الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقد الأب على الصغيرة يلزمها بموجبه تسليم نفسها للزوج بعد زوال ولاية الأب، فيجب إثبات الخيار لها عند البلوغ، قياسا على تزويج الأخ، فكما أن للصغيرة الخيار عند بلوغها فيما إذا زوجها الأخ فكذلك لها الخيار إذا بلغت عند تزويج الأب (1).
ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنه لو كان الخيار واجبا للصغيرة بعد بلوغها عند تزويج الأب لخير رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها لما بلغت كما خير نساءه لما نزلت آية التخيير (2)، ولأن الأصل في عقد النكاح عدم الخيار (3)، فإثباته فيه يحتاج إلى دليل مستقل، أما قياس تزويج الأب على تزويج الأخ فهو قياس مع الفارق، لأن الأب وافر الشفقة، فهو ينظر لابنته الصغيرة فوق ما ينظر لنفسه، والأب أيضا تام الولاية، فولايته تشمل النفس والمال، بخلاف الأخ (4).
(1) المبسوط 2/ 213.
(2)
مسائل أحمد رواية عبد الله ص 325، المبسوط 4/ 213، أحكام القرآن للجصاص 2/ 346.
(3)
الأم 5/ 170.
(4)
المبسوط 2/ 213.
تزويج غير الأب من الأولياء للبكر الصغيرة
للعلماء في هذه المسألة أقوال:
القول الأول:
أن ذلك حق للأب وحده، ولا يجوز لغيره من الأولياء تزويجها حتى تبلغ، وهذا قول جمهور أهل العلم (1).
(1) تفسير القرطبي 5/ 13.
وممن قال بهذا القول الإمام مالك في الرواية المشهورة عنه والثوري وأبو عبيد وأبو ثور وابن أبي ليلى (1)، والإمام أحمد في رواية عنه رجحها أكثر أصحابه (2).
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة أهمها:
الدليل الأول:
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها (3)» .
(1) سنن الترمذي 3/ 409، الأوسط لوحة 201، التمهيد 19/ 102، المغني 6/ 489.
(2)
المقنع ص 208، العدة شرح العمدة ص 365، المبدع 7/ 25، الإنصاف 8/ 62.
(3)
رواه أبو داود في النكاح باب في الاستئمار 2/ 231 رقم (2093)، والترمذي في النكاح باب (19) 3/ 408، رقم (1109)، وقال: حديث حسن، والنسائي في النكاح باب استئذان البكر في نفسها 6/ 87، وأحمد 2/ 259، 475، وأبو يعلى 13/ 312، رقم (7328)، وابن حبان في صحيحه الإحسان 6/ 153، رقم 4067، 4074، وعبد الرزاق في النكاح باب استئمار اليتيمة 6/ 145، وابن وهب كما في المدونة 2/ 142، والطحاوي في شرح معاني الآثار باب تزويج الأب ابنته البكر 4/ 464، وابن عبد البر في التمهيد 19/ 99، والبيهقي في النكاح باب ما جاء في إنكاح اليتيمة 7/ 120، وباب إذن البكر الصمت 7/ 122، من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به، ورجاله ثقات عدا محمد بن عمرو، وهو ابن علقمة، وهو " صدوق له أوهام " كما في التقريب 2/ 196، فإسناده حسن كما قال الترمذي، وحسنه الشيخ محمد ناصر الدين في الإرواء 6/ 233، رقم (1834)، وحسنه أيضا الشيخ شعيب الأرناؤوط والشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقهما على زاد المعاد 5/ 101، وحسنه كذلك الشيخ حسين سليم محقق مسند أبي يعلى.
الدليل الثاني:
ما رواه أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت لم تكره (1)» .
