الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقذف بالزبد وتحريم غيرها بنصوص دلت على ذلك (1).
5 -
تعريفها عند الحنابلة:
قال ابن قدامة: كل مسكر حرام قليله وكثيره وهو خمر حكمه حكم عصير العنب في تحريمه ووجوب الحد على شاربه، انتهى المقصود (2).
قال شيخ الإسلام: والخمر التي حرمها الله ورسوله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بجلد شاربها. كل شراب مسكر من أي أصل سواء كان من الثمار كالعنب والرطب والتين، أو الحبوب كالحنطة والشعير، أو الطلول كالعسل أو الحيوان كألبان الخيل، بل لما أنزل الله عليه سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر لم يكن عندهم في المدينة من خمر العنب شيء، لأنه لم يكن في المدينة شجر عنب وإنما كانت تجلب من الشام، وكان عامة شرابهم من نبيذ التمر، وقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه وأصحابه رضي الله عنهم أنه حرم كل مسكر وبين أنه خمرا (3).
(1) المغني / 9/ 119.
(2)
نهاية المحتاج 8/ 11.
(3)
السياسة الشرعية / 50.
ثانيا: عقوبة من ثبت عليه شرب الخمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين
.
1 -
روى البخاري في الصحيح بسند عن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال (1)» ، وجلد أبو بكر أربعين.
وذكر ابن حجر أن هذا الحديث أخرجه البيهقي في الخلافيات
(1) صحيح البخاري الحدود (6773)، سنن أبو داود الحدود (4479)، سنن ابن ماجه الحدود (2570)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 247)، سنن الدارمي الحدود (2311).
من طريق جعفر بن محمد القلانسي عن آدم شيخ البخاري فيه بلفظ «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل شرب الخمر فضربه بجريدتين نحوا من أربعين (1)» ، ثم صنع أبو بكر مثل ذلك، فلما كان عمر استشار الناس فقال له عبد الرحمن بن عوف:"أخف الحدود ثمانون ففعله عمر ". ولفظ رواية خالد التي ذكرتها إلى قوله " نحوا من أربعين " وأخرجه مسلم والنسائي أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة مثل رواية آدم إلا أنه قال: " وفعله أبو بكر فلما كان عمر - أي في خلافته - استشار الناس فقال عبد الرحمن - يعني ابن عوف -: أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر ".
وأخرج النسائي من طريق يزيد بن هارون عن شعبة " فضربه بالنعال نحوا من أربعين " ثم أتي به أبو بكر فصنع به مثل ذلك ". . ورواه همام عن قتادة بلفظ " فأمر قريبا من عشرين رجلا فجلده كل رجل جلدتين بالجريد والنعال " أخرجه أحمد والبيهقي. وهذا يجمع ما اختلف فيه على شعبة وأن جملة الضربات كانت نحو أربعين، لا أنه جلده بجريدتين أربعين، فتكون الجملة ثمانين، كما أجاب به بعض الناس ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ " جلد بالجريد والنعال أربعين " علقه أبو داود بسند صحيح ووصله البيهقي، وكذا أخرجه مسلم من طريق وكيع عن هشام بلفظ " كان يضرب في الخمر مثله " (2) انتهى المقصود.
2 -
أخرج البخاري بسنده عن عقبة بن الحارث «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بنعيمان - أو بابن نعيمان - وهو سكران فشق عليه وأمر من
(1) صحيح مسلم الحدود (1706)، سنن الترمذي الحدود (1443)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 115).
(2)
الفتح 12/ 63 - 64.
في البيت أن يضربوه فضربوه بالجريد والنعال وكنت فيمن ضربه (1)».
3 -
أخرج البخاري بسنده عن عمير بن سعيد النخعي قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ما كنت لو أقيم حدا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا شارب الخمر فإنه لو مات وديته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه.
4 -
أخرج البخاري بسنده عن السائب بن يزيد قال: «كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر فصدرا من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين (2)» ، وقد علق ابن حجر على قوله:" حتى كان آخر خلافة عمر فجلد أربعين " ظاهره أن التحديد بأربعين إنما وقع في آخر خلافة عمر، وليست كذلك لما في قصة خالد بن الوليد وكتابه إلى عمر رضي الله عنه فإنه يدل على أن أمر عمر بجلد ثمانين كان في وسط إمارته، لأن خالدا مات في وسط خلافة عمر، انتهى المقصود 12/ 69.
