المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المحتويات الافتتاحية: نصيحة مهمة عامة حول بعض الأمور المنكرة سماحة الشيخ عبد - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ مصادر البحث

- ‌وجهة نظر

- ‌خلاصة رأيي

- ‌ وجهة نظر

- ‌المذهب الحنفي:

- ‌المذهب المالكي:

- ‌المذهب الشافعي:

- ‌المذهب الحنبلي:

- ‌الفتاوى

- ‌ حكم نفي الإيمان عن المسلم

- ‌ يقول لصاحبه أنت كافر قبل أن يعلمه بعمله

- ‌ حكم من لم يكفر الكافر

- ‌ هل يجوز أن تدعو النصراني كافرا

- ‌ حكم تذنيب الخطابات والعرائض بكلمة: ودمتم

- ‌ العين والفم أيهما أشد ذنبا من الآخر

- ‌ أسباب اختلاف العلماء

- ‌ حكم زيارة المرابطين الذين يزعمون علم الغيب

- ‌ حكم الإسلام في الأحزاب

- ‌ من هو الموفق أمام الله

- ‌ موقف الشباب من الإسلام

- ‌ الفرق بين الشريعة والطريقة

- ‌ فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌التساهل في الحكم بغير شريعة الله

- ‌حكم بيع واقتناء الحيوانات المحنطة

- ‌هل الوصية واجبة وما نصها الشرعي

- ‌حكم الإسبال إذا كان عادة وليس خيلاء

- ‌ترجمة موجزة للمؤلف

- ‌وصف المخطوط:

- ‌مراجع التحقيق

- ‌مقدمة:

- ‌التعريف بالتفسير:

- ‌أصول الكتاب

- ‌المراجع:

- ‌فضل العمل والحث عليه:

- ‌امتنان الله تعالى على عبادة بتهيئتهم للعمل:

- ‌احترام الإسلام للعمل:

- ‌الإسلام والفراغ:

- ‌من تعلم مهنة فلا يتركها:

- ‌رعاية شئون الأسرة:

- ‌أي المكاسب أفضل:

- ‌فضل الشجرة والزراعة:

- ‌حكم الزراعة:

- ‌التشجيع على الزراعة لا يعني إهمال الواجبات:

- ‌عناية المسلمين بالزراعة:

- ‌متى يتحقق الأجر في الزراعة:

- ‌الزراعة وعدد السكان:

- ‌المراجع:

- ‌جرير بن عبد الله البجليالسفير القائد

- ‌هدم ذي الخلصة

- ‌ في ردة اليمن:

- ‌ في العراق:

- ‌ في أرض الشام:

- ‌ في العراق ثانية:

- ‌ في القادسية:

- ‌ فتح (المدائن)

- ‌ في بلاد فارس:

- ‌ولاية تزويج الصغيرة

- ‌مقدمة:

- ‌تزويج الأب البكر الصغيرة

- ‌تزويج غير الأب من الأولياء للبكر الصغيرة

- ‌ تزويج الوصي للبكر الصغيرة

- ‌تزويج الثيب الصغيرة

- ‌الخاتمة:

- ‌حكمة الزواج ومنافعه

- ‌ المحافظة على النسل واستمراره:

- ‌ تلبية الغريزة الجنسية واعتدالها:

- ‌ تحقيق السكن النفسي:

- ‌ العناية بتربية النشء:

- ‌ صيانة المجتمع من الانحلال الخلقي:

- ‌ الحفاظ على الأنساب:

- ‌ إشباع غريزتي الأبوة والأمومة:

- ‌ تنمية الروابط الأسرية والاجتماعية:

- ‌ التدرب على تحمل المسئوليات:

- ‌ تحقيق العبودية والثواب والغنى:

- ‌ حفظ الصحة وبركة العمر:

- ‌من قرارات هيئة كبار العلماء

- ‌ أجهزة الإنعاش

- ‌ كتابة المصحف بطريقة الإملاء

- ‌حكم تغيير رسم المصحف العثماني

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌المحتويات الافتتاحية: نصيحة مهمة عامة حول بعض الأمور المنكرة سماحة الشيخ عبد