الدليل الثالث:
ما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «توفي عثمان بن مظعون، وترك ابنة له من خويلة بنت حكيم، قال: وأوصى إلى أخي قدامة بن مظعون، قال عبد الله: وهما خالاي، قال: فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون، فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة - يعني إلى أمها - فأرغبها في المال، فحطت إليه، وحطت الجارية إلى هوى أمها، فأبيا، حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قدامة بن مظعون: يا رسول الله ابنة أخي أوصى بها إلي، فزوجتها ابن عمتها عبد الله بن عمر، فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة، ولكنها امرأة، وإنما حطت إلى هوى أمها، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي يتيمة، ولا تنكح إلا بإذنها. قال: فانتزعت
(1) رواه الإمام أحمد 4/ 408، والبزار (كشف الأستار كتاب النكاح باب الاستئمار 2/ 160، رقم 1422)، والدارقطني في النكاح 3/ 242 من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن موسى عن أبي موسى به. وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الصحيحين. ورواه أحمد 4/ 394، 411، والدارمي في النكاح باب في اليتيمة تزوج نفسها 2/ 185، رقم (2185)، والبزار (كشف الأستار، الموضع السابق، رقم 1423)، وأبو يعلى 13/ 5311، رقم (7327)، وابن حبان في صحيحه الإحسان 6/ 155، رقم (4073)، والحاكم في النكاح 2/ 166، 167، وصححه، ووافقه الذهبي وابن أبي شيبة في النكاح باب في اليتيمة من قال: تستأمر في نفسها 4/ 139، والبيهقي في الموضعين السابقين، والطحاوي في الموضع السابق، والدارقطني في النكاح 3/ 241، 242، وابن عبد البر في التمهيد 19/ 99، 100 من طرق عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة به، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات عدا يونس بن أبي إسحاق، وهو " صدوق يهم قليلا " كما في التقريب 2/ 384. وقال الهيثمي:" رجال أحمد رجال الصحيح " مجمع الزوائد 4/ 280، وصححه الشيخ محمد ناصر الدين، انظر السلسلة الصحيحة 2/ 263، وصححه أيضا الشيخ حسين سليم محقق مسند أبي يعلى.
والله مني بعد أن ملكتها، فزوجوها المغيرة بن شعبة (1)».
الدليل الرابع:
ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اليتيمة تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها (2)» .
قالوا: معنى هذه الأحاديث: لا تزوج اليتيمة حتى تبلغ فتستأمر (3)، لأن الصغيرة لا إذن لها، فلا تزوج حتى تبلغ، فيكون لها إذن معتبر (4).
الدليل الخامس:
أنه قد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تزويج البكر حتى تستأذن، وهذا عام في كل بكر، يستثنى منه البكر الصغيرة ذات الأب، لتزويج أبي بكر رضي الله عنه
(1) رواه الإمام أحمد 2/ 130، والدارقطني في النكاح 3/ 230، ومن طريقة الخطيب في المبهمات ص 521، والبيهقي في النكاح باب ما جاء في إنكاح اليتيمة 7/ 120 عن يعقوب - وهو ابن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن ابن إسحاق حدثني عمر بن حسين بن عبد الله مولى آل حاطب عن نافع به، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، عدا ابن إسحاق صاحب المغازي وهو " صدوق مدلس " كما في التقريب 2/ 144، وقد صرح بالتحديث. ورواه الدارقطني 3/ 229 من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عمر بن حسين عن نافع عن ابن عمر أنه تزوج بنت خاله عثمان بن مظعون، قال: فذهبت أمها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي تكره ذلك، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها، ففارقها، وقال:" لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن، فإذا سكتت فهو إذنها " فتزوجها بعد عبد الله المغيرة بن شعبة. وإسناده حسن، رجاله ثقات، عدا ابن أبي فديك، وهو " صدوق " كما في التقريب 2/ 145. والحديث قال عنه الهيثمي في المجمع 4/ 280:" رواه أحمد، ورجاله ثقات " وحسنه الشيخ محمد ناصر الدين في الإرواء 6/ 2331، رقم (1835).