5 -
قال ابن حجر: أخرج النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد «أتي النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان فأمر به فنهز بالأيدي وخفق بالنعال (3)» الحديث.
ولعبد الرزاق بسند صحيح عن عبيد بن عمير أحد كبار التابعين (كان الذي يشرب الخمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض إمارة عمر يضربونه بأيديهم ونعالهم ويصكونه (4).
(1) صحيح البخاري الحدود (6775)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 8).
(2)
صحيح البخاري الحدود (6779)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 449).
(3)
مسند أحمد بن حنبل (3/ 34).
(4)
الفتح / 12/ 67.
6 -
قال ابن حجر: وقع في مرسل عبيد بن عمير أحد كبار التابعين فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عنه نحو حديث السائب وفيه: (أن عمر جعله أربعين سوطا فلما رآهم لا يتناهون جعله ستين سوطا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا وقال: هذا أدنى الحدود)(1).
7 -
أخرج مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد " أن عمر استشار في الخمر فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجعله ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى، فجلد عمر في الخمر ثمانين ".
قال ابن حجر (2): وهذا معضل، وقد وصله النسائي والطحاوي من طريق يحيى بن فليح عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس مطولا ولفظه:«أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصا حتى توفي، فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم، فقال أبو بكر: لو فرضنا لهم حدا فتوخى نحو ما كانوا يضربون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجلدهم أربعين حتى توفي، ثم كان عمر فجلدهم كذلك حتى أتي برجل» فذكر قصة وأنه تأول قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (3) وإن ابن عباس ناظره في ذلك واحتج ببقية الآية وهو قوله تعالى: {إِذَا مَا اتَّقَوْا} (4) والذي يرتكب ما حرمه الله ليس بمتق، فقال عمر: ما ترون؟ فقال علي. . " فذكره وزاد بعد قوله:
(1) الفتح 12/ 69.
(2)
فتح الباري مجلد 12 صفحة 69 وما بعدها.
(3)
سورة المائدة الآية 93
(4)
سورة المائدة الآية 93
" وإذا هذى افترى "" وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر عمر فجلده ثمانين " ولهذا الأثر عن علي طرق أخرى، منها ما أخرجه الطبراني والطحاوي والبيهقي من طريق أسامة بن زيد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن " أن رجلا من بني كلب يقال له ابن دبره أخبره أن أبا بكر كان يجلد في الخمر أربعين، وكان عمر يجلد فيها أربعين، قال: " فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر فقلت: إن الناس قد انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة، فقال عمر لمن حوله ما ترون؟ قال:" ووجدت عنده عليا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في المسجد فقال علي. . . . "، فذكر مثل رواية ثور الموصلة، ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة:" أن عمر شاور الناس في الخمر فقال له علي: إن السكران إذا سكر هذى " الحديث. ومنها ما أخرجه ابن أبي شيبة من رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: " شرب نفر من أهل الشام الخمر وتأولوا الآية المذكورة فاستشار عمر فيهم فقلت: أرى أن تستتيبهم فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين، وإلا ضربت أعناقهم لأنهم استحلوا ما حرم الله فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين ثمانين "، وأخرج أبو داود والنسائي من حديث عبد الرحمن بن أزهر في قصة الشارب الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم بحنين وفيه:" فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد: إن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا العقوبة، قال وعنده المهاجرون والأنصار، فسألهم واجتمعوا على أن يضربه ثمانين، وقال علي: فذكر مثله ".