‌المحتويات

الافتتاحية:

نصيحة مهمة عامة حول بعض الأمور المنكرة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 7

بحث اللجنة:

تدوين الراجح من أقوال الفقهاء لإلزام القضاة العمل به (القسم الثالث) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 19

الفتاوى:

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 53

فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 105

البحوث:

تحقيق كتاب وجوب إخراج الزكاة على الفور د. عبد الله بن محمد الطريقي 119

تفسير سورة الناس: د. فهد بن عبد الرحمن الرومي 143

فضل الزراعة في الإسلام د. أحمد عبد الغني مزهر 181

ص: 4

جرير بن عبد الله البجلي اللواء محمود شيت خطاب 215

ولاية تزويج الصغيرة د. عبد الله بن عبد العزيز الجبرين 249

حكمة الزواج ومنافعه د. رجب سعيد شهوان 285

من قرارات المجامع الفقهية 321

نصح وتذكير بفريضة الزكاة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 333

وجوب التعاون على البر والتقوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 339

ص: 5

صفحة فارغة

ص: 6

الافتتاحية

نصيحة مهمة عامة

" حول بعض الأمور المنكرة التي وقع فيها كثير من الناس "

سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه:

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين، وفقني الله وإياهم للفقه في الدين وسلك بي وبهم صراطه المستقيم.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:

فهذه نصيحة أردت منها التنبيه على بعض الأمور المنكرة التي وقع فيها كثير من الناس جهلا منهم، وتلاعبا من الشيطان بأفكارهم وعقولهم، واتباعا للهوى من بعض من فعلها.

ومن تلك الأمور ما بلغني أن بعض الناس يدعو إلى عبادة نفسه، ويدعي أمورا توهم العامة أن له تصرفا في الكون وأنه يصلح أن يدعى للنفع والضر، وهذا من هؤلاء الضالين تشبه بفرعون وأشباهه من المجرمين الكافرين، والله سبحانه هو المستحق للعبادة ولا يستحقها سواه لكمال قدرته وعلمه وغناه عن خلقه. والعبادة لله وحده هي الغاية التي من أجلها أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب وخلق من أجلها الثقلان، وقام سوق الجهاد قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) وقال عز وجل:

(1) سورة الذاريات الآية 56

ص: 7

{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (1){وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (2)، وقال سبحانه:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3)، وقال عز وجل:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (4)، وقال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (5)، وقال عز وجل:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (6)، وقال سبحانه:{وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (7)، وقال سبحانه:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (8)، وقال عز وجل:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (9) فعلم من هذه الآيات وغيرها أن عبادة غير الله أو عبادة غيره معه من الأنبياء والأولياء والأصنام والأشجار والأحجار شرك بالله عز وجل ينافي توحيده الذي من أجله خلق الله الثقلين، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها، وهذا هو معنى لا إله إلا الله.

فإن معناها لا معبود حق إلا الله. فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبتها له وحده كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (10)

(1) سورة الأحقاف الآية 5

(2)

سورة الأحقاف الآية 6

(3)

سورة المؤمنون الآية 117

(4)

سورة يونس الآية 106

(5)

سورة النساء الآية 48

(6)

سورة لقمان الآية 13

(7)

سورة المائدة الآية 72

(8)

سورة التوبة الآية 31

(9)

سورة الإسراء الآية 23

(10)

سورة الحج الآية 62

ص: 8

وهذا هو أصل الدين وأساس الملة، ولا تصح العبادات إلا بعد صحة هذا الأصل كما قال تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1)، وقال:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2)، ومن أجل هذا الأمر العظيم أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب لبيان التوحيد والدعوة إليه والتحذير من صرف العبادة لغير الله سبحانه، كما قال عز وجل:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) الآية، وقال سبحانه:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (4)، وقال عز وجل:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (5)، وقال سبحانه:{هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (6)، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه سئل أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك (7)» والند هو النظير والمثيل، فكل من دعا غير الله أو عبد غير الله أو استغاث به أو نذر له أو ذبح أو صرف له شيئا من العبادة فقد اتخذه ندا لله، سواء كان نبيا أو وليا أو ملكا أو جنيا أو صنما أو غير ذلك؛ لأن العبادة لله وحده لا يستحقها سواه. وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟

