الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع رفقة ظراف، وقد حمي وطيس الحصباء. . . إذ هجم علينا شيخ" (1)، وقال في مقامة أخرى: "وبينما نحن في فكاهة أطرب من الأغاريد. . إذ احتف بنا ذو طمرين" (2)، وقال مثل ذلك في سائر المقامات.
(1) مقامات الحريري، المقامة المكية 119.
(2)
مقامات الحريري، المقامة الشيرازية 305.
هـ)
موقف الأخفش من لغات العرب:
علينا بعد الصورة العامة السابقة التي عرضناها لمواقف النحويين البصريين القدامى من لغات العرب أن ننظر في نحو الأخفش نفسه - وهو منهم - لنزداد معرفة بموقفه من هذه اللغات، فمن مسائل الأخفش:
نقله كسر الشين في قوله تعالى: {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} (1) عن بني تميم أهل نجد، ونقله تسكينها عن أهل الحجاز.
روايته عن بعض العرب طفق يطفق من باب ضرب والمصدر طفوق إلى جانب اللغة المطردة على ألسنتهم وهي طفق يطفق من باب فرح يفرح والمصدر طفق، وكلا اللغتين فصيح (2).
حكايته عن العرب أنهم يقولون: "آخذه الله بذلك وواخذه الله، لغتان"(3).
قبوله من بكر بن وائل سكان شرق الجزيرة، والبصريون لا يطمئنون إلى لغتهم لمجاورتهم النبط والفرس، ومن عبد القيس، والبصريون لا يأخذون بلغتهم لأنهم كانوا من سكان البحرين مخالطين للهند والفرس، ومن أهل اليمن الذين لا يحتج بهم أصلا لمخالطتهم الهند والحبشة وولادة الحبشة فيهم، ومن أزد عمان الذين لم يحتج بهم البصريون لمخالطتهم الهند
(1) سورة البقرة الآية 60
(2)
انظر ابن هشام، شرح شذور الذهب 192.
(3)
انظر مكي بن أبي طالب، مشكل إعراب القرآن 122:1.
والفرس، ومن بني قشير الذين سكنوا اليمامة، والبصريون لا يأخذون عن أهلها لمخالطتهم تجار الأمم المقيمين عندهم، ومن حاضرة الحجاز مخالفا في ذلك منهج قومه البصريين في عدم أخذهم منها شيئا لأن الذين نقلوا اللغة صادفوا أهلها حين ابتدءوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت ألسنتهم (1).
فقد احتج مثلا مع الكوفيين على عمل "لعل" الجر ببيت كعب بن سهم الغنوي:
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة
…
لعل أبي المغوار منك قريب
وهو من بني عقيل بن كعب (2) من سكان البحرين.
وقبل أيضا لغة بني قشير "سخين" بالخاء للسكين (3)، وجمعها سخاخين. ونقل قراءة أهل المدينة الشاذة "قيما" بتخفيف الياء مع تسكينها وفتح القاف في قوله تعالى:{دِينًا قِيَمًا} (4)، وقبل هذه القراءة الشاذة بل إنها حسنة ولم أسمعها من العرب (5).
يتضح من هذه المسائل أن الأخفش احترم لغات العرب جميعا احتراما تاما ورآها الأصل الأول الذي يركن إليه، لذلك نقلها، سواء في ذلك ما سمعه من العرب بنفسه أو ما رواه عمن سمع من العرب أو ما لم يسمعه أو يروه وإنما وجد له تعلة فحسب يتعلل بها لقبوله من قراءة شاذة ونحو ذلك.
وقد قبل هذه اللغات كلها سواء أكانت مما يقبله قومه البصريون أم يرفضونه، وهو بهذا يجدد في موقفه ويخرج عن النمط التقليدي المحافظ لقومه ليقف مع الكوفيين في اتجاههم العام إلى الاحتجاج بكل لغة مهما كانت درجتها من الفصاحة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم
(1) انظر السيوطي، الاقتراح 19 - 20.
(2)
انظر المغني 286: 1 ت محمد محي الدين عبد الحميد.
(3)
انظر لسان العرب 13: 207.
(4)
سورة الأنعام الآية 161
(5)
انظر عبد الفتاح القاضي، القراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب 45.