(2)
رواه النسائي في النكاح باب استئذان البكر في نفسها 6/ 84، ومن طريقة الدارقطني في النكاح 3/ 240 من طريق مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس به. وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيحين. ورواه الإمام أحمد 1/ 261، والنسائي في الوضع السابق، والدارقطني 3/ 238، 239 من طريق ابن إسحاق حدثني صالح بن كيسان عن عبد الله بن المفضل به، وإسناده حسن، رجاله ثقات، عدا ابن إسحاق، وهو " صدوق مدلس " كما في التقريب 2/ 144، وقد صرح بالتحديث.
(3)
شرح السنة 9/ 37، الفتح 9/ 197.
(4)
المنتقى للباجي 3/ 267، التمهيد 19/ 103، الكافي لابن قدامة 3/ 27، سبل السلام 3/ 196.
ابنته عائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة ولتزويج بعض الصحابة رضي الله عنهم بعض بناتهم وهن صغيرات ويبقى النهي فيمن عداها على عمومه (1).
الدليل السادس:
أن غير الأب قاصر الشفقة فلا يلي تزويج الصغيرة، كالأجنبي (2).
الدليل السابع:
أن الأخ والعم لا يتصرفان في مال الصغيرة، فكذلك بضعها (3).
القول الثاني:
أنه يلحق بالأب الجد في جواز تزويج الصغيرة دون سائر الأولياء، لأن الجد أب أعلى (4)، ولديه من الشفقة على الصغيرة ما لدى الأب غالبا، ولأن ولايته ولاية إيلاد فملك إجبارها كالأب، ولأن الجد يلي مال الصغيرة فكذلك تزويجها كالأب (5)، وهذا قول الإمام الشافعي رحمه الله (6).
القول الثالث:
أنه يجوز لغير الأب من الأولياء تزويج الصغيرة، ولها الخيار إذا بلغت،
(1) بداية المجتهد 6/ 368.
(2)
المغني 6/ 488.
(3)
التمهيد 19/ 102، المغني 6/ 488.
(4)
بداية المجتهد 6/ 368.
(5)
المغني 6/ 489، 490.
(6)
الأم 5/ 18، الأوسط لوحة 201، شرح السنة 9/ 37.
وبهذا قال الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس وقتادة وعبد الرزاق والأوزاعي، وقال به الإمام مالك (1)، والإمام أحمد (2) في رواية عن كل منهما، ووافقهم في ذلك الإمام أبو حنيفة وأكثر أصحابه إلا أنهم قالوا: ليس لها الخيار إذا زوجها الجد أبو الأب (3). واستدل أصحاب هذا القول بأدلة أهمها:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (4).
قالوا: دلت الآية بمفهومها على أن لغير الأب من الأولياء ممن يحل له الزواج باليتيمة أن يتزوج بها إذا أقسط لها (5)، واليتيمة هي من لم تبلغ، لحديث:«لا يتم بعد احتلام (6)» . قالوا: ويؤيد هذا التفسير للآية
(1) سبق ذكر ما نقل عن الإمام مالك في هذه المسألة.
(2)
المغني 6/ 489، المبدع 7/ 25، 26، العدة ص 365، الهادي ص 158.
(3)
الحجة 3/ 140 - 142، المبسوط 4/ 210، الهداية مع فتح القدير 3/ 277، 278، رد المحتار 2/ 66.
(4)
سورة النساء الآية 3
(5)
الكافي لابن قدامة 3/ 27.
