الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظلم ولا اعتداء، أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجرا جاريا ما انتفع به من خلق الرحمن تبارك وتعالى (1)».
(1) أخرجه أحمد (3/ 438)، والطبراني من طريق زبان بن فائد الهيثمي: ضعفه أحمد وغيره وثقه أبو حاتم (مجمع الزوائد 3/ 70).
حكم الزراعة:
زراعة الأرض وإعمارها من - فروض الكفاية التي يجب على المسلمين بمجموعهم القيام بها، فإن قام بها بعضهم أصبحت مندوبة أو مباحة في حق الآخرين.
قال القرطبي رحمه الله في شرح الصحيح: الزراعة من فروض الكفاية فيجب على الإمام أن يجبر الناس عليها، وما كان في معناها من غرس الأشجار (1).
ومعنى كونها فرضا على الكفاية، أن الزراعة، وغرس الأشجار وإعمار الأرض، تبقى فريضة قائمة على الأمة الإسلامية ما لم تتحقق كفايتها، واستغناؤها عن غيرها إذا كان ذلك في مقدورها ووسعها، فإن لم تفعل تبقى مقصرة تاركة لهذه الفريضة ما دامت مستوردة " معتمدة على الغير في مواردها الزراعية والغذائية، وعلى الإمام في هذه الحالة أن يجبر على الزراعة والغرس والفلاحة من تتحقق بإجبارهم تلك الكفاية في المجالات الزراعية المختلفة قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " من ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة ناس مثل حاجة الناس إلى الفلاحة والنساجة، والبناية. . قال: فلهذا قال غير واحد من الفقهاء أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم كأبي حامد الغزالي وأبي الفرج بن الجوزي وغيرهم إن هذه الصناعات فرض على الكفاية فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بها، كما أن الجهاد فرض على الكفاية إلا أن يتعين فيكون فرضا على الأعيان " (2).
(1) انظر فتح الباري 5/ 4، عمدة القاري 12/ 156.
(2)
ابن تيمية، السياسة الشرعية (ص 16).
وقال في موضع آخر: المقصود أن هذه الأعمال التي هي فرض على الكفاية متى لم يقم بها غير الإنسان صارت فرض عين عليه، لا سيما إن كان عاجزا عنها فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجبا يجبرهم ولي الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، كما إذا احتاج الجنود المرصودون للجهاد إلى فلاحة أرضهم ألزم من صناعته الفلاحة بأن يصنعها لهم، فإن الجند ملزمون بأن لا يظلموا الفلاح كما ألزم الفلاح أن يفلح للجند (1).
وقال ابن الحاج في المدخل: آكد ما على المكلف من الصنائع والحرف الزراعة التي بها قوام الحياة، وقوت النفوس (2).
إن من الخطأ القبيح ما يتصوره بعض الناس من أن مهنة الزراعة من المهن الدنيئة المنحطة التي لا تليق بالرجل الكريم، وهو تصور لا يقوم على أساس سليم فالعمل المباح كله شرف لصاحبه لا يزري به بل يكرمه ويعلي مكانته عند الله تعالى ثم في أعين الناس، فكيف والزراعة من أشرف الأعمال وأجلها، وقد قال عدد من العلماء: إنها أفضل المكاسب، وإنها من فروض الكفاية على المسلمين، وفيها الأجر الجزيل للزارع والغارس ما انتفع بذلك منتفع من إنسان أو حيوان أو طير أو حشرة، وقد تكون من الصدقة الجارية التي لا ينقطع أجرها بعد الموت.
وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعتبرون الرجل الذي يعمل في إصلاح أرضه عاملا من عمال الله تعالى (3).
إن ذلك التصور الخاطئ يفسر لنا انصراف كثير من الناس إلى الوظائف الحكومية، والأعمال الكتابية، والإدارية، وإهمال مساحات كبيرة من الأرض
(1) الفتاوى (28/ 79، 80، 82).
(2)
ابن الحاج، المدخل (4/ 4).
(3)
سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 13.