الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
في القادسية:
وقاتلت بجيلة بقيادة جرير تحت لواء سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية الحاسمة التي فتحت أبواب العراق للمسلمين بعد انتصارهم على الفرس، وكان تعداد بجيلة يومئذ يقدر بألفي مقاتل (1) وكان بسعد عرق النسا ودماميل، فاستخلف خالد بن عرفطة (2) على الناس، فاختلف عليه الناس، فقال:" احملوني وأشرفوا بي على الناس " فارتقوا به، فأكب مطلعا عليهم: يأمر خالدا، فيأمر خالد الناس، وكان ممن شغب على سعد وجوه من وجوه الناس، فهم بهم سعد وأراد معاقبتهم عقابا صارما، ولكنه اكتفى بحبسهم في القصر. فقال جرير:" أما إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أسمع وأطيع لمن ولاه الله الأمر وإن كان عبدا حبشيا "(3) فما وافق على الفتنة، وعمل جاهدا على إطفاء نارها.
وجعل سعد على ميمنة الناس جريرا (4) في ترتيباته التعبوية للمعركة، كما جعل على الميسرة قائدا من قادته الآخرين، مما يدل على أن جريرا كان قائدا بارزا من قادة سعد في القادسية.
وكان لجرير وبجيلة قومه أثر عظيم في انتصار المسلمين على الفرس في هذه المعركة الحاسمة، ففي الأول من أيام القادسية (يوم أرماث). وجه الفرس ثلاثة عشر فيلا، وفي رواية أخرى ستة عشر فيلا إلى مواقع بجيلة، ففرقت بين الكتائب وأذعرت الخيل، وكادت بجيلة أن تفنى عن بكرة أبيها
(1) الطبري (3/ 486).
(2)
خالد بن عرفطة العذري: انظر سيرته المفضلة في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة (301 - 305).
(3)
الطبري (3/ 531).
(4)
الطبري (3/ 575).
بعد فرار خيلها ذعرا من الفيلة، ولكن مشاة (الرجالة) بجيلة ثبتوا في مواضعهم ثبات الأبطال، وأعانهم على الثبات تدارك سعد لهم ببني أسد الذين هاجموا الفيلة وحماتها هجوما عنيفا بقيادة طليحة الأسدي، فاستطاعوا بمعاونة ربيعة بقيادة الأشعث بن قيس الكندي بعد جهد جهيد وعناء شديد أن يجعلوا الفيلة والقوات الفارسية التي تساندها تولي الأدبار (1).
وتركت بجيلة كثيرا من الشهداء في ساحة المعركة، ولكن ثباتها المدهش العنيد، أتاح للمسلمين تدارك الموقف الخطير الذي كان نتيجة من نتائج هجوم فيلة الفرس على قواتهم.
وفي ليلة اليوم الرابع من أيام القادسية (ليلة الهرير) حملت بجيلة على القوات الفارسية مع من حمل عليها من القبائل العربية، غير منتظرة أمر سعد بالحملة، فعذرها سعد قائلا:" اللهم اغفرها لهم وانصرهم " فقضوا في تلك الليلة على عدد ضخم من الفرس، وفي بلاء بجيلة بقيادة جرير، قال سعد:
وما أرجو بجيلة غير أني
…
أؤمل أجرهم يوم الحساب
فقد لقيت خيولهم خيولا
…
وقد وقع الفوارس في ضراب
وقد دلفت بعرصتهم فيول
…
كأن زهاءها إبل جراب (2)
وكان سعد في شعره هذا يرد على قول جرير:
أنا جرير كنيتي أبو عمرو
…
قد نصر الله وسعد في القصر
ولما فر الفرس من ساحة المعركة، وجه سعد عياض بن غنم (3)، وجعل على مقدمته هاشم بن عتبة بن أبي وقاص (4) وعلى ميمنته جرير وعلى ميسرته
(1) الطبري (3/ 583 - 540) وابن الأثير (2/ 471 - 472).
(2)
في البيت إقواء، والزهاء: العدد الكثير والفخر أيضا.
(3)
عياض بن غنم: انظر سيرته المفصلة في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة (419 - 479).
(4)
هاشم بن عتبة بن أبي وقاص: انظر سيرته المفصلة في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة (321 - 330).