الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الموفق بعد ذكره لهذا الأثر: " ولم ينكره منكر، فدل ذلك على اتفاقهم على صحة تزويجها قبل بلوغها بولاية غير أبيها (1).
والراجح في هذه المسألة هو القول الأخير، لأن فيه جمعا بين الأدلة، واستعمالا لجميع النصوص الواردة في المسألة (2)، والجمع بين الأدلة، وإعمالها جميعا، أولى من إهمال بعضها، ولأن في تزويج الصغيرة مصالح منها عدم فوات الأكفاء، وصلاح المعيشة، ولأن اليتيمة قد تحتاج إلى الزواج أكثر من ذات الأب، فقد تحتاج إلى من ينفق عليها أو يحفظ حقوقها ويرعاها ونحو ذلك، ولأن هذا القول هو أوسط الأقوال وأعدلها، فلا تمنع اليتيمة المميزة التي تطيق النكاح عادة من الزواج حتى تبلغ، مع أنها قد تكون في أمس الحاجة إلى ذلك، ولا تزوج ويدخل بها الزوج ثم تخير بعد ذلك، لما في ذلك من الضرر البين عليها، وأيضا فإن الأصل في عقد النكاح عدم الخيار (3)، فالقول به فيه يحتاج إلى ليل صحيح، وهو غير موجود. والله أعلم.
(1) المغني 6/ 491.
(2)
المبدع 7/ 26، الكافي لابن قدامة 3/ 27.
(3)
الأم 5/ 170.
3 -
تزويج الوصي للبكر الصغيرة
قبل أن نتكلم عن حكم تزويج الوصي للبكر الصغيرة يحسن أن نتكلم عن أصل هذه المسألة وهو هل تصح الوصية بالتزويج أم لا؟ وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول:
أن التزويج خاص بالأولياء، فإذا توفي الأقرب منهم انتقلت ولاية النكاح
إلى من يليه، فلا يصح لأحد من الأولياء أن يوصي بها، وهذا قول جمهور أهل العلم (1)، وممن قال به الشعبي والنخعي والثوري (2)، والإمام أبو حنيفة في الرواية المشهورة عنه، ومحمد بن الحسن (3)، والإمام الشافعي (4)، والإمام أحمد في رواية عنه (5)، وهو مذهب الحنفية (6)، والظاهرية (7)، لأنها ولاية تنتقل إلى غيره شرعا، وهي حق لم تنتقل إليه، فلم يجز أن يوصي بحق غيره كالحضانة (8)، ولأن الولاية يشبه أن تكون جعلت للعصبة للعار عليهم، والوصي لا عار ولا ضرر عليه في تضييع المرأة ووضعها عند من لا يكافؤها، فلم تثبت له الولاية كالأجنبي (9).
القول الثاني:
أنه يصح للولي أن يوصي بالتزويج، وهذا قول شريح والحسن وحماد بن أبي سليمان (10)، والإمام أبي حنيفة في رواية عنه (11)، والإمام أحمد في رواية عنه أيضا (12)، وهو مذهب المالكية (13) لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم قدامة بن مظعون لما زوج ابنة أخيه عثمان لما أوصى إليه بتزويجها، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم التزويج بموجب الوصية، وإنما أنكر تزويجها بغير إذنها، ولأن ولاية التزويج ثابتة للولي
(1) شرح السنة 9/ 37، شرح صحيح مسلم للنووي 9/ 206، الكافي لابن عبد البر 1/ 431.
(2)
المغني 6/ 463، شرح السنة 9/ 37.
(3)
الحجة 3/ 123، 124.
(4)
الأم 5/ 20.
(5)
الهداية لابن الخطاب 1/ 248، المغني 6/ 463، الإنصاف 8/ 86، شرح الزركشي 5/ 99.
(6)
الدر المختار (مطبوع مع حاشيته رد المحتار 3/ 79).
(7)
المحلى 9/ 463، 464.
(8)
المغني 6/ 464، المنح الشافيات 2/ 500، شرح الزركشي 5/ 99.
(9)
الأم 5/ 20، المغني 6/ 464، شرح الزركشي 5/ 99.
(10)
المغني 6/ 463، شرح السنة 9/ 38.
(11)
جامع أحكام الصغار 1/ 217، رد المحتار 3/ 80.
(12)
الهداية لأبي الخطاب 1/ 248، المغني 6/ 463.
(13)
الكافي لابن عبد البر 1/ 431، حاشية العدوي على الشرح الصغير 6/ 177، 178.
فجازت وصيته بها، كولاية المال، ولأنه يجوز أن يستنيب فيها في حياته، فجاز أن يستنيب فيها بعد موته، كولاية المال (1).
