الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تزويج الثيب الصغيرة
للعلماء في هذه المسألة أقوال:
القول الأول:
أنه لا يجوز تزويجها بغير رضاها، وأنها لا تزوج حتى تبلغ فتأذن، وبهذا قال الإمام الشافعي (1)، وهو وجه في مذهب الحنابلة.
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة أهمها:
الدليل الأول:
ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها (2)» ، وفي رواية «الأيم أحق بنفسها (3)» .
الدليل الثاني:
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر، فقيل: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: إذا سكتت (4)» ، وفي رواية:«لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن (5)» .
(1) الأم 5/ 18، الفتح 9/ 193، رحمة الأمة ص 213، 214، مغني المحتاج 3/ 149.
(2)
صحيح مسلم النكاح (1421)، سنن الترمذي النكاح (1108)، سنن النسائي النكاح (3260)، سنن أبو داود النكاح (2098)، سنن ابن ماجه النكاح (1870)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 274)، موطأ مالك النكاح (1114)، سنن الدارمي النكاح (2190).
(3)
رواه مسلم في كتاب النكاح باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت 9/ 204، 205.
(4)
رواه البخاري في كتاب الحيل باب في النكاح 12/ 339، رقم (6968).
(5)
أخرج هذه الرواية الإمام البخاري في كتاب النكاح باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما 9/ 191، رقم (5136)، ومسلم في النكاح باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت 9/ 202.
قالوا: المراد بالأيم في الحديثين " الثيب " بدليل التصريح بذلك في الروايات الأخرى، ولورودها في الحديثين في مقابل البكر (1).
الدليل الثالث:
ما رواه عدي بن عدي الكندي عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شاوروا النساء في أنفسهن، فقيل له: يا رسول الله إن البكر تستحي، قال: الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها (2)» .
قالوا: عموم هذه الأحاديث يدل على أن الثيب صغيرة أو كبيرة لا تزوج إلا بإذنها (3).
الدليل الرابع:
أن الثيوبة دليل العلم بمصالح النكاح، لأن الثيب قد اختبرت المقصود،
(1) معالم السنن 3/ 43.
(2)
رواه الإمام أحمد 4/ 192، والبيهقي في كتاب النكاح باب إذن البكر الصمت وإذن الثيب الكلام 7/ 123 من طريق الليث قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن عدي الكندي به. وروى جزأه الأخير الإمام أحمد 4/ 192، وابن ماجه في النكاح باب استئمار البكر والثيب 2/ 602، رقم (1872)، والطحاوي في مشكل الآثار في باب تزويج الأب ابنته البكر هل يحتاج في ذلك إلى استئمارها؟ 4/ 368، والطبراني في معجمه الكبير17/ 108، رقم (264)، وابن أبي شيبة في مسنده (كما في الإرواء 6/ 234) من طريق الليث به كسابقه. ورجال هذا الإسناد ثقات، لكنه منقطع، عدي بن عدي لم يسمع من أبيه كما قال أبو حاتم، انظر الجرح والتعديل 7/ 3، ولكن يشهد لهذا الحديث الأحاديث السابقة. وروى هذا الحديث بتمامه الطبراني في معجمه الكبير 17/ 138، رقم (342) من طريق سفيان بن عامر عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن عدي بن عدي عن أبيه عن العرس بن عميرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره - قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 279: " رواته ثقات ". وروى جزأه الأخير الطحاوي في شرح معاني الآثار في الموضع السابق، والحربي في غريب الحديث، وابن عساكر في تاريخ دمشق (كما في الإرواء 6/ 235) من طريق يحيى بن أيوب بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين به كالرواية السابقة. ورواه بتمامه أيضا البيهقي في الموضع السابق من طريق يحيى بن أيوب به كما في الرواية السابقة.
(3)
المحلى 9/ 460، شرح الزركشي 5/ 88.
فزالت الجهالة بأمر النكاح، والثيوبة عادة إنما تحصل بعد العقل والتمييز، وهذا كاف لدفع ولاية الإجبار عن الثيب الصغيرة، كما أن من اختبر أمر المال لا يثبت عليه إجبار فيه (1).
الدليل الخامس:
أن في تأخر تزويجها فائدة، وهي أنها مجربة للنكاح، فإذا أخرت حتى تبلغ ويعتبر إذنها، اختارت لنفسها حينئذ ما فيه مصلحتها، فيجب التأخير لذلك، بخلاف البكر، لأنها جاهلة بأمر النكاح (2).
القول الثاني:
أنه يجوز لأبيها أن يزوجها بغير رضاها، وبهذا قال الإمام مالك وهو مذهب الحنفية (3)، ووجه في مذهب الحنابلة.
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة أهمها:
الدليل الأول:
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها (4)» .
(1) بدائع الصنائع 2/ 244، الروايتين والوجهين 2/ 82.
(2)
المغني 6/ 492.
(3)
فتح القدير 3/ 261، 269، بدائع الصنائع 2/ 241، 244.
(4)
رواه أبو داود في النكاح باب في الاستئمار 2/ 231 رقم (2093)، والترمذي في النكاح باب (19) 3/ 408، رقم (1109)، وقال: حديث حسن، والنسائي في النكاح باب استئذان البكر في نفسها 6/ 87، وأحمد 2/ 259، 475، وأبو يعلى 13/ 312، رقم (7328)، وابن حبان في صحيحه الإحسان 6/ 153، رقم 4067، 4074، وعبد الرزاق في النكاح باب استئمار اليتيمة 6/ 145، وابن وهب كما في المدونة 2/ 142، والطحاوي في شرح معاني الآثار باب تزويج الأب ابنته البكر 4/ 464، وابن عبد البر في التمهيد 19/ 99، والبيهقي في النكاح باب ما جاء في إنكاح اليتيمة 7/ 120، وباب إذن البكر الصمت 7/ 122، من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به، ورجاله ثقات عدا محمد بن عمرو، وهو ابن علقمة، وهو " صدوق له أوهام " كما في التقريب 2/ 196، فإسناده حسن كما قال الترمذي، وحسنه الشيخ محمد ناصر الدين في الإرواء 6/ 233، رقم (1834)، وحسنه أيضا الشيخ شعيب الأرناؤوط والشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقهما على زاد المعاد 5/ 101، وحسنه كذلك الشيخ حسين سليم محقق مسند أبي يعلى.