(1) سورة الزمر الآية 65

(2)

سورة الأنعام الآية 88

(3)

سورة النحل الآية 36

(4)

سورة الأنبياء الآية 25

(5)

سورة هود الآية 1

(6)

سورة إبراهيم الآية 52

(7)

صحيح البخاري تفسير القرآن (4477)، صحيح مسلم الإيمان (86)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3183)، سنن النسائي تحريم الدم (4014)، سنن أبو داود الطلاق (2310)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 434).

ص: 9

قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا (1)» فالله خلق الثقلين لهذا الأمر العظيم وهو توحيده وإفراده بالعبادة ونبذ الشركاء والنظراء والأنداد، سبحانه لا إله غيره ولا رب سواه، ومن دعا إلى عبادة نفسه أو زعم أنه يستحق العبادة فإنه كافر يجب أن يدعى إلى التوبة، فإن تاب وإلا وجب على ولي الأمر قتله لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من بدل دينه فاقتلوه (2)» رواه البخاري. ومن الضلال المبين والجهل العظيم تصديق الكهان والعرافين والرمالين والمنجمين والمشعوذين والدجالين بالإخبار عن المغيبات فإن هذا منكر وشعبة من شعب الكفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة (3)» رواه مسلم في صحيحه، وثبت عنه أنه «نهى عن إتيان الكهان وسؤالهم». وخرج أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (4)» والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالواجب على المسلمين الحذر من سؤال الكهنة والعرافين وسائر المشعوذين والمشتغلين بالأخبار عن المغيبات والمتلاعبين بعقول الجهلة والتلبيس على المسلمين. فالأمور الغيبية لا يعلمها إلا الذي يعلم ما تكن الصدور ويعلم الخفايا حتى أنبياؤه ورسله وملائكته لا يعلمون شيئا من المغيبات إلا ما أخبرهم به سبحانه قال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (5)، وقال عز وجل آمرا لنبيه أن يبلغ الناس:{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (6)، وقال تعالى:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (7)،

(1) صحيح البخاري التوحيد (7373)، صحيح مسلم الإيمان (30)، سنن الترمذي الإيمان (2643)، سنن ابن ماجه الزهد (4296)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 234).

(2)

صحيح البخاري الجهاد والسير (3017)، سنن الترمذي الحدود (1458)، سنن النسائي تحريم الدم (4060)، سنن أبو داود الحدود (4351)، سنن ابن ماجه الحدود (2535)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 282).

(3)

صحيح مسلم السلام (2230)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 380).

(4)

سنن الترمذي الطهارة (135)، سنن أبو داود الطب (3904)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (639)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 429)، سنن الدارمي الطهارة (1136).

(5)

سورة النمل الآية 65

(6)

سورة الأنعام الآية 50

(7)

سورة الأعراف الآية 188

ص: 10

وهذه الآيات وغيرها تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب وهو خير الأنبياء وأفضلهم فكيف بغيره من المخلوقين. فمن اعتقد أنه يعلم الغيب أو أحدا من المخلوقين فقد أعظم على الله الفرية، وأبعد النجعة وضل ضلالا بعيدا، وكفر بالله سبحانه فالأمور المغيبة مما استأثر الله بعلمه قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (1) قال ابن مسعود كل شيء أوتي نبيكم غير خمس: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} (2) الآية، وقال ابن عباس: هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى. ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل. فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه. ثم إن الأنبياء يعلمون كثيرا من الغيب بتعريف الله تعالى إياهم.