قال ابن قدامة بعد أن رجح هذا القول: فعلى هذا تجوز الوصية بالنكاح من كل ذي ولاية، سواء كان مجبرا كالأب أو غير مجبر كغيره " (2).
القول الثالث:
أنه إن كان للموصى بتزويجها عصبة لم تصح الوصية، لأن الوصي يسقط حقهم بوصيته، وإن لم يكن لها عصبة جاز لعدم ذلك، وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه، اختارها ابن حامد من أصحابه.
القول الرابع:
أنه يجوز للولي أن يوصي بالتزويج، لكن لا يجوز للوصي أن يزوج المرأة إلا بموافقة وليها، فإن اختلفا رفعا أمرهما إلى السلطان، وهذا قول الإمام الزهري رحمه الله (3).
وروى ابن الجعد عن الحارث العكلي أنه قال: النكاح إلى الولي ولكن يشاور الوصي (4).
والأقرب في هذه المسألة أنه يجوز للأب دون سائر الأولياء الوصية بتزويج بناته، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما نص في صحة وصية الأب بذلك، حيث أقر صلى الله عليه وسلم وصية عثمان بن مظعون لأخيه قدامة بتزويج ابنته، ولو كانت
(1) شرح الزركشي 5/ 99، المنح الشافيات 2/ 500.
(2)
المغني 6/ 464، وانظر المنح الشافيات 2/ 500.
(3)
الأوسط لابن المنذر لوحة 201.
(4)
مسند ابن الجعد 1/ 429.
الوصية بالتزويج لا تجوز لأنكر ذلك صلى الله عليه وسلم، ولما أقرهم عليه، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يسكت عن إنكار المنكر، ولا يقر على باطل.
وأيضا فإن الأب لا يعدل عن الأقارب إلى غيرهم أو عن الأقرب من العصبة إلى الأبعد منهم إلا لمصلحة راجحة، إما لأن هذا الذي أوصى إليه لديه من الشفقة على بناته ما ليس عند غيره أو لأنه أتقى من غيره ونحو ذلك، أو لما يعرف عن الولي الأقرب الذي ستنتقل إليه الولاية إن لم يوص من الفسق مما قد يحمله على ظلم موليته. والله أعلم.
أما حكم تزويج الوصي للصغيرة فقد اختلف فيه القائلون بصحة الوصية بالتزويج على قولين:
القول الأول:
أن الوصي يقوم مقام الموصي، فإن كان الموصي يجوز له تزويج الصغيرة الموصى بتزويجها، جاز للوصي تزويجها، وإن كان يحتاج إلى إذنها فالوصي كذلك، وبهذا قال الإمام أبو حنيفة في رواية عنه (1)، وهو قول أكثر الحنابلة، قال المرداوي:" هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب ". واستدل أصحاب هذا القول بأن الوصي قائم مقام الولي، فيأخذ حكمه، كالوكيل (2).
القول الثاني:
أن الوصي لا يملك الإجبار إلا إذا عين له الأب الزوج أو أذن له في الإجبار، وهذا مذهب المالكية.
(1) جامع أحكام الصغار 1/ 271.
(2)
المغني 6/ 464، المنح الشافيات 2/ 500، نيل المآرب بشرح دليل الطالب 2/ 145.
والراجح في هذه المسألة أن الوصي لا يملك تزويج الصغيرة بغير إذنها. إذ ليس عنده من الشفقة ما عند الأب، ولأن الصحيح أن غير الأب من الأولياء لا يجوز له تزويج اليتيمة بغير إذنها، مع أنه قريب لها، فمن باب أولى أن لا يجوز ذلك للوصي الذي هو بعيد عن المرأة غالبا. لكن قد يقال: بأنه يجوز للوصي أن يزوج الصغيرة إذا بلغت تسع سنين بإذنها، وقد سبق أن هذا القول هو الصحيح في مسألة تزويج غير الأب والجد من الأولياء لليتيمة، وهذه يتيمة، فيلحق الوصي بهم في الحكم، ومما يؤيد ذلك حديث ابن عمر حينما زوجه قدامة بن مظعون ابنة أخيه عثمان بن مظعون بدون إذنها، وكان وصي أبيها، فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه، وقال:«هي يتيمة، ولا تنكح إلا بإذنها (1)» ، وقدامة رضي الله عنه إنما زوجها بالوصية لا بالقرابة، فقد كان هناك من هو أولى بتزويجها من قدامة لولا الوصية، كأخيها السائب بن عثمان بن مظعون، وهو صحابي بدري عاش إلى زمن أبي بكر رضي الله عنه (2)، وأيضا فإن قدامة وابن عمر نصا في هذا الحديث على الوصية، فدل على أن قدامة إنما زوج ابنة أخيه بموجبها، وإلا كان ذكرهما للوصية ضائعا (3)، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على قدامة تزويج اليتيمة مطلقا، وإنما أنكر عليه تزويجها بغير إذنها، وأمره ألا يزوجها إلا بإذنها (4)، واليتيمة من لم تبلغ، لحديث:«لا يتم بعد احتلام (5)» ، فحديث ابن عمر صريح في صحة تزويج الوصي لليتيمة المميزة قبل بلوغها إذا أذنت، وعدم جواز تزويج اليتيمة غير المميزة، لأنه ليس لها إذن معتبر، وقد جاء النهي في هذا الحديث وغيره عن تزويج اليتيمة بغير إذنها. والله أعلم.