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر عن ابن شهاب قال: " فرض أبو بكر في الخمر أربعين سوطا وفرض فيها عمر ثمانين "، قال الطحاوي: جاءت الأخبار متواترة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن في الخمر شيئا. ويؤيده فذكر الأحاديث التي ليس فيها تقييد بعدد: حديث أبي هريرة، وحديث عقبة بن الحارث المتقدمين، وحديث عبد الرحمن بن أزهر:«أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس: اضربوه فمنهم من ضربه بالنعال ومنهم من ضربه بالعصا ومنهم من ضربه بالجريد ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابا فرمى به في وجهه (1)» . وتعقب بأنه قد ورد في بعض طرقه ما يخالف قوله وهو ما عند أبي داود والنسائي في هذا الحديث " ثم أتي أبو بكر بسكران فتوخى الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين، ثم أتي عمر بسكران فضربه أربعين " فإنه يدل على أنه وإن لم يكن في الخبر تنصيص على عدد معين ففيما اعتمده أبو بكر حجة على ذلك، ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق حضين - بمهملة وضاد معجمة مصغر - بن المنذر " أن عثمان أمر عليا بجلد الوليد بن عقبة في الخمر فقال لعبد الله بن جعفر: اجلده فجلده، فلما بلغ أربعين قال: أمسك، جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة، وهذا أحب إلي" فإن فيه الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، وسائر الأخبار ليس فيها عدد إلا بعض الروايات الماضية عن أنس ففيها نحو أربعين والجمع بينها أن عليا أطلق الأربعين فهو حجة
(1) سنن أبو داود كتاب الحدود (4487).
على من ذكرها بلفظ التقريب، وادعى الطحاوي أن رواية أبي ساسان هذه ضعيفة لمخالفتها الآثار المذكورة، ولأن راويها عبد الله بن فيروز المعروف بالداناج بنون وجيم ضعيف، وتعقبه البيهقي بأنه حديث صحيح مخرج في المسانيد والسنن، وأن الترمذي سأل البخاري عنه فقواه وقد صححه مسلم وتلقاه الناس بالقبول، وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب.
قال البيهقي وصحة الحديث إنما تعرف بثقة رجاله، وقد عرفهم حفاظ الحديث وقبلوهم، وتضعيفه الداناج لا يقبل؛ لأن الجرح بعد ثبوت التعديل لا يقبل إلا مفسرا، ومخالفة الراوي غيره في بعض ألفاظ الحديث لا تقتضي تضعيفه ولا سيما مع ظهور الجمع، قلت: وثق الداناج المذكور أبو زرعة والنسائي، وقد ثبت عن علي في هذه القصة من وجه آخر أنه جلد الوليد أربعين ثم ساق من طريق هشام بن يوسف عن معمر وقال: أخرجه البخاري، وهو كما قال، وقد تقدم في مناقب عثمان وأن بعض الرواة قال فيه: إنه جلد ثمانين وذكرت ما قيل في ذلك هناك، وطعن الطحاوي ومن تبعه في رواية أبي ساسان أيضا بأن عليا قال:" وهذا أحب إلي" أي جلد أربعين مع أن عليا جلد النجاشي الشاعر في خلافته ثمانين، وبأن ابن أبي شيبة أخرج من وجه آخر عن علي أن حد النبيذ ثمانون.
والجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما أنه لا تصح أسانيد شيء من ذلك عن علي. والثاني على تقدير ثبوته فإنه يجوز أن ذلك يختلف بحال الشارب
وأن حد الخمر لا ينقص عن الأربعين ولا يزيد على الثمانين والحجة إنما هي في جزمه بأنه صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، وقد جمع الطحاوي بينهما بما أخرجه هو والطبري من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين " أن عليا جلد الوليد بسوط له طرفان "، وأخرجه الطحاوي أيضا من طريق عروة مثله لكن قال:" له ذنبان أربعين جلده في الخمر في زمن عثمان ".
قال الطحاوي: ففي هذا الحديث أن عليا جلده ثمانين لأن كل سوط سوطان وتعقب بأن السند الأول منقطع فإن أبا جعفر ولد بعد موت علي بأكثر من عشرين سنة، وبأن الثاني في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، وهو لم يكن في الوقت المذكور مميزا، وعلى تقدير ثبوته فليس في الطريقين أن الطرفين أصاباه في كل ضربه، وقال البيهقي: يحتمل أن يكون ضربه بالطرفين عشرين فأراد بالأربعين ما اجتمع من عشرين وعشرين ويوضح ذلك قوله في بقية الخبر " وكل سنة وهذا أحب إلي " لأنه لا يقتضي التغاير، والتأويل المذكور يقتضي أن يكون كل من الفريقين جلد ثمانين فلا يبقى هناك عدد يقع التفاضل فيه.
