض (1) أهـ فمن أقوال هؤلاء العلماء يتضح أن صلاة التراويح سنة بدأها الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم توقف عنها لمصلحة رآها أو خوف مفسدة تراءت وهي الخوف من فرضها على المسلمين؛ مما يسبب الضيق والحرج عليهم وهكذا استمر توقف هذه السنة زمن أبي بكر وجزءا من خلافة عمر. ثم أعادها عمر رضي الله عنه إلى ما كانت عليه أول الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أخذا من فعله صلى الله عليه وسلم، كما نقل ابن بطال رحمه الله. وأخذا من تقريره صلى الله عليه وسلم من صلى معه في الثلاث الليالي الأولى كما قال ابن التين وغيره.

(1) فتح الباري 252/ 4.

ص: 192