الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجل، إن الإنسان مطبوع على حب البقاء، وسبيل ذلك الأبناء، فالآباء والأمهات يرون في أبنائهم امتداد بقائهم، واستمرار ذاكرتهم وحياتهم، ولوحة تحمل خلقهم وصورهم في الحياة وبعد الممات، ولهذا نجد أكثر من يبتلون بالعقم، يجتهدون في معالجة أنفسهم لتحقيق الإنجاب، وما ذلك إلا تعبير عن جوع الأبوة والأمومة، ومدى حاجة الجبلة البشرية إليهما.
8 -
تنمية الروابط الأسرية والاجتماعية:
ومن حكمة الزواج تنمية الروابط الأسرية، وتعزيزها، وتوسيع دائرتها، لأن المصاهرة تنشئ علاقات جديدة بين الزوجين، وأهليهما، وهذه سنة من سنن الله تعالى في العائلات والمجتمعات، قال تعالى:{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (1)، وقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} (2).
ولهذا، لا بأس بالتغريب في النكاح، لتوسيع الآصرة الاجتماعية، وبخاصة إذا كانت الأسرة ضاوية على ما يروى من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اغتربوا لا تضووا (3)» ، وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لآل
(1) سورة الحجرات الآية 13
(2)
سورة الفرقان الآية 54
(3)
ذكر هذا الحديث ابن قتيبة في كتابه " غريب الحديث " وقال بأنه لا يعرف له إسنادا، وإنما هو مشهور في كلام العرب وأشعارهم 3: 733، كما ذكر ابن الأثير في كتابه " النهاية في غريب الحديث والأثر 3: 106 "، وذكره الغزالي في " إحياء علوم الدين " قال الحافظ العراقي في تخريجه: قال ابن الصلاح: لم يجد له أصلا معتمدا، ثم قال: وإنما يعرف من قول عمر لآل السائب " قد أضويتم فانكحوا من النوابغ " 2: 40، وذكره ابن حجر في " تلخيص الحبير " بلفظ " لا تنكحوا القرابة القريبة، فإن الولد يخلق ضاويا ". ثم ذكر ما ذكره العراقي من قول ابن الصلاح المتقدم 3: 146، قلت: وأنا أميل إلى ترجيح ضعف هذا الحديث، وحمل قول عمر على الحالات الخاصة بالأسر الهزيلة، وأن التغريب حكمة اجتماعية لا شرعية، لأن السنة النبوية جاءت خلاف ذلك، فقد تزوج عليه الصلاة والسلام من زينب بنت جحش ابنة عمته، وزوج ابنته فاطمة من ابن عمه علي رضي الله عنه، وهذا رأي العلم: كما ذكره الدكتور الكباريتي، أستاذ الوراثة بجامعة الكويت، ونشرته جريدة " القبس " الكويتية بتاريخ 25 ديسمبر 1977 م، والدكتور علي السالوس في مجلة الأمة " عدد 66 ص 26.
السائب: قد أضويتم فانكحوا في النوابغ،. وعن الشافعي. قال:" أيما أهل بيت لن تخرج نساؤهم إلى رجال غيرهم، كان في أولادهم حمق "(1).
فالزواج يعمل على ربط أسرة بأسرة، أو عشيرة بعشيرة، أو بلد ببلد آخر، وهذا يؤدي إلى اتساع دائرة العلاقات الاجتماعية، وقيام الاحترام المتبادل بين المسلمين، ولهذا صاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لامتداد الروابط الاجتماعية، وتزوج عليه الصلاة والسلام جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق " فأعتق المسلمون بسبب هذا الزواج مائة أهل بيت من بني المصطلق قد أسلموا "(2)، قالت عائشة رضي الله عنها:" فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها "(3).
والناظر في التاريخ الإسلامي، يلحظ أن المصاهرة أسهمت في اتساع دائرة الروابط الاجتماعية والأنساب الإسلامية، فقد تصاهر العرب والفرس والترك والبربر، فكان ذلك سببا في امتزاج العلاقات، وتداخل شعوب الأمة الإسلامية، بل كانت المصاهرة من أسباب انتشار الإسلام في كثير من بلدان آسيا وأفريقيا والبلاد الغربية.
كما يعمل الزواج على ترقية العلاقات الاجتماعية وامتداد المشاركات في الأفراح والأتراح والمناسبات الأخرى عن طريق الهدايا والمجاملات. ففي الحديث الشريف: «تهادوا تحابوا (4)» ، وقال عليه السلام أيضا:«تهادوا فإن الهدية تذيب وحر الصدر (5)» ، أي حقده وغيظه وغشه وعداوته (6)،
(1) تلخيص الحبير 3: 146.
(2)
زاد المعاد 3: 146.
(3)
سيرة ابن هشام 3: 340.
(4)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد فضل الله الصمد 2: 50 رقم 594 شرح السنة 6: 141.
(5)
أخرجه أحمد، المسند 3: 405، شرح السنة 6:141.
(6)
المعجم الوسيط 3: 1017.