فالإيمان بالغيب من أركان الإيمان ومن صفات المؤمنين الصادقين، وادعاء علم الغيب والإخبار بالمغيبات من صفات الكهنة الزائغين عن الهدى ومن صفات الدجالين والمشعوذين والعرافين الذين ضلوا عن الصراط المستقيم وأضلوا غيرهم من جهال المسلمين، وقد قال الله سبحانه:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} (3) الآية. وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مفاتيح الغيب خمس، ثم قرأ قوله تعالى: (5)» الآية. فالواجب على أهل العلم أن ينبهوا على ما يقع

(1) سورة لقمان الآية 34

(2)

سورة لقمان الآية 34

(3)

سورة الأنعام الآية 59

(4)

صحيح البخاري تفسير القرآن (4778)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 52).

(5)

سورة لقمان الآية 34 (4){إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}

ص: 11

فيه الناس من الخطأ العظيم في هذا الباب وغيره، لأنهم مسئولون عنهم أمام الله يوم القيامة قال تعالى:{لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (1)، وكذا الاعتقاد أن بني هاشم ذنبهم مغفور ولو فعلوا ما فعلوا وهذا غاية الجهل والضلال. فإن الله لا ينظر إلى الأحساب والأنساب والأموال وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال فمن امتثل أوامره واجتنب نواهيه ولازم التقوى وابتعد عن المعاصي والمخالفات فهو الكريم عند الله سواء كان عربيا أو عجميا، وسواء كان من بني هاشم أو من غيرهم فالأحساب والأنساب لا تنفع أحدا كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (2)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم (3)» ، وقال:«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب (4)» وهذا أبو طالب. وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينفعه قربه من رسول الله ونسبه العريق، وقد حرص رسول الله على أن يشهد أن لا إله إلا الله حتى يحاج له بها عند الله فلم يفعل؛ لأن الله سبحانه كتب في الأزل أنه يموت على دين الآباء والأجداد وهو الشرك وعبادة الأصنام، ونهى الله نبيه عن الاستغفار له فقال:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} (5)، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك هداية أحد إذا لم يهده الله فقال:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (6)

(1) سورة المائدة الآية 63

(2)

سورة الحجرات الآية 13

(3)

صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2564)، سنن أبو داود البيوع (3443).

(4)

صحيح البخاري الإيمان (52)، صحيح مسلم المساقاة (1599)، سنن الترمذي البيوع (1205)، سنن النسائي البيوع (4453)، سنن أبو داود البيوع (3329)، سنن ابن ماجه الفتن (3984)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270)، سنن الدارمي البيوع (2531).

(5)

سورة التوبة الآية 113

(6)

سورة القصص الآية 56

ص: 12

وهكذا أبو لهب وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم مات على الكفر وأنزل الله في ذمه سورة تتلى إلى يوم القيامة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (1) فالمعيار الحقيقي هو اتباع ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة قولا وعملا واعتقادا، أما الأنساب فإنها لا تنفع ولا تجدي كما قال صلى الله عليه وسلم:«من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه (2)» وقال: «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا (3)» ، وهكذا قال لعمه العباس وعمته صفية وابنته فاطمة. ولو كان النسب ينفع أحدا لنفع هؤلاء.

ومن الأمور المنكرة والاعتقاد الفاسد والضلال المبين ما يعتقده بعض المغفلين والجهال في بعض المخرفين والمشركين الضالين المضلين أنهم يشفون المرضى ويدفعون عنهم الضر ويجلبون النفع، نعوذ بالله من العمى والضلال.

وهذا ينافي الإيمان بالله وأنه النافع الضار الرازق المحيي المميت المدبر القادر، تعالى الله وتقدس عما يقوله الضالون المفترون قال تعالى:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} (4).

فمن اعتقد أن أحدا ينفعه أو يضره أو يشفيه من دون الله، فقد كفر بالله وبكتابه وبملائكته ورسله، قال تعالى لأكرم خلقه:{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (5){قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} (6){إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} (7)، وقال:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (8)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله (9)»

(1) سورة المسد الآية 1

(2)

صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699)، سنن الترمذي القراءات (2945)، سنن ابن ماجه المقدمة (225)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 252)، سنن الدارمي المقدمة (344).

