الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا النكاح محرما فيكون استمتاع الرجل بالمرأة محرما، فضلا عما في ذلك من ظلم للصغيرة وسلب لحقوقها.
لذلك كله أحببت أن أجمع مسائل هذا الموضوع في رسالة مستقلة، ليتضح الحق لطالبه، وتقوم الحجة على من خالفه.
وقد اشتمل هذا البحث على أربعة مباحث وخاتمه:
المبحث الأول: تزويج الأب البكر الصغيرة.
المبحث الثاني: تزويج غير الأب من الأولياء للبكر الصغيرة.
المبحث الثالث: تزويج الوصي للبكر الصغيرة.
المبحث الرابع: تزويج الثيب الصغيرة.
أما الخاتمة فقد تضمنت أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث. أسأل الله أن ينفع بهذا العمل كاتبه وقارئه وجميع المسلمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه سلم.
-
تزويج الأب البكر الصغيرة
أجمع أهل العلم على أن إنكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء.
ولم يخالف في ذلك إلا ابن شبرمة، وعثمان البتي والأصم، فقد نقل عن ابن شبرمة أنه قال بعدم صحة تزويج الأب ابنته التي لا يوطأ مثلها، ونقل عنه وعن عثمان البتي وأبي بكر الأصم المعتزلي أنهم قالوا: لا يجوز للأب إنكاح ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذن.
وخلاف هؤلاء في هذه المسألة خلاف شاذ، لا يعتد به، لأنه لا دليل عليه، ولمخالفته الكتاب والسنة (1) وما روي عن أكابر الصحابة، ولمخالفته النظر الصحيح.
فهو مخالف لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (2) فجعل للتي لم تحض - وهي الصغيرة التي لم تبلغ بعد - عدة ثلاثة أشهر، ولا يكون عدة إلا من طلاق أو فسخ في نكاح، فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق، ولا إذن لها فيعتبر. ومخالف لحديث عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين (3)» .
(1) عمدة القاري 20/ 126، أحكام القرآن للجصاص 2/ 346.
(2)
سورة الطلاق الآية 4
(3)
رواه البخاري في مناقب الأنصار باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وقدومه المدينة وبنائه بها (فتح الباري 7/ 223 رقم 3894)، وفي النكاح باب إنكاح الرجل ولده الصغار، وباب تزويج الأب ابنته من الإمام (فتح الباري 9/ 190، رقم 5133، 5136)، ومسلم في النكاح باب جواز تزويج الأب البكر الصغيرة (شرح مسلم 9/ 206 - 208). ورواه مسلم في الموضع السابق بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين، ولعبها معه، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة. قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 207:" وأما قولها في رواية: " تزوجني وأنا بنت سبع "، وفي أكثر الروايات: " بنت ست "، فالجمع بينهما أنه كان لها ست وكسر، ففي رواية اقتصرت على السنين، وفي رواية عدت السنة التي دخلت فيها ".
ومعلوم أن عائشة رضي الله عنها في هذه السن ليست ممن يعتبر إذنها (1).
وقد اعترض ابن شبرمة على الاستدلال بحديث عائشة السابق بأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم (2).
ويمكن أن يجاب عن اعتراضه بأن الأصل في أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم أنها تشريع لأمته، إلا إذا جاء دليل يدل على أن هذا الأمر خاص به صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (3)، ولا دليل على أن هذا الحكم خاص به صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيكون عاما في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حق غيره (4)، ولو كان خاصا به صلى الله عليه وسلم ما فعله بعض الصحابة رضي الله عنهم كما سيأتي قريبا.
أما مخالفته لما روي عن أكابر الصحابة رضي الله عنهم فإن الزبير بن العوام رضي الله عنه زوج ابنته قدامة بن مظعون رضي الله عنه حين نفست بها أمها.
وهذه القصة في مظنة الشهرة بين الصحابة، ولم ينكرها أحد منهم فتكون حجة (5).
(1) المغني 6/ 487، شرح الزركشي 5/ 79.
(2)
المحلى 9/ 459، فتح الباري 9/ 190.
(3)
سورة الأحزاب الآية 21
(4)
المحلى 9/ 460.
(5)
فتح القدير لابن الهمام 3/ 274.
وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه زوج ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة.
وروي أيضا تزويج الصغيرة أو القول بصحة تزويج الأب للصغيرة عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
وأما مخالفته للنظر الصحيح فإنه من المعلوم أن الكفء عزيز وجوده، وقد يكون هناك حاجة ماسة للصغيرة تقتضي تزويجها في وقت من الأوقات، كأن تكون في زمان أو مكان كثرت فيه الفتن، أو يكون والدها فقيرا معدما أو عاجزا عن الكسب أو عن رعاية أسرته لأي سبب من الأسباب، فتحتاج الصغيرة إلى من يحفظها ويصونها وينفق عليها.
ولذلك فإنه من المصلحة للصغيرة أن يعطى من لديه الحرص على مصلحتها والشفقة عليها كأبيها الحق في تزويجها من يرى أن مصلحتها في الزواج منه، وعدم تضييع وتفويت الكفء الذي لا يوجد في كل وقت، والذي يحصل لها غالبا بزواجها منه مصالح كثيرة في حاضرها ومستقبلها في دينها ومعيشتها وغير ذلك (1).
ولذلك فإنه يجب على الأب أن يتقي الله جل وعلا، وأن يقوم بهذه الأمانة التي حمله الله إياها خير قيام، وأن يكون هدفه عند تزويج ابنته الصغيرة
(1) المبسوط 4/ 212، 213، المستصفى 1/ 289، 290.
مراعاة مصالحها، لتتحقق هذه المصالح الكثيرة.
هذا، ومن أجل ضمان تزويج الأب ابنته الصغيرة ممن في زواجها منه مصلحة لها فقد ذكر بعض العلماء لصحة تزويجه إياها شروطا أهمها:
ا - ألا يكون بينها وبين والدها عداوة ظاهرة.
2 -
ألا يكون بينها وبين الزوج عداوة.
3 -
ألا يزوجها بمن في زواجها منه ضرر بين عليها كهرم ومجبوب ونحو ذلك.
4 -
أن يزوجها بكفء غير معسر بصداقها (1).
وإذا زوج الأب ابنته البكر الصغيرة من كفء فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا خيار لها إذا بلغت، وممن قال بذلك مالك والشافعي وأحمد وعامة أهل الحجاز (2) وأبو حنيفة (3)، وهو مذهب الحنفية؛ وذلك لأن الأب كامل الشفقة، فيلزم العقد بمباشرته له (4).
وذهب طاوس بن كيسان اليماني رحمه الله إلى أن للصغيرة الخيار عند بلوغها فيما إذا زوجها الأب، واستدل ابن سماعة رحمه الله لهذا القول بأن
(1) المبدع 7/ 23، مغني المحتاج 3/ 149، نهاية المحتاج 3/ 228، 229، الإقناع للشربيني 2/ 128.
(2)
مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله ص 325، التمهيد 19/ 98، شرح صحيح مسلم 9/ 206.
(3)
الحجة على أهل المدينة 4/ 140، 141.
(4)
الهداية للمرغيناني 1/ 198.