الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بدا تأثر الأخفش بالكوفيين خاصة في المسائل التي كان له فيها أولا رأي كرأي البصريين ثم ما لبث أن تركه إلى رأي آخر يماثل رأيهم، ومن العسير فيما عدا هذا أن نحدد أي المسائل وافق فيه الكوفيين وأيها وافقوه فيه.
اضطراب آراء الأخفش:
مما يلفت النظر في نحو الأخفش ظاهرة اضطراب آرائه وورود أكثر من رأي له في المسألة الواحدة، فقد رأيناه أحيانا يقول في مسألة برأي يتفق مع رأي سيبويه والبصريين فيها، وبرأي آخر يماثل رأي الكوفيين، وبثالث يستقل به ولا يحذو فيه حذو أحد، وهو في هذا الاضطراب لم يكن نسيج وحده بين النحاة، فقد اضطربت مواقفهم أيضا، لكنه زاد عليهم في ذلك حتى كان أبو علي يقول إذا سمع اضطراب آرائه وتناقضها:"عكر الشيخ"(1) وقال عنه ابن جني: " كان أبو الحسن ركابا لهذا الثبج (2) آخذا به غير محتشم منه وأكثر كلامه في عامة كتبه عليه"(3).
وقال عنه السيوطي "كان أبو الحسن الأخفش يقع له ذلك كثيرا حتى إن أبا علي كان إذا عرض له قول عنه يقول: لا بد من النظر في إلزامه إياه؛ لأن مذاهبه كثيرة"(4) ولعل ذلك كان منه في أكثر الأحيان حرصا على الوصول إلى الأحسن والأدق من الآراء في المسائل، وجريا على الزيادة في التمحيص والنظر من أجل الإبداع والتطوير والوصول إلى الجديد عن طريق التجديد، ولكي يخرج عما يراه قاصرا إلى ما يراه صحيحا، أو عما يراه ناقصا إلى ما يراه أكمل منه وأشمل، أو عما يراه سطحيا أو تقليديا إلى ما يراه أعمق وأكثر جدة وابتكارا وإبداعا.
(1) الخصائص 1: 205، 206.
(2)
ثبج البحر: وسطه ومعظمه" انظر القاموس المحيط 1: 187".
(3)
الخصائص 1: 205، 206.
(4)
السيوطي، الاقتراح 82.
وربما كان ذلك في بعض الأحيان مظهرا من مظاهر التردد لتعدد الأدلة أمامه في المسألة الواحدة، ولانعدام القدرة على الجزم فيها والقطع بأحدها وطرح ما سواه.
ويبدو لي أن سبب اضطراب رأي الأخفش في طائفة كبيرة من المسائل وخلافه مع البصريين وزيادته عليهم، ومتابعته للكوفيين أو متابعتهم له، مما يشاهد كثيرا في الكتب النحوية في الفروع الخلافية هو نفسه السبب الذي ذكرناه من قبل ورددنا إليه مراوحته بين التشدد في القياس تأثرا بالبصريين وتساهله فيه متابعا الكوفيين.
وخلاصة هذا السبب في هذه الأمور جميعا هو اتصاله بالكوفيين في بغداد بعد رحيله إليها من البصرة واختلاطه بهم ومصادقته لأئمتهم وتأثره باتجاهاتهم المتسامحة، ثم عودته إلى البصرة وابتعاده بذلك عن الكوفيين في بغداد مما أعاده إلى جو التشدد والالتزام الدقيق في الدرس النحوي في شتى مناحيه.
وأيا ما كان الأمر فإن من المسائل الكثيرة التي تعدد رأيه فيها:
- ذهابه تارة إلى إهمال "لات" وقوله: إن العمل الموجود بعدها هو لغيرها وليس لها فإذا وليها مرفوع فمبتدأ خبره محذوف، وإذا وليها منصوب فبإضمار فعل، وذهابه طورا آخر إلى أن "لات" تعمل عمل "إن" فتنصب الاسم وترفع الخبر.
- قوله برأي الخليل وسيبويه في أن جازم جواب الشرط هو الأداة والشرط معا، وقوله أيضا برأي الكوفيين في أن الشرط والجواب تجازما كما ترافع المبتدأ والخبر، واستقلاله بالقول إن جازم الشرط الأداة وجازم الجواب الشرط (1).
(1) انظر الهمع 2: 61، والتصريح 2:248.