(3)

صحيح البخاري الوصايا (2753)، صحيح مسلم الإيمان (206)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3185)، سنن النسائي الوصايا (3646)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 361)، سنن الدارمي الرقاق (2732).

(4)

سورة يونس الآية 107

(5)

سورة الجن الآية 21

(6)

سورة الجن الآية 22

(7)

سورة الجن الآية 23

(8)

سورة الأعراف الآية 188

(9)

سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2516)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 308).

ص: 13

فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا لغيره فغيره من باب أولى. فكل من غلا في نبي أو رجل صالح أو ولي من الأولياء وظن فيه نوعا من الإلهية، مثل أن يقول: يا فلان اشفني أو انصرني أو ارزقني أو أغنني ونحو ذلك فإن هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل. وكذا من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم فإنه يكفر إجماعا، فمن اعتقد أن لغير الله من نبي أو ولي أو جني أو روح أو غير ذلك تأثيرا في كشف كربة أو قضاء حاجة أو رفع مرض أو دفع بلاء دون الله سبحانه، فقد وقع في ضلال كبير وفي واد من الجهل خطير، فهو على شفا حفرة من السعير لكونه قد أشرك بالله العظيم، وهكذا من ذكر أحدا من الصالحين والأولياء وغيرهم على وجه طلب الإمداد منه، فقد أشركه مع الله إذ لا قادر على الدفع والنفع غيره سبحانه وتعالى. أما دعاء الحي الحاضر القادر والاستعانة فيما يقدر عليه مما يجوز شرعا فلا حرج في ذلك وليس داخلا في أنواع الشرك بإجماع المسلمين؛ لقول الله عز وجل في قصة موسى:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1)، ولأدلة أخرى من الكتاب والسنة في هذا المعنى، والله ولي التوفيق.

ومن الأمور المنكرة أن بعض من يدعي أنه من بني هاشم يقولون: إنه لا يكافئهم أحد، فهم لا يزوجون غيرهم، ولا يتزوجون من غيرهم، وهذا خطأ عظيم وجهل كبير وظلم للمرأة وتشريع لم يشرعه الله ورسوله، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (2)، وقال سبحانه:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (3)، وقال:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (4)، وقال:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} (5)،

(1) سورة القصص الآية 15

(2)

سورة الحجرات الآية 13

(3)

سورة الحجرات الآية 10

(4)

سورة التوبة الآية 71

(5)

سورة آل عمران الآية 195

ص: 14

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب (1)» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين (2)» متفق عليه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذ خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض (3)» خرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية من زيد بن حارثة مولاه، وزوج فاطمة بنت قيس القرشية من أسامة بن زيد وهو وأبوه عتيقان. وتزوج بلال بن رباح الحبشي بأخت عبد الرحمن بن عوف الزهرية القرشية. وزوج أبو حذيفة ابن عتبة بن ربيعة القرشي ابنة أخيه الوليد سالما مولاه وهو عتيق لامرأة من الأنصار. وقد قال الله تعالى:{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (4) وكذا زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه رقية وأم كلثوم عثمان، وزوج أبا العاص بن الربيع ابنته زينب وهما من بني عبد شمس وليسا من بني هاشم، وزوج علي عمر بن الخطاب ابنته أم كلثوم وهو عدوي لا هاشمي، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين بن علي وهو أموي لا هاشمي، وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة وليس هاشميا بل أسدي من أسد قريش، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب الهاشمية ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو كندي لا هاشمي، وهذا شيء كثير. والمقصود بيان بطلان ما يدعيه بعض الهاشميين من تحريم تزويج الهاشمية بغير الهاشمي أو كراهة ذلك، وإنما الواجب في ذلك اعتبار كفاءته في الدين فالذي أبعد أبا طالب وأبا لهب عدم الإسلام، والذي قرب سلمان الفارسي وصهيبا الرومي وبلالا الحبشي إنما هو الإيمان والصلاح والتقوى

(1) مسند أحمد بن حنبل (5/ 411).

(2)

صحيح البخاري الأدب (5990)، صحيح مسلم الإيمان (215)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 203).

