الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (1)، وهذا يعني أن السكن النفسي لا يقتصر على الحضور البيولوجي فحسب، وإنما يتطلب مصداقية العواطف والأحاسيس، لأن الزواج في حقيقته امتلاك للنفوس والأحلام، قبل الأجسام، وضرورة نفسية إلى جانب كونه حتمية اجتماعية وإنسانية.
ويتجلى السكن النفسي والروحي بين الزوجين بالذرية والإنجاب، ويزداد في أسمى معانيه كلما امتدت الصحبة بين الزوجين وتقدم بهما العمر، حتى يصلا في سن الشيخوخة إلى أرقى معاني الوحدة العاطفية، والسكن النفسي، فيعرفان أن للحياة الزوجية معنى ومغزى، وهدفا ساميا في الدنيا والآخرة.
(1) سورة النساء الآية 35
4 -
العناية بتربية النشء:
ومن حكمة الزواج وأهدافه، العناية بتربية النشء، فالأسرة ضرورة بشرية لرعاية الأولاد وتربيتهم، وحفظهم من الضياع، وحمايتهم والعناية بهم، منذ لحظة الميلاد الأولى، وبخاصة إذا علمنا أن حكمة الله تعالى اقتضت احتياج الوليد الإنساني إلى حضانة طويلة.
وتبدأ عملية العناية بالأبناء منذ لحظة الميلاد، حيث يحتاج الطفل إلى الرضاعة، ولهذا كفل الإسلام للأطفال حق الرضاعة الطبيعية، فقال تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (1)، وقال الغزالي:" ينبغي للأب أن يراقبه من أول مرة، فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة، تأكل الحلال، فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه "(2).
(1) سورة البقرة الآية 233
(2)
إحياء علوم الدين 3: 70، 71 مختصر منهاج القاصدين 159، دراسات في الثقافة الإسلامية 526.
وتؤكد الدراسات الدينية، والطبية، والنفسية، أن الرضاعة الطبيعية لها قيمة لدى الطفل، حيث يحس الطفل من خلالها بالدفء والحب والحنان، لأن لبن الأم أقوى غذاء جسمي، وأشهى غذاء نفسي، فالطفل حين يرضع من أمه، لا يملأ معدته فحسب، ولكنه يملأ نفسه سرورا واطمئنانا وأمنا، " علاوة على أن الرضاعة الطبيعية تعطيه مناعة ضد كثير من أمراض الطفولة، وتقي الأم نفسها من أمراض الثدي السرطانية "(1).
كما تقوم الأسرة بدور الحضانة للأبناء فيما بعد، وتوفير الأكل والشرب واللبس والمسكن لهم، وقد كفل الإسلام لهم هذا الحق في قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (2)، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته (3)» ، وعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله (4)» ، وعن يزيد بن مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة (5)» ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال:
(1) علم نفس النمو، لأستاذنا د. حامد زهران 119.
(2)
سورة الإسراء الآية 31
(3)
أخرجه الشيخان، فتح الباري 2: 380 رقم 893، مسلم بشرح النووي 12: 213، شرح السنة 10: 61 رقم 2469.
(4)
أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه الفتح الرباني 17: 62، 63، مسلم بشرح النووي 7: 88، سنن ابن ماجه 2: 922 رقم 276.
(5)
أخرجه أحمد والشيخان والنسائي والدارمي، الفتح الرباني 17: 59، فضل الله الصمد 2: 216 رقم 749، فتح الباري 9: 497 رقم 5351، مسلم بشرح النووي 7: 88، سنن الدارمي 2: 196 رقم 2667.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت (1)» ، وفي حديث أبي الدرداء:«أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسع ". . " وأنفق من طولك على أهلك (2)» ، وقال الثوري:" عليك بعمل الأبطال، الكسب من الحلال، والإنفاق على العيال "(3).
ولا تقتصر التربية الأسرية للنشء والعناية بهم، على توفير الأكل والشرب، واللباس والمسكن، بحيث يمكن الاستغناء عنها، بدور المؤسسات والحضانة والملاجئ، وإنما تمتد أهمية الأسرة إلى تربية الأبناء تربية شاملة، للوصول بهم إلى النمو المتكامل، فالطفل يتطلب حاجات فسيولوجية تتعلق بالجسد والأعضاء وحاجات نفسية تتعلق بالشعور والقلب كالحب والتقدير وتأكيد الذات، وحاجات اجتماعية تتعلق بالواقع كالأمن والانتماء والنجاح والاستقلال، وتعلم المعايير السلوكية، واكتساب المعرفة الدينية والتفاعل الاجتماعي والإنساني، قال ابن عمر:" أدب ابنك فإنك مسئول عنه ماذا أدبته وماذا علمته "(4).
وتؤكد الدراسات النفسية (أن الأطفال الذين ينشئون في ظل الأسرة ينمون نموا يفوق الذين ينشئون في ملاجئ الإيداع. والحضانة والمؤسسات، أو على يد الشغالات والمربيات، كما تؤكد تلك الدراسات أن الذين ينشئون بلا أسر، يعانون من الحرمان الانفعالي، والجوع العاطفي، والندوب العقلي، والعجز في الشخصية، وعدم الإحساس بالذات، ولذلك يقوم بعضهم بسلوك عدواني أو سلبي في بعض التصرفات، يفسر بأنه اعتراض منهم على هذا النوع من التربية، بل يمكن القول: إن هذا الوضع المناهض للفطرة
(1) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود، المسند 2: 160، 193، 194، 195، مسلم بشرح النووي 7: 82، سنن أبي داود 2: 321 رقم 1692.
(2)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد، فضل الله الصمد 1: 77 رقم 18.
(3)
الجامع لأخلاق الراوي 1: 98 رقم 47.
(4)
تحفة المودود بأحكام المولود 225.