(6)
رواه أبو داود في الوصايا باب متى ينقطع اليتم 3/ 115، رقم (2873)، وعبد الرزاق (كما في تفسير ابن كثير 1/ 298)، والطحاوي في مشكل الآثار 1/ 280، والطبراني في الصغير ص 96، والخطيب في تاريخ بغداد 5/ 299 من طرق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال الهيثمي 4/ 334:" رواه الطبراني في الصغير، ورجاله ثقات "، وقال النووي في رياض الصالحين ص 569 " رواه أبو داود بإسناد حسن " وقال الحافظ في التلخيص 3/ 101: أعله العقيلي وعبد الحق وابن القطان والمنذر وغيرهم، وحسنه النووي متمسكا بسكوت أبي داود عليه ". ورواه عبد الرزاق في الطلاق باب لا رضاع بعد الفطام 7/ 464، وأبو داود الطيالسي ص 243 رقم (1767)، والبيهقي في الخلع والطلاق باب الطلاق قبل النكاح 7/ 320، وابن عدي في الكامل 2/ 853 من طريقين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وأعل الشيخ محمد ناصر الدين في الإرواء 5/ 80 - 83 جميع طرق حديث علي، حيث ذكر أن في إحدى طرقه متروكا وفي الأخرى رجلان لا يعرفان، وفي الثالثة مجهول، وأعل طريقي حديث جابر بأن في إحداهما متروكين وفي الأخرى رجل ضعيف، وقوى هذه الطرق برواية الحديث عن ابن عباس موقوفا عليه. وروى هذا الحديث الطبراني في الكبير 4/ 14، رقم (3502) عن محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا سلم بن قتيبة حدثنا ذيال بن عبيد سمعت جدي حنظلة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتم بعد احتلام، ولا يتم على جارية إذا هي حاضت "، وإسناده حسن، رجاله ثقات، عدا سلم بن قتيبة، وهو صدوق، كما في التقريب 1/ 314، وعدا ذيال بن عبيد، وهو أيضا صدوق كما في التقريب 1/ 239، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 226: " رجاله ثقات "، وقال الحافظ في التلخيص: " إسناده لا بأس به ".
ما رواه البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير قال: «سألت عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى: قالت: يا بن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، تشركه في ماله، ويعجبه مالها وجمالها، فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق (2)» .
الدليل الثاني:
ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم زوج ابنة عمه حمزة من عمر بن أبي سلمة، وهي صغيرة، وقال:«لها الخيار إذا بلغت (3)» .
(1) صحيح البخاري مع الفتح كتاب التفسير 8/ 239، وكتاب النكاح باب تزويج اليتيمة 9/ 197، وصحيح مسلم مع شرحه للنووي كتاب التفسير 19/ 154 - 156.
(2)
سورة النساء الآية 3 (1){وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}
(3)
هكذا قال ابن الهمام في فتح القدير 3/ 276، 277، ولم أقف على من روى بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زوج عمر بن سلمة لابنة حمزة ولا غيرها. وقد روى البيهقي في النكاح باب ما جاء في إنكاح اليتيمة 6/ 121 من طريق الواقدي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب كانت بمكة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في عمرة القضية - خرج بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم تزوجها، فقال:" ابنة أخي من الرضاعة فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " هل جزيت سلمة ". ثم قال البيهقي: " هذا إسناد ضعيف، وليس فيه أنها كانت صغيرة، وللنبي صلى الله عليه وسلم في باب النكاح ما ليس لغيره، وكان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبذلك تولى تزويجها دون عمها العباس بن عبد المطلب إن كان فعل ذلك ". فالحديث كما قال البيهقي إسناده ضعيف، بل ضعيف جدا، أعله الواقدي، فهو متروك كما في التقريب 2/ 194. وقال ابن إسحاق في السيرة ص 261: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم وعبد الرحمن بن الحارث ومن لا أتهم عن عبد الله بن شداد قال: كان الذي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة ابنها سلمة، فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة حمزة، وهما صبيان صغيران، فلم يجتمعا حتى ماتا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل جزيت سلمة بتزويجه إياي أمه "، وإسناده جيد، لكنه مرسل، عبد الله بن شداد تابعي لم يدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما في تهذيب التهذيب 5/ 252. وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة 2/ 64 بعد ذكره رواية ابن إسحاق السابقة: " ويقال: " إن الذي زوجه إياها ابنها عمر، والأول أثبت " وانظر نيل الأوطار 6/ 256.
