الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشجر العظيم له زهر أصفر والزيتون، وحفروا فيها الترع والقنوات التي لا تزال باقية وأنشئوا فيها المجاري المعقوفة التي كانت مجهولة قبلهم (1).
(1) غوستاف لوبون، حضارة العرب (ص274، 310).
متى يتحقق الأجر في الزراعة:
لا يختص ثبوت الأجر على الزراعة لمن باشر ذلك بيده وحسب، بل يشمل من استعمل ماله لذلك بشراء الأرض، واستئجار العمال، واستشارة المهندسين والمرشدين الزراعيين، وشراء الآلات الزراعية للحرث والحصاد، واحتفار الآبار وغير ذلك.
قال المناوي: ولا يختص - أي ثبوت الأجر - بمباشرة الغرس أو الزرع بل يشمل من استأجر لعمله (1).
لكن لا بد من مراعاة بعض الأمور حتى يتحقق للإنسان أجره كاملا في هذا الصدد منها:
أولا: النصح في العمل، وذلك بأن يخلص في عمله ويتقنه ما استطاع، وأن لا يكون قصده النفع الدنيوي فحسب بل التوسعة على المسلمين في أقواتهم وأسعارهم قال ابن المنذر: إنما يفضل عمل اليد سائر المكاسب إذا نصح العامل (2). ومن النصح في العمل مراعاة حاجة البلد من الثمار والحبوب، والسعي لتحسين المحصول، وتحسين الأنواع لا أن يكون قصده مضاهاة غيره ومنافستهم في الأسواق.
ثانيا: أداء حق الله تعالى في هذه المزروعات وذلك بأن يخرج زكاة ما تجب فيه الزكاة منها، وأن يكون للفقراء والمحتاجين والأقربين نصيب مما ليس فيه زكاة منها. قال تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (3) وزكاة المزروعات البعلية التي تسقى بماء المطر العشر، وذلك إذا بلغت خمسة أوسق -
(1) المناوي، فيض القدير (5/ 496).
(2)
انظر فتح الباري (4/ 306).
(3)
سورة الأنعام الآية 141
وأما ما يسقى بالنضح أي بجهد العامل ففيه نصف العشر، سواء أكان النضح من الآبار الأرتوازية المحفورة في الأرض أم من العيون التي تحتاج إلى نقل، واستعمال الآلات، أم مما ينقل بواسطة سيارات الصهاريج المائية أم غير ذلك مما يبذل المزارع فيه جهدا لإيصال الماء إلى مزروعاته، ولو كان عن طريق الآلات الزراعية التي توفر على الإنسان مزيدا من الجهد والمشقة، كالمحاور الزراعية، ورشاشات الماء، واستعمال المواسير والتمديدات، والتنقيط وغير ذلك.
ثالثا: أن لا يعتقد أن الرزق من الكسب أو من الأرض بل من الله تعالى يسره وسخره، وهيأه له بهذه الواسطة ولولا فضل الله تعالى لم يكن ذلك قال الحافظ ابن حجر:" ومن شرطه - أي الكسب - أن لا يعتقد أن الرزق من الكسب بل من الله تعالى بهذه الواسطة "(1).
قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} (2){أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (3){لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} (4){إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} (5){بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} (6).
أي أرأيتم ما تبذرونه في الأرض وتعملونه أأنتم تخرجونه وتنبتونه، وتردونه نباتا يرف وينمى إلى أن يبلغ الغاية، وأضاف تعالى الحرث إليهم والزرع إليه لأن الحرث فعلهم ويجري على اختيارهم، والزرع من فضل الله تعالى وينبت على اختياره لا على اختيارهم (7). روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت؛ فإن الزارع هو الله (8)» .
(1) ابن حجر، فتح الباري (4/ 306).
(2)
سورة الواقعة الآية 63
(3)
سورة الواقعة الآية 64
(4)
سورة الواقعة الآية 65
(5)
سورة الواقعة الآية 66
(6)
سورة الواقعة الآية 67
(7)
انظر القرطبي، الجامع لأحكام القرآن.
(8)
أخرجه البزار (كشف الأستار 2/ 96)، والطبري، والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم من طريق مسلم الجرمي، وضعفه البيهقي، قال الحافظ ابن حجر: الحديث قوي، ورجاله ثقات إلا أن مسلما الجرمي قال فيه ابن حبان: ربما أخطأ (فتح الباري 5/ 4).
فالله تعالى يبين في الآيات المتقدمة وغيرها فضله على عباده، وجميل لطفه بهم وأنه برحمته ولطفه أنبت لهم الزرع، وأنزل لهم الماء الذي يحيي به الأرض بعد موتها، ويسقيه مما خلق أنعاما وأناسي كثيرا، وأنه برحمته أنزله عذبا طهورا صالحا للشرب والسقي، ولو شاء لجعله زعافا أجاجا لا يصلح للشرب ولا للزرع، ولا لسقي الدواب.
وقد يخيل لبعض الناس أن هذا الأمر لا علاقة له بالإنتاج الزراعي أو جودة المحاصيل، وزيادة الغلة، ولكن الحقيقة أن أحوال البشر على هذه الأرض شدة ورخاء، أو نعمة وبلاء، أو خصبا وجدبا مرتبطة بأعمالهم وفق سنن إلهية لا تتغير، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (1).
وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (2){وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} (3).
وقال تعالى ذكره حكاية عن نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} (4){يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} (5){وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (6).
رابعا: أن لا يكون المغروس أو المزروع في أرض مغصوبة أو مأخوذة من أصحابها بطريق الظلم والاحتيال.
(1) سورة الأعراف الآية 96
(2)
سورة المائدة الآية 65
(3)
سورة المائدة الآية 66
(4)
سورة نوح الآية 10
(5)
سورة نوح الآية 11
(6)
سورة نوح الآية 12
وقد عم بلاء الاعتداء على الأرض في أيامنا هذه، خاصة بعد ارتفاع أسعارها فلجأ بعض الناس إلى الاستيلاء على أراضي الآخرين غصبا وظلما، أو احتيالا بأرخص الأسعار أو بتزوير الوثائق والحجج، أو الاعتداء على الحدود ومنارات الأرض وتغيير معالمها، وكل هذا من الظلم الذي حرمه الله تعالى، وجعل لصاحب الحق الاقتصاص من الظالم يوم القيامة بقدر حقه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء (1)» .
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين (2)» .
إنه طوق خزي وقلادة عار يقلدها الظالم المعتدي يوم القيامة فيكلفه الله تعالى نقل ما ظلم من الأرض إلى سبع أرضين ويجعله كالطوق في عنقه، وذلك في يوم يود الإنسان فيه لو تخفف من جلده وبعض أعضائه لما يجد من العرق والحر والهول، في يوم مقداره خمسين ألف سنة.
خامسا: أن لا يكون المزروع أو المغروس مما حرم الله تعالى من النباتات الخبيثة التي ثبت ضررها وفتكها بالصحة، أو تأثيرها على العقل والحواس، كالحشيش وما كان من جنسه، وكذلك الدخان لما ثبت من إضراره بالصحة، ويلتحق بهذا مما يزرع لغرض محرم كزراعة العنب بقصد اتخاذه خمرا أو لصناعة النبيذ أو زراعة الشعير لهذا الغرض، أو زراعة الخشخاش للحصول على المخدرات منه، وغير ذلك.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حبس العنب أيام القطاف حتى
(1) أخرجه مسلم (البر والصلة 4/ 1997).
(2)
أخرجه البخاري (المظالم 5/ 103) ومسلم (المساقاة 3/ 1232).