الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون الراجح من المذهب موضع ادعاء يجد كل مدع في كتب المذهب ما يؤيده ويسند دعواه مما كان لذلك أثره الواضح في اختلاف الأحكام في القضايا المتشابهة مما في أحكامها الخلاف القوي، كمسائل الشفعة والرهن والقسامة وإجبار الأب ابنته البكر البالغ على الزواج، والإقطاع من حيث اعتباره اختصاصا أو تمليكا، ومسألة الجد مع الإخوة واشتراط مطالبة المسروق منه في القطع وتكرار الإقرار فيه مرتين، إلى غير ذلك من مسائل الخلاف بل قد يقع اختلاف الأحكام من القاضي نفسه، كما كان الحال من أحدهم حيث حكم في قضيتي رهن لم يقبض بلزومه في إحداهما وعدم لزومه في الأخرى، وقد لا يتجه الإيراد على ذلك بما قاله عمر رضي الله عنه: (ذلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي إذ إن قضاة زماننا لا يمكن لأحد منهم مهما كانت حصيلته العلمية أن يكون في درجة عمر وأضرابه رضي الله عنهم بمن هم في مستوى يمكنهم من الاجتهاد المطلق بل قد يكون التردد في إلحاق أغلبهم بمرتبة علمية يجوز لأصحابها تقلد القضاء والفتوى، وقد كان للضرورة حكمها في قبول ذلك.
ثالثا: مما سبق يتضح أن المسألة ليست وليدة التفكير، وأن إلزام القضاة بالحكم بمذهب إمام بعينه كان موضع التنفيذ في أماكن من البلاد الإسلامية المختلفة وفي أعصار متفاوتة ولا يزال العمل بذلك حتى وقتنا هذا بل وفي بلادنا بالذات. وأقوال أهل العلم في اعتبار ذلك وإجازته كثيرة نذكر منها ما يلي: -
المذهب الحنفي:
قال (1) ابن عابدين: لو قضى المجتهد فيه مخالفا لرأيه فيه ناسيا نفذ عنده، وفي العامد، روايتان، وعندهما لا ينفذ في الوجهين، واختلف
(1) حاشية ابن عابدين 4/ 498.
الترجيح. قال في الفتح: والوجه الآن أن يفتي بقولهما لأن التارك لمذهبه عمدا لا يفعله إلا لهوى باطل، وأما الناسي فلأن المقلد ما قلده إلا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره، هذا كله في القاضي المجتهد، وأما القاضي المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم.
وقال أيضا تحت مطلب قضاء القاضي بغير ما ذهب ما نصه:
وحاصل هذه المسألة أنه يشترط لصحة القضاء أن يكون موافقا لرأيه أي لمذهبه مجتهدا كان أو مقلدا فلو قضى بخلافه لا ينفذ لكن في البدائع إذا كان مجتهدا ينبغي أن يصح، ويحمل على أنه اجتهد فأداه اجتهاده إلى مذهب الغير.
ويأخذ (1). القاضي كالمفتي بقول أبي حنيفة على الإطلاق ثم بقول أبي يوسف، ثم بقول محمد ثم بقول زفر والحسن بن زياد " وهو الأصح وصحح في الحاوي اعتبار قوة المدرك، والأول أضبط (نهر) ولا يخير إلا إذا كان مجتهدا، المقلد متى خالف معتمد مذهبه لا ينفذ حكمه وينقض هو المختار للفتوى كما بسطه المصنف في فتاويه وغيره. . وفي القسهتاني وغيره.
وقال (2). ابن عابدين: ولو قيد السلطان القاضي بصحيح مذهبه كما في زمننا تقيد بلا خلاف، ولو قيده بضعيف المذهب فلا خلاف بعدم صحة حكمه.
وقال (3). أيضا نقلا عن معروضات أبي السعود: إن العبد الآبق إذا كان من عبيد العسكرية فقد صدر الأمر السلطاني بمنع القضاة من بيعه كيلا يتخذ العبيد الإباق وسيلة للتخلف من خدمة الجيش - ثم قال - وحينئذ لا يصح بيع هؤلاء العبيد بل يؤخذون من مشتريهم ويرجع المشتري بالثمن، وكذلك بيع العبيد الآبقين من الرعايا إذا بيعوا بغبن فاحش، وبذلك ورد الأمر السلطاني
(1) حاشية ابن عابدين 5/ 400.
(2)
ابن عابدين 4/ 369.
(3)
حاشية ابن عابدين 3/ 325.