(3)

سنن الترمذي النكاح (1084)، سنن ابن ماجه النكاح (1967).

(4)

سورة النور الآية 26

ص: 15

واتباع الشرع والسير على النهج المستقيم، ومما ينجم عن هذا الجهل والتصرف الباطل حبس النساء الهاشميات وتعطيلهن من الزواج أو تأخيره فيحصل ما لا تحمد عقباه من الفساد وتعطيل النسل أو تقليله، وقد قال تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (1) فأمر بإنكاح الأيامى أمرا مطلقا ليعم الغني والفقير وسائر أصناف المسلمين. وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد رغبت في الزواج وحثت عليه فإن على المسلمين أن يبادروا إلى امتثال أمر الله وأمر رسوله حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (2)» متفق على صحته، فعلى الأولياء أن يتقوا الله في مولياتهم؛ فإنهن أمانة في أعناقهم وإن الله سائلهم عن هذه الأمانة، فعليهم أن يبادروا إلى تزويج بناتهم وأخواتهم وأبنائهم حتى يؤدي كل دوره في هذه الحياة ويقل الفساد والجرائم. ومن المعلوم أن حبس النساء عن الزواج أو تأخيره سبب في فشو الجرائم الأخلاقية وانتشارها التي هي من معاول الهدم والدمار، فيا عباد الله اتقوا الله في أنفسكم وفيمن ولاكم الله عليهن من البنات والأخوات وغيرهن وفي إخوانكم المسلمين، واسعوا جميعا إلى تحقيق الخير والسعادة في المجتمع وتيسير سبل نموه وتكاثره وإزالة أسباب انتشار الجرائم. واعلموا أنكم مسئولون ومحاسبون ومجزيون على أعمالكم قال الله تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (3){عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4)، وقال عز وجل:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (5) وبادروا إلى تزويج بناتكم وأبنائكم مقتدين بنبيكم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم والسائرين على هديهم وطريقتهم وأوصيكم بتقليل مؤن الزواج

(1) سورة النور الآية 32

(2)

صحيح البخاري النكاح (5065)، صحيح مسلم النكاح (1400)، سنن الترمذي النكاح (1081)، سنن النسائي النكاح (3211)، سنن أبو داود النكاح (2046)، سنن ابن ماجه النكاح (1845)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 378)، سنن الدارمي النكاح (2165).

(3)

سورة الحجر الآية 92

(4)

سورة الحجر الآية 93

(5)

سورة النجم الآية 31

ص: 16

وعدم المغالاة في المهور، واقتصدوا في تكاليف الزواج واجهدوا في اختيار الأزواج الصالحين الأتقياء ذوي الأمانة والعفة. رزق الله الجميع الفقه في الدين والثبات عليه وأعاذنا وإياكم وسائر المسلمين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. وجنبنا وإياكم مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، كما نسأله أن يصلح ولاة أمور المسلمين ويصلح بهم إنه على ذلك قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والله وصحبه.

ص: 17

صفحة فارغة

ص: 18

تدوين الراجح من أقوال الفقهاء

القسم الثالث

إعداد: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

12 -

قال (1). ابن القيم في مبحث غزوة حنين بعد كلام في حديث من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه، قال: ومأخذ النزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام والحاكم والمفتي وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فقد يقول الحكم بمنصب الرسالة فيكون شرعا عاما إلى يوم القيامة كقوله: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2)» ، وقوله:«من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته (3)» ، وكحكمه بالشاهد واليمين وبالشفعة فيما لم يقسم. وقد يقوله بمنصب الفتوى كقوله لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان، وقد شكت إليه شح زوجها وأنه لا يعطيها ما يكفيها:«خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف (4)» ، فهذه فتيا لا حكم إذ لم يدع بأبي سفيان، ولم يسأله عن جواب الدعوى، ولا سألها البينة.

وقد يقوله بمنصب الإمامة فتكون مصلحة الأمة في ذلك الوقت وذلك المكان وعلى تلك الحال فيلزم من بعده من الأئمة مراعاة ذلك على حسب المصلحة التي راعاها النبي صلى الله عليه وسلم زمانا ومكانا وحالا.

