الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث:
درجات البدع من حيث هي كفر أو معصية
.
من سار من العلماء على أن البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة، فلا يحتاج إلى بيان الدرجات باعتبار أن الأمر واضح لا إشكال فيه من حيث تنوع رتبها. أما على تعريف الفريق الثاني من العلماء الذي يخص البدعة بما يذم شرعا فالبدعة عند هؤلاء على درجات: وذلك أن البدع إذا تم التأمل في معقولها وجدت رتبها متفاوتة فمنها:
1 -
ما هو كفر صراح كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن كقوله تعالى {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} (1)، الآية وقوله سبحانه {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} (2) فهؤلاء بتحريمهم ما أحل الله في كتابه قد جاؤا من البدع ما هو كفر صراح.
2 -
ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر عند بعض العلماء، كبدعة الخوارج حين قال بعض طوائفهم: من حكم مخلوقا فهو كافر.
وقول بعضهم (3): نحن نتبرأ من علي ومعاوية لأن أمرهما قد اشتبه علينا.
(1) سورة الأنعام الآية 136
(2)
سورة الأنعام الآية 139
(3)
تلبيس إبليس 20.
3 -
ومنها ما هو معصية كبدعة التبتل، والصيام قائما في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع.
4 -
ومنها ما هو مكروه، مثل ذكر السلاطين بأسمائهم في خطب الجمعة، والاجتماع للدعاء عشية عرفة. وهذا النوع لم يسلم به الإمام الشاطبي بل نفاه، وقال: ليس من البدع ما هو مكروه بمعنى أن من تركه يثاب ومن اقترفه لا إثم عليه حيث قال: وأما تعيين الكراهة التي معناها نفي الإثم عن فاعلها وارتفاع الحرج ألبتة، فهذا مما لا يكاد يوجد عليه دليل من الشرع ولا من كلام الأئمة على الخصوص، أما الشرع ففيه ما يدل على خلاف ذلك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد على من قال:«أما أنا فأقوم الليل ولا أنام. وقال الآخر: أما أنا فلا أنكح النساء إلى آخر ما قالوا. فرد عليهم صلى الله عليه وسلم وقال: من رغب عن سنتي فليس مني (1)» . وهذه العبارة أشد شيء في الإنكار، ولم يكن ما التزموا إلا فعل مندوب أو ترك مندوب إلى فعل مندوب آخر.
وقال رحمه الله: إن كلام العلماء في إطلاق الكراهية في الأمور المنهي عنها كالبدع لا يعنون به كراهية التنزيه فقط؛ لأن هذا اصطلاح المتأخرين، أرادوا به التفرقة بين ما هو مكروه كراهة تنزيه، وبين ما هو مكروه كراهية تحريم. وقال: إذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها [أكره كذا ولا أحب كذا وهذا مكروه وما أشبه ذلك]، فلا تقطعن على أنهم يريدون التنزيه، فقط فإنه إذا دل الدليل في جميع البدع على أنها ضلالة، فمن أين يعد فيها ما هو مكروه كراهية تنزيه (2)؟
وبعد هذا ننتقل إلى موضوع ذي صلة وثيقة بهذا المبحث وهو:
(1) صحيح البخاري النكاح (5063)، صحيح مسلم النكاح (1401)، سنن النسائي النكاح (3217)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 285).
(2)
انظر الاعتصام 36/ 2 بتصرف.