الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال: «إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم (1)» .
وقد ينقلب الزواج إلى خلاف ذلك، فيصير سببا من أسباب تبديد الروابط الأسرية والعلائق الاجتماعية، وهذا لا يرجع إلى طبيعة الزواج نفسه، وإنما يرجع إلى خلل في أحد الزوجين أو أهله، فمن المعلوم أن الإسلام رتب خطوة الزواج على صلاح الدين، واستكمال الباءة والكفاءة، وعندما يفقد أحد الزوجين تلك الشروط والمواصفات، تتحول المصاهرة من زواج شرعي إلى نكد عائلي واجتماعي، وهذا يعني أن الخلل وقع في طريق الزواج، لا في الزواج نفسه.
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط، تربية الأولاد 1:457.
9 -
التدرب على تحمل المسئوليات:
ومن حكمة الزواج، أنه يؤسس الأسرة على ضوابط المسئولية لا مجرد اللذة الجنسية، أو خيال المحبة النفسية.
فالزواج مؤسسة إسلامية اجتماعية يتعلم فيها الآباء والأمهات والأبناء، تنسيق الأدوار والأفكار، وتنظيم الالتزامات والمسئوليات، وتوزيع الوظائف بروح من التعاون والانسجام، لا العناد والانقسام، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1).
والزواج يشعر الزوجين بمدى مسئوليات الزواج وتبعاته، فيبعث الزوج على بذل النشاط للقيام بأعباء الزوجة والأبناء، ويدرب الزوجة على القيام بمسئولياتها تجاه الزوج والبيت والأولاد، في إطار من المودة والشورى، قال تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (2).
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
سورة الشورى الآية 38
فالمرأة تعمل ضمن اختصاصها، وبما يتفق مع طبيعتها، وأنوثتها، فتقوم بالإشراف على البيت وتنظيمة وترسيمه، وتربية الأبناء ورعايتهم النفسية والعاطفية، والرجل يعمل ضمن اختصاصه، وبما يتفق مع طبيعته ورجولته، فيقوم بالسعي وراء العيال، والقيام بأشق الأعمال، لتوفير متطلبات الأسرة ومصروفاتها، " وهذا ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها "(1)، لأن الواحد منهما لو شغل بمجموع البيت وخارجه لتعطلت مصالح الحياة، قال ابن قدامة:" ومنها التكفل بشغل الطبخ والكنس والفرش وتهذيب أسباب العيش، فإن الإنسان يتعذر عليه أكثر ذلك مع الوحدة، ولو تكفل به لضاع أكثر وقته "(2).
والزواج يعلم الزوجين مسئولية الشرف ومفهومه وتقديره، وحمايته والحرص عليه، والتفاني في سبيله، وربما تساهل أقوام في ذلك قبل الزواج، ولكنهم إذا ولجوا الحياة الأسرية، وصار لهم أزواج وذرية، أدركوا أهمية الشرف، والغيرة عليه، وكم من الشباب كانوا متحمسين قبل زواجهم للاختلاط والسفور والفجور، فغيرهم الزواج، وعدل من نظراتهم القاصرة، وأضحوا متحمسين للشرف والعرض وضوابط المسئوليات.
كما يستشعر الآباء والأمهات - بالزواج - فضل آبائهم وأمهاتهم عليهم، وما بذلوه من مسئوليات تجاههم، ولهذا قيل: لا يعرف الأبناء فضل والديهم عليهم إلا بعد الإنجاب، وهذا يؤكد بأن الزواج مدرسة كاملة يتعلم من خلالها الزوجان معنى المسئولية، وفقه الحياة.
" وأما هؤلاء الذين يعرضون عن الزواج، ويتعللون بمتاعبه ومطالبه، وبأنه تقييد للحرية، فهم قوم جهلوا أو تجاهلوا معنى الإنسانية، وجدير بعقلاء الناس أن يضيقوا عليهم المسالك، حتى يرحلوا عن بيئات الإنسان إلى غاب
(1) فتح الباري 9: 506، 507، شرح السنة 5: 108، 109، فقه السنة 2:203.
(2)
مختصر منهاج القاصدين 76 بتصرف.