الدليل الثالث:
أن غير الأب من الأولياء له حق ولاية النكاح للكبيرة، فكذلك له حق ولاية تزويج الصغيرة كالأب (1).
الدليل الرابع:
قالوا: إن النكاح يتضمن المصالح، وهي لا تتحقق إلا بين المتكافئين عادة، والكفء لا يوجد في كل وقت وإنما يظفر به في وقت دون وقت، والولاية لعلة الحاجة، فيجب إثباتها لغير الأب على الصغيرة، إحرازا لهذه المصلحة، مع أن أصل القرابة داعية إلى الشفقة، غير أن في هذه القرابة قصورا أظهرناه في إثبات الخيار لها إذا بلغت (2).
القول الرابع:
أنه يجوز لغير الأب أن يزوج الصغيرة، ولها الخيار إذا بلغت، وليس للزوج أن يدخل بها قبل أن تبلغ فتختار، وهذا قول إسحاق بن راهويه رحمه الله (3).
(1) المبسوط 4/ 213، المغني 6/ 490.
(2)
فتح القدير 3/ 276، المبسوط 4/ 215.
(3)
اختلاف العلماء للمروزي ص 126.
القول الخامس:
أنه يجوز لغير الأب أن يزوج الصغيرة، ولا خيار لها إذا بلغت، لأنه عقد بولاية مستحقة بالقرابة، فلا يثبت فيه خيار البلوغ كعقد الأب، وهذا لأن القرابة سبب كامل لاستحقاق الولاية، والقريب هنا قائم مقام الأب في التصرف في النفس، كالوصي في التصرف في المال، فكما أن عقد الوصي يلزم ويكون كعقد الأب فيما قام فعله مقامه، فكذلك عقد الولي، وهذا قول عروة بن الزبير وحماد بن أبي سليمان وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة (1).
القول السادس:
أن اليتيمة إذا بلغت تسع سنين صح تزويجها بإذنها، ولا خيار لها إذا بلغت، ولا يصح تزويجها قبل ذلك، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وهو المنصوص في أكثر أجوبته، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه إبراهيم بن مفلح وغيرهما، وروي نحو هذا القول عن الإمام مالك في حق اليتيمة المحتاجة إلى النكاح.
واستدل أصحاب هذا القول بالآية التي استدل بها أصحاب القول الثالث وبتفسير عائشة رضي الله عنها لها.
واستدلوا أيضا بالأحاديث التي فيها النهي عن تزويج اليتيمة حتى تستأذن، والتي استدل بها أصحاب القول الأول.
قالوا: الآية صريحة في صحة تزويج اليتيمة، وهي من دون سن البلوغ، لحديث «لا يتم بعد احتلام (2)» ، والأحاديث أوجبت استئمار أو
(1) مصنف ابن شيبة 4/ 140، المبسوط 4/ 215، رد المحتار 2/ 69.
