الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإنساني، مع أنه وسيلة مقدسة للاندماج المشروع، من خلال حياة كريمة يرضاها الله ويحبها الجميع " (1). وهذا كله يؤدي إلى انهيار المجتمع، وتقويض أركانه، وتصدع بنيانه.
وهكذا يسعى الإسلام بالزواج إلى تحقيق التوازن الجنسي، من غير إفراط أو تفريط، لتلبية الغريزة الجنسية واعتدالها، وهو موقف مغاير لموقف الكنيسة الكاثوليكية، التي وقفت منها موقف النكران، ومغاير للحضارة الغربية الحديثة، التي وقفت منها موقف الإباحية والطوفان (2).
(1) لمحات عن منهجية الحوار والتحدي الإعجازي للإسلام 95.
(2)
راجع هذا الموضوع في كتاب " الإسلام وبناء المجتمع " 133 - 140.
3 -
تحقيق السكن النفسي:
اقتضت حكمة الله تعالى أن يشب الأفراد على الانتماء الأسري والشعور العائلي، والاختصاص الزوجي، لتحقيق السكن النفسي، فالفرد يقبل على الحياة الاجتماعية بالتكوين، ثم يتوافق مع مهنته المناسبة، ويملك الباءة، ثم لا يلبث أن يجد في أعماقه تطلعا فطريا، وشوقا نفسيا نحو الزواج، وإحساسا غريزيا بالحاجة إلى شريك حياة، يملأ عليه قلبه وروحه، ويشاركه مشاعره من خلال أسرة مستقلة.
وقد خلق الله تعالى غريزة الميل العاطفي بين الذكر والأنثى، بصورة تلقائية تنبع من أعماق النفس، يقبل من خلالها كل منهما نحو الآخر، ويتقارب منه، ويشتد إليه، تحقيقا لهذا الميل والإحساس والتطلع، ثم بالزواج يجد كل من الزوجين صديق عمره، وشريك حياته، فيتحقق لهما السكن النفسي مصداقا لقوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (1) إن الوحدة تلحق بالإنسان الضجر والوحشة، ولهذا كان من حكمة الله
(1) سورة الروم الآية 21
في الزواج، تحقيق السكن النفسي، قال ابن عباس:" لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصوى، من شقه الأيسر، ليسكن إليها، ويستأنس بها "(1)، وذلك لأن كل واحد من الزوجين يجد أنيسه وجليسه الذي يغذيه ويسليه، وينسيه وحشته وهمومه.
وقد تظهر بعض الفوارق، أو المتناقضات في بداية الحياة الزوجية بين الزوجين، مما يوهم بأن الزواج لم يحقق لهما الطموح الروحي والسكن النفسي، وهذا أمر طبيعي، نظرا لاختلاف كل منهما في الطباع والعادات والميول في بادئ الأمر، إلا أنه بالتقوى والصبر منهما على بعضهما، والنية الصالحة في استمرارهما وائتلافهما، سرعان ما تتبدد وتزول كل الفوارق والعقبات، لتحل محلها السكينة والمودة والمحبة، وتقارب الطباع والنفوس والأنفاس.
ذلك أنه بالعشرة الزوجية المستمرة، تتلاقى خواص الزوجين وأمزجتهما وطباعهما، حتى تكاد تصير واحدة، ويمسي كل منهما لبوسا للآخر، وظلا ظليلا له قال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (2)، وبذلك يتحول الزواج مع الزمن واستمرار العشرة - من مجرد إرواء جنسي إلى دوحة نفسية، يجد فيها الزوجان حياتهما النفسية والروحية مفعمة بالحب والأشواق والوفاق، وتختفي مظاهر البعد والشقاق بينهما.
وهذا السكن النفسي له قيمة كبرى في التمتع بالحلال، وهو الفارق الحاسم بين النكاح وبين السفاح، فحياة الزوجين، ولقاؤهما وإقبالهما على بعض، وسفورهما أمام بعضهما سكينة واطمئنان، من غير توجس أو حياء، ونفورهما من هذه الطباع بغير زواج سر من أسرار الله تعالى في تأليف العواطف وتقارب النفوس، وهو رحمة وتوفيق منه بين الزوجين. قال تعالى:{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (3)، وقال تعالى:{وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (4)،
(1) الجامع لأحكام القرآن 1: 301.
(2)
سورة البقرة الآية 187
(3)
سورة الروم الآية 21
(4)
سورة الأعراف الآية 189