الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسم جرير أحد الفدائيين الفرسان من المهاجرين والأنصار، وهم مائة فارس، انتخبهم خالد من بين أفراد جيش المسلمين في اليرموك، كل فارس منهم يرد جيشا وحده (1)، للتأثير بهم في معنويات الروم قبيل معركة اليرموك الحاسمة. ولم يذكر المؤرخون شيئا عن دور جرير في معركة اليرموك، ويبدو أنه كان دورا مشرفا.
(1) فتوح الشام للواقدي (1/ 120).
4 -
في العراق ثانية:
عاد جرير من أرض الشام إلى المدينة مبشرا بانتصار المسلمين على الروم في معركة اليرموك (1).
وكان أبو بكر الصديق قد مضى إلى ربه، وكان عمر بن الخطاب قد خلفه، فطلب منه جرير أن يجمع له بجيلة قومه تحقيقا لوعد النبي صلى الله عليه وسلم بجمع بجيلة لجرير. وكتب عمر إلى عماله: " إنه من كان ينسب إلى بجيلة في الجاهلية، وثبت عليه في الإسلام، فأخرجوه إلى جرير، ففعلوا ذلك. ولما اجتمعوا أمرهم عمر بالعراق، فأبوا إلا الشام، فعزم عمر على العراق وينفلهم ربع الخمس، فأجابوا، فسيرهم عمر إلى المثنى بن حارثة الشيباني (2) بالعراق، لأن عمر ندب الناس إلى المثنى لما بلغه خبر وقعة أبي عبيد الثقفي في الجسر (3) وكان فيمن ندب بجيلة (4).
وتوجه جرير على رأس بجيلة إلى المثنى في العراق، فكتب المثنى إلى جرير: " إنا جاءنا أمر لم نستطع معه المقام حتى تقدموا علينا، فعجلوا اللحاق بنا، وموعدكم البويب (5) وكان جرير ممدا له (6).
(1) الطبري (3/ 455).
(2)
المثنى: بن حارثة الشيباني، انظر سيرته المفصلة في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة (27 - 50).
(3)
انظر التفاصيل في الطبري (3/ 450 - 459)، وابن الأثر (2/ 438 - 440).
(4)
الطبري (3/ 460)، وابن الأثير (2/ 441).
(5)
البويب: نهر كان بالعراق موضع الكوفة، ويأخذ من الفرات انظر معجم البلدان (2/ 710).
(6)
الطبري (3/ 461).
وانتهى جرير إلى المثنى، فشهد تحت لواء المثنى معركة البويب التي انتصر فيها المسلمون على الفرس انتصارا عظيما (1).
وبعد معركة البويب استأذن جرير المثنى في مطاردة الفرس المنهزمين، فكتب جرير إلى المثنى:" إن الله عز وجل قد سلم وكفى، ووجه لنا ما رأيت، وليس دون القوم شيء، فأذن لنا بالإقدام "، فأذن المثنى لجرير ولآخرين في مطاردة المنهزمين، فأغار حتى بلغ (ساباط)(2)، فتحصن أهل ساباط منهم واستباحوا (القريات)(3) دونها، ورماهم أهل الحصن بساباط عن حصنهم، وكان أول من دخل حصنهم ثلاثة قواد، أحدهم جرير، وقد تبعهم أوزاع من الناس، ثم عادوا إلى المثنى (4).
ويبدو أن بعض الخلافات نشبت بين المثنى وجرير بعد معركة البويب. فقد أقبل جرير حتى إذا مر قريبا من المثنى، كتب إليه جرير:" إني لست فاعلا إلا أن يأمرني بذلك أمير المؤمنين، أنت أمير وأنا أمير ". ثم سار جرير فلقيه مهران بن باذان - وكان من عظماء فارس - عند النخيلة (5)، قد قطع إليه الجسر، فاقتتلا قتالا شديدا. فشد أحد المسلمين (6) على مهران فطعنه، فوقع عن دابته، فاقتحم عليه جرير واجتز رأسه، واختصما في سلبه، ثم اصطلحا، فأخذ جرير سلاح مهران، وأخد الثاني منطقته (7).
وحين اصطدم مهران بجرير في ساحة القتال، وأصبحا في تماس شديد،
(1) انظر تفاصيل معركة البويب في الطبري (1/ 460 - 472)، وابن الأثير (2/ 441 - 445).
(2)
ساباط: بلدة قريبة من المدائن، انظر معجم البلدان (5/ 2).
(3)
القريات: جمع تصغير القرية.
