الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والكفاءات وتوزيعها توزيعا شاملا يغطي جميع احتياجات الأمة، وهذا ما تسعى لتحقيقه الدول الناهضة حتى تحقق كفايتها وتميزها لا في مجال الإنتاج الغذائي فحسب، بل في مجال الصناعة والتجارة، والصناعات الحربية، واستخراج المواد الخام، وغير ذلك ولن تنال دولة استقلالها أو تحافظ على مقومات شخصيتها متميزة إذا كانت لا تستطيع الاستغناء عن غيرها من الدول في مواردها ومقوماتها المختلفة.
والأمة الإسلامية تملك بحمد الله من أسباب التكافل والتضامن ما يؤهلها للاكتفاء الذاتي في شئون حياتها كافة.
فلدى المسلمين ملايين الهكتارات من الأراضي المزروعة والأراضي الصالحة للزراعة والغابات والمراعي، والصحاري الغنية بالمواد الخام، والمناجم، والبترول، والمعادن، وتملك من الثروة الحيوانية ما لا يكاد يحصى من حيوان أليف وغير أليف، ولا تحتاج إلى غيرها في السواعد والأيدي العاملة. فمن غير السائغ بحال أن تكون أمة عدد سكانها نحو ألف مليون، وتملك مثل هذه الثروات عاجزة عن تأمين حاجاتها وكفايتها في شتى المجالات.
فضل الشجرة والزراعة:
جاءت كلمة شجرة في القرآن الكريم مفردة في نحو تسعة عشر موضعا ومجموعة في نحو ستة مواضع، أما كلمة زرع ومشتقاتها فوردت في نحو ثلاثة عشر موضعا.
أما في الأحاديث النبوية فورد ذلك في مواضع كثيرة.
ومن اهتمام الإسلام بالشجرة، ولفت الأنظار للعناية بها أنه حتى في الجزاء على الأعمال الصالحة يوم القيامة قد ذكر الشجر على أنه مثوبة مكافئة لبعض الأعمال الخيرة من المؤمن وذلك لما في الشجرة من النفع والجمال،
واكتمال النعمة، ففي الحديث. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة (1)» ، وفي رواية " شجرة ".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقيت إبراهيم صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر (3)» .
وبلغ اهتمام الإسلام بالشجرة حدا لا يعرف له مثيل في شريعة سابقة، ولا في قانون وضعي وحسبنا أن نعلم أن الخلفاء وهم أعلى سلطة في الدولة الإسلامية، كانوا يوصون أمراء الأجناد والجيوش عندما يبعثونهم للقتال بالمحافظة على الشجرة وخاصة الشجرة المثمرة، مثلما يأمرونهم بالمحافظة على أرواح الأبرياء ممن لا علم لهم بالحرب ولم يشاركوا فيها:" لا تعقرن نخلا ولا تحرقنها ولا تعقروا البهيمة، ولا شجرة ثمر، ولا تهدموا بيعة، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء " ومن المعلوم أن الوصية في مثل هذا الموطن إنما تكون بالأمور الهامة التي تعتبر من مواد الدستور العام، وبالأمور التي تحقق عوامل النصر على أعداء الله.
(1) سنن الترمذي الدعوات (3464).
(2)
أخرجه الترمذي (الدعوات 5/ 510).
(3)
قيعان: جمع قاع وهو المكان الواسع المستوي من الأرض (2)
فهل عرف من قبل التحييد للشجرة، والحيوان الأعجم مما يملكه العدو، وإبعادها عن ميدان المعركة لكونهما عنصري خير ونفع للبشر؟!
ولم يأذن الإسلام بقطع الأشجار المثمرة إلا في حدود ضيقة أشبه ما تكون بالضرورة التي يلجأ إليها للضغط على العدو المعاند المصر على القتال، حتى إن بعض الفقهاء منع ذلك مطلقا، وحمل ما ورد في ذلك على حالة خاصة لا تتعداها.
قال الحافظ ابن حجر: قوله - أي البخاري: (باب قطع الشجر والنخل) أي للحاجة والمصلحة إذا تعينت طريقا في نكاية العدو ونحو ذلك، وخالف في ذلك بعض أهل العلم، فقالوا: لا يجوز قطع الشجر المثمر أصلا، وحملوا ما ورد من ذلك: إما على غير المثمر، وإما على الشجر الذي قطع في قصة بني النضير كان في الموضع الذي يقع منه القتال، وهو قول الأوزاعي والليث وأبي ثور (1) ومن محافظة الإسلام على الشجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قضاء الحاجة والتخلي في ظل الشجرة التي ينتفع بظلها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم (2)» ويقاس على قضاء الحاجة رمي القمامات والأوساخ، والمياه النجسة والمتقذرة وغير ذلك مما يحول بين الناس وبين الانتفاع من الظل.
