الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 -
وقال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب كان يقول: سنت لكم السنن وفرضت عليكم الفرائض وتركتم على الواضحة إلا أن تميلوا بالناس يمينا وشمالا (1).
من هذه الأدلة وغيرها مما لا يحصى كثرة يظهر أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم كانوا يحثون على التمسك بالسنن التي جاءت عن الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما كانوا يشددون في النهي عن البدع وينفرون منها؛ لأنها كما هو واقعها زيف في الدين وخبث إذا داخله عكر صفوه وشوه جماله. ولولا خوف الإطالة لاستقصيت كافة الأدلة من الكتاب والسنة والمأثور عن السلف الصالح، ولكني أكتفي بما أوردت وأحيل من أراد التوسع والاستقصاء على بعض أمهات المراجع التي أفاضت في سرد الأدلة في هذا الصدد، مثل: كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي، وإغاثة اللهفان للإمام ابن القيم، وتلبيس إبليس لابن الجوزي. ففيها ما يشفي الغليل، جزى الله مؤلفيهما خير ما يجزي به العلماء العاملين.
(1) نفس المصدر.
ب: و
من الأدلة العقلية على ذم البدع وسوء منقلب أصحابها
ما يلي:
1 -
أنه ثبت بالاستقراء والتتبع أن العقول لا تستقل بمصالحها: استجلابا لها. أو مفاسدها: استدفاعا لها. لأنها إما دنيوية أو أخروية:
أما الدنيوية فلا يستقل العقل بإدراكها على التفصيل لا في ابتداء وضعها ولا في استدراك ما عسى أن يعرض في طريقها إما في السوابق وإما في اللواحق؛ لأن وضعها أولا لم يكن إلا بتعليم الله تعالى كما قال
سبحانه: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (1). وهكذا فلولا أن من الله على الخلق ببعثه الأنبياء لم تستقم لهم حياة ولا جرت أحوالهم على كمال مصالحهم.
وأما المصالح الأخروية فالعقل أبعد ما يكون عن إدراكها والعلم بها كالعبادات وأمور الآخرة؛ لأنها لا تعلم إلا من طريق الوحي.
إذا علم هذا فإن المبتدع يعتبر قائلا على الله بغير علم لأنه بابتداعه في الدين ادعى علم ما لم يعلم.
2 -
ومنها أن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان لأن الله أخبر عنها بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2) وأخبر عنها رسوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها (3)» الحديث قال المنذري (4) إسناده حسن.
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، ولم يمت حتى بين جميع ما تحتاج إليه في أمر دينها ودنياها، سواء كان هذا البيان بالتفصيل أو بالقواعد الكلية، وهذا أمر متفق عليه عند من يعتد بهم من العلماء.
والمبتدع بلسان حاله أو فعاله يقول: إن الشريعة لم تتم وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها. لأنه لو اعتقد كمالها وتمامها من
(1) سورة البقرة الآية 31
(2)
سورة المائدة الآية 3
(3)
سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126).
(4)
الترغيب 66.
كل وجه لم يبتدع، ورحم الله الإمام مالكا حيث قال: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (1) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا.
3 -
أن المبتدع معاند للشارع محاد له لأن الشارع حدد للعباد طرقا خاصة وقصر الخلق عليها بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وأخبر أن الخير فيها وأن الشر في تعديها؛ لأن الله سبحانه يعلم ونحن لا نعلم وأنه إنما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين والمبتدع راد لهذا كله فهو يزعم أن ثم طرقا أخر وليس ما حصره الشارع بمحصور، ولا ما عينه بمتعين فكأن الشارع يعلم والمبتدع يعلم بل ربما يفهم من هذا الابتداع أن المبتدع يعلم ما لم يعلم الشارع.
وهذا إن كان مقصودا للمبتدع فهو كفر في الشريعة والشارع وإن كان غير مقصود فهو ضلال مبين.
4 -
أن المبتدع من حيث يدري أو لا يدري قد جعل نفسه مضاهيا للشارع؛ لأن الشارع وضع الشرائع وألزم الخلق الجري على سننها وصار هو المنفرد بذلك؛ لأنه حكم بين الخلق فيما كانوا فيه يختلفون وإلا فلو كان التشريع من مدركات الخلق لم تنزل الشرائع ولم يبق الخلاف بين الناس ولا احتيج إلى بعث الرسل عليهم السلام. والمبتدع قد صير نفسه للشارع نظيرا ومضاهيا حيث شرع مع الشارع، وفتح للاختلاف بابا ورد قصد الشارع بالانفراد بالتشريع وكفى بهذا مخالفة للدين (2).
(1) سورة المائدة الآية 3
(2)
انظر الاعتصام 46/ 1 وما بعدها.