الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكمة الزواج ومنافعه
الدكتور: رجب سعيد شهوان.
الأصل في التشريعات الإسلامية أنها خطاب تعبدي من الله لعباده، ومع هذا فلا بأس أن يستكشف الباحث - فيما وراء ذلك - الحكمة الربانية والخيرية الإنسانية من تشريعات الله لعباده، وسوف نقف في هذا البحث على حكمة الزواج ومنافعه من خلال النقاط الآتية
ا -
المحافظة على النسل واستمراره:
يعتبر الزواج ضرورة إنسانية لحفظ النوع، وخلود الأثر، وبقاء الحياة على الأرض واستعمارها قال تعالى:{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (1)، وتحقيق الخلافة عليها، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} (2)، والعمارة والاستخلاف لا تتحققان بفرد واحد مهما طال عمره، ومهما أوتي من مكانة وقوة، وإنما تتحققان بالكثرة، فكان لا بد من الزواج والتوالد ليكثر النوع، فتعمر الحياة ويتحقق الاستخلاف، وهذا ما أجراه الله تعالى سنة تشريعية في آدم عليه الصلاة والسلام وذريته قال تعالى:{وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} (3).
(1) سورة هود الآية 61
(2)
سورة الأنعام الآية 165
(3)
سورة النساء الآية 1
ولهذا أودع الله تعالى في الإنسان فطرة حب البقاء، والحفاظ على النوع وبقاء الأثر بالزواج والنسل " وهو دافع بلغ من القوة، أن كل مخلوق يبذل أقصى تضحية في سبيل هذا الغرض "(1)، وما الميل والتجاذب بين نوعي الجنس الإنساني وغيرهما إلا سر من أسرار الله تعالى في خلقه لتحقيق هذا الهدف، قال تعالى:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (2)، قال ابن عباس: هو الولد، وقاله مجاهد والحكم وعكرمة والحسن البصري والسدي والضحاك (3).
وقد اقتضت إرادة الله تعالى، ألا يتساوى الإنسان مع الحيوان في كيفية تكاثر النوع، مع تساويهما في أصوله، وأن يضع له طريقا في التكاثر تتلاءم مع الشرف والتكريم اللذين منحهما الله على سائر مخلوقاته، فشرع الله له الزواج القائم على اختصاص الفروج والأرحام، وامتياز النفوس والأجسام، والحياطة بالشرف والأخلاق، باعتباره أفضل وسيلة لإنجاب الأبناء، واتصال الذرية، وتكاثر النوع، وامتداد الحياة الإنسانية على هذه الأرض، حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. قال ابن الجوزي:" تأملت في فوائد النكاح ومعانيه وموضوعه، فرأيت أن الأصل الأكبر في وضعه وجود النسل "(4). وقال ابن قدامة: " وفي النكاح فوائد منها: الولد، لأن المقصود بقاء النسل. . ليبقى جنس الإنسان "(5). وقال الشاطبي: " النكاح مشروع للتناسل بالقصد الأول "(6). وقال ابن القيم في الزواج: " وضع في الأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية، أحدها: حفظ النسل ودوام النوع إلى أن تتكامل العدة التي قدر الله بروزها إلى هذا العالم "(7).
(1) العلم يدعو للإيمان 148.
(2)
سورة البقرة الآية 187
(3)
تحفة المودود بأحكام المولود ص 8.
(4)
صيد الخاطر 69.
(5)
مختصر منهاج القاصدين 76.
(6)
الموافقات 2: 396.
(7)
زاد المعاد لابن القيم ص 4/ 249.
ولا يقف - الإسلام بهذه الحكمة عند حرفية النص، بل يسعى إلى وفرة النسل وكثرته، ويولي الإنجاب وتكثير النسل أهمية كبرى، لأن فيه عزة الإسلام ومباهاة الأمم قال عليه الصلاة والسلام:«تناكحوا تناسلوا، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة (1)» . ومن حكم العرب: " إنما العزة للكاثر "(2)، ولأن فيه " تحصين الدين وإحرازه، وحفظ البلاد بالجهاد، وغير ذلك من المصالح والمقاصد العامة والخاصة "(3).
ويعتبر الزواج الشرعي، الوسيلة المأمونة لحفظ النوع الإنساني وبقائه وتكاثره على الوجه الصحيح، لأن الإعراض عن الزواج، قد يؤدي إلى انقطاع النسل، وانقراض الحياة البشرية على هذا الكوكب مع تداول الأيام، كما أن فتح الباب على غاربه، وشيوع التكاثر الإنساني خارج نظام الزواج الشرعي، قد يفضي إلى التناحر والفوضى، أو ميلاد أجيال هزيلة، أو سلالات من المعوقين، غير مؤهلة لاستمرار الحياة المنوطة بحكمة خلق الإنسان.
وقد تبدو عملية تكثير النسل مشكلة عند بعض الاقتصاديين (4)، ولكنها في حقيقة الأمر، دافع إنساني إلى مزيد التنمية وتعزيز الإنتاج والاختراع، واستكشاف خيرات الأرض وعمارتها، فليس صحيحا أن كثرة النسل تؤدي إلى ضائقة سكانية، أو ندرة اقتصادية تستوجب تحديد النسل، فهذا من الضرر المتوهم عند الفقهاء، وهو لا يقوى على معارضة المصلحة المحققة في الزواج، وهو فلسفة غربية للمكيدة بكثرة المسلمين وبركتهم في الأرض.
(1) أخرجه عبد الرزاق، المصنف 6: 173 رقم 10391، تلخيص الحبير 3: 116 رقم 1434، نيل الأوطار 6:113.
(2)
فقه السنة 2: 193.
(3)
المغني 6: 447.
(4)
انظر المذاهب الاقتصادية الكبرى 75، العلمانية 181، 277، 278.