ومن ههنا تختلف الأئمة في كثير من المواضع التي فيها أثر عنه صلى الله عليه وسلم، كقوله صلى الله عليه وسلم:«من قتل قتيلا فله سلبه (5)» ، هل قاله بمنصب الإمامة فيكون حكمه متعلقا بالأئمة، أو بمنصب الرسالة والنبوة فيكون شرعا عاما، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«من أحيا أرضا ميتة فهي له (6)» ، هل هو شرع عام لكل أحد أذن فيه الإمام أو لم يأذن، أو هو راجع إلى الأئمة فلا يملك بالأحياء إلا بإذن الإمام على

(1) زاد المعاد جـ 2/ 457

(2)

صحيح البخاري الصلح (2697)، صحيح مسلم الأقضية (1718)، سنن أبو داود السنة (4606)، سنن ابن ماجه المقدمة (14)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 256).

(3)

سنن الترمذي الأحكام (1366)، سنن أبو داود البيوع (3403)، سنن ابن ماجه الأحكام (2466)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 141).

(4)

صحيح البخاري النفقات (5364)، صحيح مسلم الأقضية (1714)، سنن النسائي آداب القضاة (5420)، سنن أبو داود البيوع (3533)، سنن ابن ماجه التجارات (2293)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 206)، سنن الدارمي النكاح (2259).

(5)

صحيح البخاري فرض الخمس (3142)، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير (1751)، سنن الترمذي السير (1562)، سنن أبو داود الجهاد (2717)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 295)، موطأ مالك كتاب الجهاد (990).

(6)

سنن الترمذي الأحكام (1378)، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (3073).

ص: 19

القولين، فالأول للشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهما، والثاني لأبي حنيفة، وفرق مالك بين الفلوات الواسعة وما لا يتشاح فيه الناس، وبين ما يقع فيه التشاح فاعتبر إذن الإمام في الثاني دون الأول. انتهى.

مما تقدم يتبين ما يأتي: -

ص: 20

1 -

تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم أنواع:

(1)

تصرفه باعتباره رسولا، وهو قسمان:

القسم الأول: أن يحكم حكما شرعيا بوحي من الله تعالى، والأصل في هذا أن يكون حكما كليا وتشريعا عاما في الأعيان والأزمان إلا ما خصه الدليل، وهذا القسم خاص به فلا يشاركه في التشريع أحد من الأمة لا الراعي ولا الرعية، وهو فيه معصوم.

القسم الثاني: إبلاغ هذا التشريع وإرشاد الناس به وحثهم عليه، وهذا واجب عليه هو معصوم فيه، وليس مختصا به بل يرثه عنه العلماء فيجب عليهم البلاغ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إلا أنهم غير معصومين في بلاغهم وفهمهم له.

(ب) تصرفه صلى الله عليه وسلم باعتباره قاضيا، فبهذا الاعتبار يفصل في الخصومات ويحكم فيها بمقتضى طرق الإثبات من البينات ودلائل الأحوال والأمارات. . إلخ. وهذا المنصب ورثه عنه ولي الأمر العام، ويكون لغيره بإذنه وتنصيبه إياه فيحكمون بين الناس على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بالهوى ومحض الرأي.

(ب) تصرفه صلى الله عليه وسلم باعتباره إماما أعظم للمسلمين، فإليه بهذا الاعتبار إبرام العهود الدولية وقسمة الغنائم وإقامة الحدود. إلى آخر ما ذكر في النقول من هذا الجنس، وهذا المنصب يرثه عنه ولي أمر المسلمين العام، فله ما للرسول صلى الله عليه وسلم من التصرف بحكم الإمامة.

2 -

معنى كون هذه التصرفات للإمام بحكم الإمامة الكبرى أنها مختصة به لا يقوم بها غيره إلا بإذنه ممن يرى فيه الأهلية لها، وليس معنى كونها له

ص: 20

أنه يشرع فيها شرعا جديدا بل يجب عليه أن يقوم بها باعتباره مسئولا عن الأمة، وعليه أن يتبع فيها حكم الشرع ويطبقه فيها تطبيقا يكفل لهم المصلحة الخالصة أو الراجحة، ويدفع المضرة أو يخففها عنهم. فإنه صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله كان يقوم بها على مقتضى ما أمره الله وفق المقاصد الشرعية، وقد قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) الآية، وقال:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (2).