وقد دعا الإسلام إلى تكثير الشجر لما فيه من المنافع المتعددة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها (3)» .
(1) ابن حجر، فتح الباري (5/ 9).
(2)
أخرجه مسلم (الطهارة 1/ 226)، وأبو داود (الطهارة 1/ 28).
(3)
أخرجه أحمد (3/ 183)، والبخاري في الأدب المفرد ص 97، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 11 - 13)
ففي هذا الحديث حث على غرس الأشجار المثمرة عامة وإن كان المذكور فيه النخل.
كما أنه يشير إلى ضرورة العناية بالزراعة والعمل في الأرض، وأنه لا ينبغي أن ينقطع العمل في إعمار الأرض، والإفادة من خيراتها.
قال الأستاذ محمد قطب تعليقا على الحديث: والعمل في الأرض لا ينبغي أن ينقطع لحظة بسبب اليأس من النتيجة فحتى حين تكون القيامة بعد لحظة، حين تنقطع الحياة الدنيا كلها. . حتى عندئذ لا يكف الناس عن العمل، وعن التطلع إلى المستقبل، ومن كان في يده فسيلة فليغرسها (1). وروى البخاري في كتاب الأدب المفرد عن داود بن أبي داود الأنصاري قال: قال لي عبد الله بن سلام: إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على ودية - أي فسيلة - تغرسها فلا تعجل أن تصلحه، فإن للناس بعد ذلك عيشا (2).
وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: أعزم عليك أن تغرس أرضك فقال أبي: أنا شيخ كبير أموت غدا. فقال عمر: أعزم عليك لتغرسنها، فلقد رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغرسها بيده مع أبي (3).
ولعل مما يشير إلى استحباب تكثير الشجر ما جاء في الحديث «أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له أن يشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة (4)» .
(1) محمد قطب قبسات من الرسول صلى الله عليه وسلم (ص 23).
(2)
الأدب المفرد ص 97.
(3)
انظر السلسلة الصحيحة (1/ 10).
(4)
المسند (5/ 347) من حديث بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إني لأرجو أن أشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة ".
وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة المحافظة على الأشجار والبساتين من قبل أهلها، ومن قبل أصحاب الماشية ليلا ونهارا.
عن حرام بن سعد بن محيصة الأنصاري، عن أبيه عن البراء بن عازب «أنه كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه فكلم رسول صلى الله عليه وسلم فيها فقضى بأن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها (1)» قال الخطابي رحمه الله: " يشبه أن يكون إنما فرق بين الليل والنهار في هذا لأن في العرف أن أصحاب الحوائط، والبساتين يحفظونها بالنهار، ويوكلون بها الحفاظ والنواطير، ومن عادة أصحاب المواشي أن يسرحوها بالنهار ويردوها مع الليل، فمن خالف هذه العادة كان به خارجا عن رسوم الحفظ إلى حدود التقصير والتضييع "(2).
ومن فضل الزراعة والعمل في الأرض الاشتغال عن الناس، والتنزه عن عيوبهم والبعد عن قيلهم وقالهم، خاصة إذا كان الإنسان ممن لا يملك القدرة على الإصلاح والإنكار، قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره:(إن الاشتغال بالعمل فيها - أي الأرض - والاستغناء عن الناس بما يحصل فيها من القرب العظيمة، مع ما في ذلك من الاشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي - لا سيما في مثل هذا الزمان - سم قاتل، وشغل عن الله شاغل، وذلك إذا لم يكن في الإقبال على الزراعة تثبط عن شيء من الأمور الواجبة كالجهاد (3).
ومن فضل الزراعة أن الأجر يحصل للغارس والزارع، وإن لم يقصدا ذلك حتى لو غرس وباعه، أو زرع وباع ذلك الزرع كان له بذلك صدقة لتوسعته على الناس في أقواتهم كما روي في حصول الأجر للجالب، وإن كان
(1) أخرجه أبو داود في السنن (البيوع 3/ 829 - 830) من طريقين مرفوعا، وأخرجه مالك في الموطأ (الأقضية 2/ 747) مرسلا.
(2)
الخطابي، معالم السنن، (3/ 829).
(3)
الشوكاني، فتح القدير (5/ 313).
يفعله للتجارة والربح.
وقد ذكر غير واحد من العلماء أن الأجر يحصل للمزارع بما يولد من الغراس والزرع، كذلك وإن أجره مستمر ما دام الغرس والزرع وما تولد منه إلى يوم القيامة، وحتى لو انتقل ملكه إلى غيره (1).
ووردت أحاديث كثيرة تبين فضل الغرس والزرع، وتثبت الأجر لفاعله ما انتفع بذلك منتفع من إنسان أو حيوان أو طير، أو حشرة، ومن ذلك.
حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة (2)» .
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من رجل يغرس غرسا إلا كتب الله له من الأجر قدر ما يخرج من ثمر ذلك الغرس (3)» .
وعن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: «من نصب شجرة فصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر كان له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله عز وجل (4)» .
والأجر في الغرس والزرع لا ينحصر في زراعة المثمر وحسب، بل يحصل
(1) انظر شرح مسلم للنووي (10/ 213)، عمدة القاري (12/ 156).
(2)
أخرجه البخاري (الحرث والمزارعة 5/ 3)، ومسلم (المساقاة 3/ 1189).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 41) قال المنذري في الترغيب (3/ 376) رواته محتج بهم في الصحيح إلا عبد الله بن عبد العزيز الليثي، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 67) فيه عبد الله بن عبد العزيز وثقه مالك وسعيد بن منصور وضعفه جماعة وبقيه رجاله رجال الصحيح.
(4)
أخرجه أحمد (4/ 61)، (5/ 374) وإسناده فيه فنج عن عبد الله بن وهب بن منبه، عن أبيه قال الهيثمي (مجمع الزوائد 3/ 68): فنج ذكره ابن أبي حاتم ولم يوثقه ولم يجرحه، وبقية رجاله ثقات.
بزراعة المثمر وغير المثمر، وذلك لحصول الانتفاع للحيوان، والطير، والدواب، بل لحصول النفع للإنسان من جهة أخرى غير الأكل، فيقاس على الأكل ما ينتفع من الأشجار والمزروعات من تنزه، وتجميل للبيئة، أو تمتع برؤيتها، واستظلال بظلها، أو ما تحققه من منافع أخرى كثيرة كتطييب المناخ، وحفظ للتربة، وصد للغبار والأتربة وتنقية للهواء من التلوث، وكذلك ما يستفاد منها في أغراض الصناعة كصناعة الورق، والثقاب، وصناعة الأخشاب المختلفة المتعددة الأغراض.
والزرع في هذه الأحاديث المتقدمة المراد به ما يستنبته الإنسان من مزروعات مختلفة مما يتغذى منه أو مما يتغذى عليه الحيوان والطير كالقمح والأرز، والذرة، والبقول، والخضروات، وكالشعير والبرسيم والحشائش المتنوعة ويحصل الأجر للمزارع ولو كان الأكل منه على وجه الغصب أو الانتهاب أو السرقة أو الاعتداء، فضلا عن الإطعام.
ويدل لذلك ما رواه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه دخل على أم مبشر الأنصارية - وهي زوج زيد بن حارثة - في نخل لها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: من غرس هذا النخل أمسلم أم كافر؟ فقالت: بل مسلم فقال: لا يغرس مسلم غرسا، ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة، ولاشيء إلا كانت له صدقة (1)» ، وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة (2)» .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغرس مسلم غرسا، ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان
(1) صحيح مسلم المساقاة (1552)، سنن الدارمي البيوع (2610).
(2)
أخرجهما مسلم (المساقاة 3/ 188).
ولا طائر، ولا شيء إلا كان له أجر (1)».
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غرس غرسا لم يأكل منه آدمي، ولا خلق من خلق الله إلا كان له صدقة (2)» .
وعن خلاد بن السائب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من زرع زرعا فأكل منه طير أو عافية كان له صدقة (3)» .
وعن عبد الله بن الزبير قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس يأمر بنيه أن يحرثوا القضب فإنه ينفي الفقر (4)» .
وعن السائب بن سويد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث أبي الدرداء المتقدم.
وجاء في بعض الروايات ما يفيد أن غرس الأشجار من الصدقات الجارية التي يصل أجرها للمسلم بعد موته.
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم قال: «سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره وبعد موته: من علم علما أو كرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له (5)» .
وعن معاذ بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بنى بنيانا في غير
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط، وحسن المنذري في الترغيب (3/ 245) إسناده
(2)
أخرجه أحمد (6/ 444) والطبراني قال الهيثمي: رجاله موثقون وفيهم كلام لا يضر.
(3)
أخرجه أحمد (4/ 55) والطبراني وحسن المنذري إسناده (3/ 376) وتبعه الهيثمي (3/ 67) وعزاه في (فضل الغراس لابن خزيمة، وابن جرير، والضياء، وأبي نعيم (رفع الإلباس في فضل الزرع والغراس ق 3) وعزاه الحافظ في الإصابة (2/ 139) للحسن بن سفيان في مسنده وقال: إسناده حسن.
(4)
أخرجه الطبراني قال الهيثمي (3/ 68): فيه جماعة لم أعرفهم ا. هـ والقضب: الرطبة (المختار 539).
(5)
أخرجه البزار وأبو نعيم والبيهقي في شعب الإيمان.