(2)
رواه أبو داود في الوصايا باب متى ينقطع اليتم 3/ 115، رقم (2873)، وعبد الرزاق (كما في تفسير ابن كثير 298/ 1)، والطحاوي في مشكل الآثار 1/ 280، والطبراني في الصغير ص 96، والخطيب في تاريخ بغداد 5/ 299 من طرق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال الهيثمي 4/ 334:" رواه الطبراني في الصغير، ورجاله ثقات "، وقال النووي في رياض الصالحين ص 569 (رواه أبو داود بإسناد حسن وقال الحافظ في التلخيص 3/ 101: أعله العقيلي وعبد الحق وابن القطان والمنذر وغيرهم، وحسنه النووي متمسكا بسكوت أبي داود عليه ". ورواه عبد الرزاق في الطلاق باب لا رضاع بعد الفطام 7/ 464، وأبو داود الطيالسي ص 243 رقم (1767)، والبيهقي في الخلع والطلاق باب الطلاق قبل النكاح 7/ 320، وابن عدي في الكامل 2/ 853 من طريقين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وأعل الشيخ محمد ناصر الدين في الإرواء 5/ 80 - 83 جميع طرق حديث علي، حيث ذكر أن في إحدى طرقه متروكا وفي الأخرى رجلان لا يعرفان، وفي الثالثة مجهول، وأعل طريقي حديث جابر بأن في إحداهما متروكين وفي الأخرى رجل ضعيف، وقوى هذه الطرق برواية الحديث عن ابن عباس موقوفا عليه. وروى هذا الحديث الطبراني في الكبير 4/ 14، رقم (3502) عن محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا سلم بن قتيبة حدثنا ذيال بن عبيد سمعت جدي حنظلة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتم بعد احتلام، ولا يتم على جارية إذا هي حاضت "، وإسناده حسن، رجاله ثقات، عدا سلم بن قتيبة، وهو صدوق، كما في التقريب 1/ 314، وعدا ذيال بن عبيد، وهو أيضا صدوق كما في التقريب 1/ 239، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 226: " رجاله ثقات "، وقال الحافظ في التلخيص: " إسناده لا بأس به ".
استئذان اليتيمة، فهذا يدل على أن المراد بذلك اليتيمة التي لها إذن صحيح، وقد انتفى ذلك فيمن لم تبلغ تسعا بالاتفاق، فيحمل على بنت تسع سنين إلى البلوغ، لأنها صغيرة مميزة، يصح لفظها مع إذن وليها، كما يصح تصرفها في البيع وغيره بإذن وليها، لقوله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (1)، ولأنه يصح إسلامها وصومها وحجها وصلاتها وغير ذلك لما في جميع ذلك من المصلحة لها، فإذا زوجها الولي بإذنها من كفء جاز، وكان هذا تصرفا بإذنها، وهو مصلحة لها (2).
واستدلوا أيضا بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا «إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأة (3)» . وبما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة (4)» .
واستدلوا كذلك بما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب أم كلثوم بنت أبي بكر بعد موته إلى عائشة رضي الله عنها، فأجابته، فكرهته الجارية، فتزوجها طلحة بن عبيد الله (5). وذكروا أن سنها حين خطبها عمر أقل من عشر سنوات، لأنها إنما ولدت بعد موت أبيها، وإنما كانت ولاية عمر عشرا (6).
(1) سورة النساء الآية 6
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية 32/ 48، شرح منتهى الإرادات 3/ 15.
(3)
رواه أبو نعيم في أخبار الصبهان 2/ 273 من طريق عبد الملك بن مهران سهل بن أسلم العدوي عن معاوية بن قرة قال: سمعت ابن عمر يقول - فذكره - وعبد الملك قال عنه العقيلي في الضعفاء 3/ 34 (صاحب مناكير، غلب على حديثه الوهم، لا يقيم شيئا من الأحاديث) ثم أورد له ثلاثة أحاديث، ثم قال:(كلها ليس لها أصل ولا يعرف منها شيء من وجه يصح). وقال ابن السكن: (منكر الحديث). انظر لسان الميزان 4/ 70. وانظر الإرواء 1/ 199.
(4)
ذكر في المغني 6/ 491 أن هذا الأثر رواه أحمد، فلعله رواه في غير المسند، فلم أعثر عليه فيه، وقد ذكره الترمذي في سننه 3/ 409، والبيهقي في سننه 1/ 320 بدون إسناد، وقال ابن العربي في شرح الترمذي 5/ 28: بدون إسناد، وقال ابن العربي في شرح الترمذي 5/ 28:" وحديث عائشة لم يصح ".
(5)
ذكر هذا الأثر ابن قدامة في المغني 6/ 491، ولم أقف على من رواه بإسناد متصل.
(6)
المغني 6/ 491.