3 -

للإمام العام سلطة البلاغ والإرشاد، وسلطة الحكم والقضاء، وسلطة التنفيذ بخلاف غيره فإنه لا يملك سلطة القضاء أو التنفيذ إلا بإذنه وتنصيبه في ذلك، ومن ذلك يعرف أن من تصرفات الإمام ما يكون بطريق القضاء، وقد ذكر القرافي ثلاثة ضوابط لما يكون فيه ذلك وأوضحها بالأمثلة، ومنها ما يكون بغير طريق الحكم والقضاء، وقد ذكر القرافي منها عشرين نوعا مع الإيضاح بالأمثلة.

4 -

قد يكون للناس الخيار بين أمرين أو أمور فيما يأتون وما يذرون من شئون معاشهم ونظام حياتهم، وقد تنشأ مضرة عن تخلية سبيلهم ليختار كل لنفسه ما شاء مما هو مباح له، أو فوضى عامة شاملة، فيجب على ولي الأمر العام ومن أنابه عنه أن يحملهم على أحد الأمرين أو الأمور، ويلزمهم بالوقوف عنده رعاية للمصلحة، ودفعا للمضرة، ومن خالف ذلك فله تعزيره بما يتناسب مع خطر اعتدائه، ويراه كافيا في تأديبه وردع أمثاله، مثال ذلك أن للتاجر زيادة السعر ونقصانه وعرض السلع بالأسواق واحتكارها، فلإمام المسلمين إذا رأى من التجار التواطؤ على الاحتكار ورفع الأسعار وانتهاز الفرص ورأى ما يلحق المستهلكين من المضرة بسبب صنيع هؤلاء أن يحدد الأسعار ويمنع الاحتكار على وجه يكفل العدالة والرحمة، ويقضي على الأثرة والأزمة والغلاء المصطنع، ومن ذلك التعليم ودوام الموظفين بالنسبة للأوقات، وطرق المواصلات بالنسبة

(1) سورة الأحزاب الآية 21

(2)

سورة الأعراف الآية 158

ص: 21

للسيارات والقطارات فلولي الأمر العام أن يضع نظاما يحدد أوقات العمل، وينظم سير المواصلات.

وأخيرا فهذا ما ذكره العلماء فيما لولي الأمر العام أن يتعرف فيه من شئون الأمة بالإمامة والفتيا والقضاء، وليس فيه ذكر لإلزام القضاة أن يحكموا بمذهب أو قول معين، لكن يمكن أن يقال: إن هذه التصرفات لم تذكر على وجه الحصر بدليل ما تقدم في البحث من قول بعض العلماء بإلزام القضاة بذلك، وقد سبقت أدلته مع المناقشة، ويمكن أن يقال أيضا: إنه وإن لم يذكر صريحا لكنه شبيه بما ذكر في البناء على رعاية مصلحة الأمة والمحافظة على الشريعة واستمرار الحكم بها، أو يقال: إنه مندرج تحت تصرف الإمام بالإلزام بأمر من أمرين أو أمور للأمة فيها الخيار رعاية للمصلحة ومنعا للفوضى، فإن التقليد في المسائل الفقهية غالب على أهل زماننا، والمقلد مخير في من يتبعه من الأئمة المجتهدين، وعليه لا يتأتى الإلزام لمن كان مجتهدا ولو في المذهب.

هذا ما تيسر جمعه وإعداده مع الاجتزاء ببعض النقول عن بعض لكونه في معناه، وإلى أصحاب الفضيلة أعضاء هيئة كبار العلماء النظر وترجيح ما يرونه، والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب الرئيس

الرئيس

عبد الله بن سليمان بن منيع

عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

إبراهيم بن محمد آل الشيخ

ص: 22