(1) رواه الإمام أحمد 2/ 130، والدارقطني في النكاح 3/ 230، ومن طريقة الخطيب في المبهمات ص 521، والبيهقي في النكاح باب ما جاء في إنكاح اليتيمة 7/ 120 عن يعقوب - وهو ابن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن ابن إسحاق حدثني عمر بن حسين بن عبد الله مولى آل حاطب عن نافع به، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، عدا ابن إسحاق صاحب المغازي وهو " صدوق مدلس " كما في التقريب 2/ 144، وقد صرح بالتحديث. ورواه الدارقطني 3/ 229 من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عمر بن حسين عن نافع عن ابن عمر أنه تزوج بنت خاله عثمان بن مظعون، قال: فذهبت أمها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي تكره ذلك، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها، ففارقها، وقال:" لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن، فإذا سكتت فهو إذنها " فتزوجها بعد عبد الله المغيرة بن شعبة. وإسناده حسن، رجاله ثقات، عدا ابن أبي فديك، وهو " صدوق " كما في التقريب 2/ 145. والحديث قال عنه الهيثمي في المجمع 4/ 280:" رواه أحمد، ورجاله ثقات " وحسنه الشيخ محمد ناصر الدين في الإرواء 6/ 2331، رقم (1835).
(2)
انظر ترجمة السائب في الطبقات الكبرى 4/ 401، 402، وسير أعلام النبلاء 1/ 163، 164.
(3)
انظر شرح الزركشي 5/ 100.
(4)
والظاهر من حال ابنه عثمان بن مظعون رضي الله عنه أنها كانت مميزة. انظر شرح الزركشي 5/ 100.
(5)
رواه أبو داود في الوصايا باب متى ينقطع اليتم 3/ 115، رقم (2873)، وعبد الرزاق (كما في تفسير ابن كثير 1/ 298)، والطحاوي في مشكل الآثار 1/ 280، والطبراني في الصغير ص 96، والخطيب في تاريخ بغداد 5/ 299 من طرق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال الهيثمي 4/ 334:" رواه الطبراني في الصغير، ورجاله ثقات "، وقال النووي في رياض الصالحين ص 569 " رواه أبو داود بإسناد حسن " وقال الحافظ في التلخيص 3/ 101: أعله العقيلي وعبد الحق وابن القطان والمنذر وغيرهم، وحسنه النووي متمسكا بسكوت أبي داود عليه ". ورواه عبد الرزاق في الطلاق باب لا رضاع بعد الفطام 7/ 464، وأبو داود الطيالسي ص 243 رقم (1767)، والبيهقي في الخلع والطلاق باب الطلاق قبل النكاح 7/ 320، وابن عدي في الكامل 2/ 853 من طريقين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وأعل الشيخ محمد ناصر الدين في الإرواء 5/ 80 - 83 جميع طرق حديث علي، حيث ذكر أن في إحدى طرقه متروكا وفي الأخرى رجلان لا يعرفان، وفي الثالثة مجهول، وأعل طريقي حديث جابر بأن في إحداهما متروكين وفي الأخرى رجل ضعيف، وقوى هذه الطرق برواية الحديث عن ابن عباس موقوفا عليه. وروى هذا الحديث الطبراني في الكبير 4/ 14، رقم (3502) عن محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا سلم بن قتيبة حدثنا ذيال بن عبيد سمعت جدي حنظلة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتم بعد احتلام، ولا يتم على جارية إذا هي حاضت "، وإسناده حسن، رجاله ثقات، عدا سلم بن قتيبة، وهو صدوق، كما في التقريب 1/ 314، وعدا ذيال بن عبيد، وهو أيضا صدوق كما في التقريب 1/ 239، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 226: " رجاله ثقات "، وقال الحافظ في التلخيص: " إسناده لا بأس به ".