(4)
الطبري (3/ 470).
(5)
النخلية: موضع قرب الكوفة على سمت الشام، وانظر تفاصيل في معجم البلدان (8/ 276 - 277).
(6)
هو المنذر بن حسان بن ضرار الضبي، انظر الطبري (3/ 472).
(7)
الطبري (3/ 471 - 472).
قال مهران:
إن تسألوا عني فإني مهران
…
أنا لمن أنكرني ابن باذان
وكان باذان عاملا لكسرى على اليمن، وكان ابنه مهران معه في اليمن، فأتقن العربية هناك (1).
وجاب المثنى السواد، وأرسل جريرا إلى ميسان، وخاض المثنى معركة (الخنافس)(2) التي انتصر المسلمون فيها على الفرس في هذه المعركة (3).
واجتمع الفرس على يزدجرد فملكوه عليهم، وتبارى رؤساؤهم في طاعته ومعونته، فسمى الجنود لكل مسلخة كانت لكسرى أو موضع ثغر. وبلغ ذلك المثنى والمسلمين، فكتبوا إلى عمر بن الخطاب، فلم يصل الكتاب إلى عمر حتى كفر أهل السواد: من كان له منهم عهد ومن لم يكن له منهم عهد، فخرج المثنى برجاله حتى نزل بذي قار، وتنزل الناس بالطف، حتى جاءهم كتاب عمر:" أما بعد. . فاخرجوا من بين ظهري الأعاجم، وتفرقوا في المياه التي تلي الأعاجم على حدود أرضكم، ولا تدعوا في ربيعة أحدا ولا مضر ولا حلفائهم أحدا من أهل النجدات ولا فارسا إلا اجتلبتموه، فإن جاء طائعا وإلا حشرتموه. احملوا العرب على الجد إذ جد العجم، فتلقوا جدهم بجدكم ".
(1) الطبري (3/ 472).
(2)
الخنافس: أرض للعرب في طرف العراق قرب الأنبار، انظر التفاصيل في معجم البلدان (3/ 468).
(3)
انظر تفاصيل معركة الخنافس في الطبري (3/ 472 - 476) وابن الأثير (2/ 445 - 447).
ونزل المثنى بذي قار، ونزل الناس بالجل (1) وشراف إلى غضى (2)، وغضى حيال البصرة، فكان جرير بغضى. فكانوا في أمواه الطف من أولها إلى آخرها مسالح بعضهم ينظر إلى بعض، ويغيث بعضهم بعضا إن كان قتال، وذلك في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة الهجرية (3).
وكان المثنى قد كتب إلى عمر يمحل (4) بجرير، فكتب عمر إلى المثنى:" إني لم أكن لأستعملك على رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يعني جريرا "، وقد وجه عمر سعد بن أبي وقاص (5) إلى العراق في ستة آلاف أمره عليهم، وكتب إلى المثنى وجرير أن يجتمعا إلى سعد بن أبي وقاص، وأمر سعدا عليهما فسار سعد حتى نزل شراف (6)، وسار المثنى وجرير حتى نزلا عليه، فشتا بها سعد، واجتمع إليه الناس، ومات المثنى بن حارثة رحمه الله (7).
ولم يكن الخلاف بين الرجلين لنوازع شخصية، فانتهى الخلاف بينهما بموت المثنى وتأمير سعد بن أبي وقاص عليهما، وكثيرا ما تحدث مثل هذه الخلافات في أيام القتال بين القادة، لظروف الحرب الصعبة أولا ولاختلاف الاجتهادات في معالجة مشاكل القتال ثانيا.
لقد كان جرير أحد قادة المثنى المقربين إليه، وقد أعانه وعاونه في تحمل أعباء قيادته، وكان التعاون بين القائدين اللامعين وثيقا والاختلاف في الرأي من أجل المصلحة العامة، ليس كالاختلاف في الرأي من أجل المصلحة الخاصة، وما اختلاف القائدين إلا اختلاف في الاجتهاد.
(1) الجل: موضع قريب من السلمان بالبادية، انظر معجم البلدان (3/ 128).
(2)
غضى: جبال البصرة، انظر معجم البلدان (6/ 297).
(3)
الطبري (3/ 478).
(4)
يمحل به: أي يعرض.
(5)
انظر سيرته المفصلة في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة (248).
(6)
شراف: ماء بنجد له ذكر كثير في آثار الصحابة، انظر التفاصيل في معجم البلدان (5/ 246 - 247).
(7)
الطبري (3/ 472).