الدليل الثاني:
ما رواه أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت لم تكره (1)» .
قالوا: الحديثان يدلان بمنطوقهما على أن اليتيمة تستأذن، ويدلان بمفهوم المخالفة على أن غير اليتيمة، وهي ذات الأب، بكرا كانت أو ثيبا لا تستأذن إلا ما أجمع عليه عامة أهل العلم من استئمار الثيب البالغ (2).
الدليل الثالث:
أن العلة في الإجبار هي الصغر، لقصور عقل الصغير، بدليل أنه غير مخاطب بالتكاليف الشرعية، ولا يصح تصرفه في ماله، وهذه العلة موجودة في الثيب الصغيرة، فيصح إجبارها على النكاح قياسا على البكر الصغيرة وعلى الغلام الصغير (3)، وعلى القول بأن كلا من الصغر والبكارة علة للإجبار، فإن الحكم إذا ثبت بعلتين مستقلتين فزالت إحداهما ثبت الحكم بالأخرى (4).
قالوا: والأخبار التي تدل على وجوب استئمار الثيب، وكونها أحق بنفسها من وليها محمولة على الثيب الكبيرة، فإنه جعلها أحق بنفسها من وليها، والصغيرة لا حق لها، لقصور عقلها (5).
القول الثالث:
أنه يجوز تزويج بنت تسع سنين بإذنها، ولا يجوز تزويجها قبل ذلك، لأن من تم لها تسع سنين لها إذن صحيح، فلا يصح تزويجها بغير إذنها، وهذا القول وجه في مذهب الحنابلة.
(1) رواه الإمام أحمد 4/ 408، والبزار (كشف الأستار كتاب النكاح باب الاستئمار 2/ 160، رقم 1422)، والدارقطني في النكاح 3/ 242 من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن موسى عن أبي موسى به. وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الصحيحين. ورواه أحمد 4/ 394، 411، والدارمي في النكاح باب في اليتيمة نزوج نفسها 2/ 185، رقم (2185)، والبزار (كشف الأستار، الموضع السابق، رقم 1423)، وأبو يعلى 13/ 5311، رقم (7327)، وابن حبان في صحيحه الإحسان 6/ 155، رقم (4073)، والحاكم في النكاح 2/ 166، 167، وصححه، ووافقه الذهبي وابن أبي شيبة في النكاح باب في اليتيمة من قال: تستأمر في نفسها 4/ 139، والبيهقي في الموضعين السابقين، والطحاوي في الموضع السابق، والدارقطني في النكاح 3/ 241، 242، وابن عبد البر في التمهيد 19/ 99، 100 من طرق عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة به، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات عدا يونس بن أبي إسحاق، وهو " صدوق يهم قليلا " كما في التقريب 2/ 384. وقال الهيثمي:" رجال أحمد رجال الصحيح " مجمع الزوائد 4/ 280، وصححه الشيخ محمد ناصر الدين، انظر السلسلة الصحيحة 2/ 263، وصححه أيضا الشيخ حسين سليم محقق مسند أبي يعلى.
(2)
بداية المجتهد 1/ 366.
(3)
الروايتين والوجهين 2/ 81، المغني 6/ 492.
(4)
عارضة الأحوذي 5/ 27.
(5)
المغني 6/ 493، بدائع الصنائع 2/ 45.
القول الرابع:
أن من دون تسع سنين يجوز لأبيها أن يزوجها، ولا إذن لها فيعتبر، لأنها صغيرة، «أما بنت تسع فأكثر فلا تزوج إلا بإذنها» ، وهذا القول وجه في مذهب الحنابلة.
وأقرب هذه الأقوال إلى الصواب والله أعلم هو القول الأول، لأن عمومات الأحاديث السابقة التي ذكرت ضمن أدلة هذا القول تدل على اعتبار الثيوبة وصفا يمتنع معه الإجبار، وهي صريحة في ذلك، وليس هنالك دليل صحيح صريح يدل على أن الثيب المذكورة في هذه الأحاديث يراد بها الثيب الكبيرة بل هي عامة في الكبيرة والصغيرة، ولا يصح التخصيص بدون دليل. ويمكن أن تناقش أدلة القول الثاني بما يلي:
(أ) أنهم استدلوا بمفهوم حديثي أبي هريرة وأبي موسى رضي الله عنهما، وهذا المفهوم مخالف لمنطوق الأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الأول ودلالة المفهوم ضعيفة، فتقدم دلالة المنطوق على دلالة المفهوم، ولضعف دلالة المفهوم فقد ذهب بعض العلماء إلى أن المفهوم ليس بحجة أصلا (1).
(ب) أما قولهم بأن علة الإجبار هي الصغر فقط، أو الصغر والبكارة، فإذا انتفت إحداهما تعلق الحكم بالأخرى فغير صحيح، بل الصحيح أن علة الإجبار هي الصغر والبكارة معا، وأنه لا بد لصحة الإجبار من وجودهما معا، فإذا انتفت إحداهما لم يصح الإجبار؛ لأن النصوص الشرعية أوجبت استئذان الثيب مطلقا، وأوجبت أيضا استئذان البكر،
(1) نهاية السول 2/ 206