وأما دعوى من زعم أن المراد بقوله هذا الإشارة إلى الثمانين فيلزم من ذلك أن يكون علي رجح ما فعل عمر على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وهذا لا يظن به، قاله البيهقي واستدل الطحاوي لضعف حديث أبي ساسان بما تقدم ذكره من قول علي أنه إذا سكر هذى. . . إلخ، قال: فلما اعتمد علي في ذلك على ضرب المثل واستخرج الحد بطريق الاستنباط دل على أنه لا توقيف عنده
من الشارع في ذلك، فيكون جزمه بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين غلطا من الراوي، إذ لو كان عنده الحديث المرفوع لم يعدل عنه إلى القياس، ولو كان عند من بحضرته من الصحابة كعمر وسائر من ذكر في ذلك شيء مرفوع لأنكروا عليه، وتعقب بأنه إنما يتجه الإنكار لو كان المنزع واحدا، فأما مع الاختلاف فلا يتجه الإنكار، وبيان ذلك أن في سياق القصة ما يقتضي أنهم كانوا يعرفون أن الحد أربعون، وإنما تشاوروا في أمر يحصل به الارتداع يزيد على ما كان مقررا ويشير إلى ذلك ما وقع من التصريح في بعض طرقه أنهم احتقروا العقوبة وانهمكوا فاقتضى رأيهم أن يضيفوا إلى الحد المذكور قدره إما اجتهادا بناء على جواز دخول القياس في الحدود فيكون الكل حدا، أو استنبطوا من النص معنى يقتضي الزيادة في الحد لا النقصان منه، أو القدر الذي زادوه كان على سبيل التعزير تحذيرا وتخويفا، لأن من احتقر العقوبة إذا عرف أنها غلظت في حقه كان أقرب إلى ارتداعه، فيحتمل أن يكونوا ارتدعوا بذلك ورجع الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك فرأى علي الرجوع إلى الحد المنصوص وأعرض عن الزيادة، لانتفاء سببها، ويحتمل أن يكون القدر الزائد كان عندهم خاصا بمن تمرد وظهرت منه أمارات الاشتهار بالفجور، ويدل على ذلك أن بعض طرق حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عند الدارقطني وغيره فكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف تكون منه الزلة جلده أربعين، قال: وكذلك عثمان جلد أربعين
وثمانين، وقال المازري لو فهم الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم حد في الخمر حدا معينا لما قالوا فيه بالرأي كما لم يقولوا بالرأي في غيره، فلعلهم فهموا أنه ضرب فيه باجتهاده في حق من ضربه. انتهى.
وقد وقع التصريح بالحد المعلوم فوجب المصير إليه، ورجح القول بأن الذي اجتهدوا فيه زيادة على الحد إنما هو التعزير على القول بأنهم اجتهدوا في الحد المعين، لما يلزم منه من المخالفة التي ذكرها كما سبق تقريره. وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج أنبأنا عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول:" كان الذي يشرب الخمر يضربونه بأيديهم ونعالهم فلما كان عمر فعل ذلك حتى خشي فجعله أربعين سوطا فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا وقال هذا أخف الحدود ". والجمع بين حديث علي المصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وأنه سنة، وبين حديثه المذكور في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه بأن يحمل النفي على أنه لم يحد الثمانين أي لم يسن شيئا زائدا على الأربعين ويؤيده قوله:" وإنما هو شيء صنعناه نحن " يشير إلى ما أشار به على عمر، وعلى هذا فقوله:" لو مات لوديته " أي في الأربعين الزائدة، وبذلك جزم البيهقي وابن حزم ويحتمل أن يكون قوله:" لم يسنه " أي الثمانين لقوله في الرواية الأخرى: " وإنما هو شيء صنعناه " فكأنه خاف من الذي صنعوه باجتهادهم أن لا يكون مطابقا، واختص هو بذلك لكونه الذي كان أشار بذلك واستدل له ثم ظهر له أن الوقوف عند ما كان الأمر عليه أولا أولى فرجع إلى ترجيحه وأخبر بأنه لو أقام