الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل الزراعة في الإسلام
الدكتور / عبد الغني أحمد مزهر.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذا بحث في فضل الزراعة، وأهمية العناية بها في الإسلام أسأل الله تعالى أن ينفع به وأن يجعله خالصا لوجهه.
فضل العمل والحث عليه:
أمر الإسلام بالعمل الشريف الذي يكفل للإنسان معيشته، ويحفظ عليه كرامته ومروءته ويصون ماء وجهه أن يراق، وجعل طلب الحلال فريضة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«طلب الحلال واجب على كل مسلم (1)» .
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط، وقال المنذري في الترغيب (2/ 546): إسناده حسن إن شاء الله.
وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه (1)» .
وفي العمل تفضل على الناس بدلا من الحاجة إليهم واستغناء عن فضول أموالهم، وبذلك يكرم المرء نفسه أن تهون على غيره، فإن من عادة الناس أن يستخفوا بمن يحتاج إليهم، ويستهينوا بمن يتواكل عليهم، ومن يستعف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله (2).
أرى الناس من داناهم هان عندهم
…
ومن أكرمته عزة النفس أكرما (3)
وقال العباس بن عبيد:
الناس ما استغنيت كنت أخا لهم
…
وإذا افتقرت إليهم فضحوكا (4)
وعن أيوب السختياني قال: الزم سوقك فإنك لا تزال كريما على إخوانك ما لم تحتج لهم (5)، وعن أبي قلابة: إن أعظم العافية الغنى عن الناس، وقال الإمام أحمد: ما أحسن الاستغناء عن الناس.
وبالعمل يستطيع المرء أن يدرك كثيرا من وجوه الخير التي لا يستطيع إدراكها إلا من سعة كصلة الرحم، وقرى الضيف، والقيام بالمشروعات الخيرية، والصدقات الجارية، ومساعدة المحتاجين من الفقراء المساكين، أو المشاركة في كل ما هو عظيم الأثر كبير النفع للأمة، ولذا كان سعد بن عبادة
(1) أخرجه البخاري (الزكاة 3/ 335)، وأحمد (1/ 167)، وابن ماجه (الزكاة 1/ 588).
(2)
جزء من حديث أخرجه البخاري (الزكاة 3/ 335)، ومسلم (الزكاة 2/ 729) من حديث أبي سعيد الخدري.
(3)
البيت للقاضي عبد العزيز الجرجاني من قصيدة مشهورة.
(4)
أخرجه ابن حبان في روضة العقلاء (87).
(5)
روضة العقلاء (226)، الحلية لأبي نعيم (3/ 11).
رضي الله عنه يقول: اللهم هب لي مجدا ولا مجد إلا بفعال ولا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلحني القليل، ولا أصلح عليه (1).
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله يكف به وجهه، ويصل به رحمه، ويعطي من حقه (2).
وقال أبو إسحاق السبيعي رحمه الله: كانوا يرون السعة عونا على الدين (3).
وعن شعيب بن حرب رحمه الله: لا تحقرن فلسا تطيع الله في كسبه، وليس الفلس يراد، إنما الطاعة تراد، عسى أن تشتري بقلا فلا يستقر في جوفك حتى يغفر لك (4).
إن من شأن البطالة والقعود عن العمل أن تزيد نسبة الجريمة في المجتمع، وتقضي على عنصري الطموح والتنافس الشريف اللذين هما دولاب الحياة والحركة، كما أن من شأنها أن تساعد على إيجاد جيل هزيل، فاتر العزيمة، متخاذل متواكل يستمرئ الذل وتهون عليه نفسه. كما أن من شأنها أيضا أن تولد لدى المرء شعورا بالحقد والضغينة على الآخرين وإساءة الظن بالأقارب والأصدقاء، والإكثار من الشكوى والتلوم عليهم.
إذا المرء لم يطلب معاشا لنفسه
…
شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا
وصار على الأدنين كلا وأوشكت
…
صلات ذوي القربي له أن تنكرا (5)
(1) أخرجه الدارقطني في كتاب الأسخياء، انظر الإصابة (3/ 80).
(2)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/ 1073) من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف.
(3)
أخرجه أبو نعيم في الحلية.
(4)
أخرجه الخلال في الحث على التجارة والصناعة والعمل (54).
(5)
البيتان للنابغة الجعدي انظر ديوانه ص 73.