الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتعلم الرمي أو غيره من وسائل الفروسية والقوة، أو الأعمال النافعة نعمة من نعم الله تعالى على العبد، وكفر هذه النعمة إهمالها وتركها.
وقد امتن تعالى على نبيه داود عليه السلام بأن علمه صنعة الدروع، وأمره وقومه بالقيام بحقها من الشكر {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (1).
(1) سورة الأنبياء الآية 80
رعاية شئون الأسرة:
وأوجب الإسلام على المسلم رعاية شئون أهله وأسرته، ولم يبح له أن يفرط في حقوقهم الدنيوية والأخروية، ومن حقوقهم الدنيوية أن يؤمن لهم قدرا كافيا من التعليم ومن القوت حتى تتسنى لهم الحياة الكريمة التي يترفعون بها عن الحاجة للناس، وهذا يتطلب منه العمل والجد ليوفر لهم ما يعيشون به كرماء أعزاء، دون إهمال لحقوقهم الأخروية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن عليه قوته (1)» ، وقال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:«إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس (2)» .
(1) أخرجه مسلم (الزكاة 2/ 692).
(2)
أخرجه البخاري (الجنائز 3/ 164)، ومسلم (الوصية 3/ 1251).
أي المكاسب أفضل:
اختلف العلماء أي المكاسب أفضل، مع اتفاقهم على أن العمل كله فاضل إذا كان مشروعا. فمنهم من ذهب إلى أن أفضل المكاسب الزراعة، ومنهم من رأى أن أفضلها كسب اليد أي الصناعة، وذهب آخرون إلى تفضيل التجارة على غيرها، وفريق آخر رأى أن أفضل المكاسب على الإطلاق ما يكتسب من أموال الكفار المحاربين عن طريق الجهاد في سبيل الله.
قال الماوردي: أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة، والأشبه بمذهب الشافعي أن أطيبها التجارة وقال: والأرجح عندي أن أطيبها الزراعة؛ لأنها أقرب إلى التوكل، قال النووي: والصواب أن أطيب الكسب ما كان بعمل اليد، فإن كان زراعة فهو أطيب الكسب لما يشمل عليه من كونه عمل اليد، ولما فيه من التوكل، ولما فيه من النفع العام للآدمي والدواب، ولأنه لا بد فيه في العادة أن يؤكل منه بغير عوض (1).
وقال ابن حجر: وفوق ذلك من عمل اليد ما يكتسب من أموال الكفار بالجهاد وهو مكسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو أشرف المكاسب لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى، وخذلان كلمة أعدائه والنفع الأخروي. قال: ومن لم يعمل بيده فالزراعة في حقه أفضل، ثم قال: والحق أن ذلك مختلف المراتب، وقد يختلف اختلاف الأحوال والأشخاص، والعلم عند الله تعالى (2).
وقال العيني: ينبغي أن يختلف الحال في ذلك باختلاف حاجة الناس، فحيث كان الناس محتاجين إلى الأقوات أكثر كانت الزراعة أفضل للتوسعة على الناس (3).
وباستعراض هذه الأقوال وغيرها يتبين لنا فضل العمل، وكسب اليد، ولا ريب أن الأعمال والمهن المشروعة كلها فاضلة، وإن كان بعضها أفضل من بعض، وأفضلها أعظمها نفعا للأمة وأعمها خيرا وفائدة لها، وأكثرها سدا لحاجاتها.
وتظهر لنا من خلال ذلك نظرة العلماء الواعية في مجال بناء المجتمع الإسلامي وتكافله على أساس الإفادة من جميع الطاقات، وتوزيع المهن
(1) النووي، شرح صحيح مسلم (10/ 213)، ابن حجر، فتح الباري (4/ 304).
(2)
ابن حجر، فتح الباري (4/ 304).
(3)
بدر الدين العيني، عمدة القاري (12/ 155).