الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل منهما عن الأخفش اسما ظاهرا على الفاعلية" (1).
(1) انظر ابن يعيش، شرح المفصل 14: 8، والمغني 443 - 444 ت محمد محمد الدين عبد الحميد.
ج)
المقاييس:
كان الأخفش يتشدد في القياس في بعض المسائل كقومه البصريين، ومع هذا فقد كان مكثرا من استعماله مولعا به كما يقول ابن جني (1)، لذلك ألف فيه كتابه "المقاييس" وتزيد في تطبيقه على طائفة كبيرة من مسائل النحو والصرف حتى ظهر في شطر من أقيسته التسمح كالكوفيين، فقد كان يسارع إذا قيل له مثلا: ابن مثل كذا من كذا مما لم تبن العرب مثله إلى تكلف بناء ذلك ويقول: إنما سألتني أن أمثل لك، وكان يبني جميع ما يسأل عنه ويقول: مسألتك ليست بخطأ وتمثيلي عليها صواب فإن أبي صاحبك فقل له: فلو جاء فكيف ينبغي أن يكون؟ فإنه لا يجد بدا من الرجوع إليك.
وبهذا تمادى الأخفش في استعمال القياس حتى جاءت له مواقف فيه تجاوز بها القصد فاصطنع الصيغ وصنعها، وطرد القياس في الباب الواحد وأجاز في كل أفراده ما يجوز لأحدها أو بعضها بالسماع تسمحا، وقاس شيئا على شيء شبيه به شبها بعيدا، كما قاس كالكوفيين على الشاهد الواحد أو القليل النادر، مع أنه كان من الواجب أن يقف تسامحه عند الحدود التي لا يؤذن فيها للقياس بأن تكون علته خفية أو بأن يتجاوز السماع أو يضاده، لأن المراد في الحقيقة من القياس أنه إذا ورد شيء ولم يعلم كيف تكلموا به فإنك تقيسه لا أنك تقيسه مع وجود السماع (2).
ولعل مرد تشدد الأخفش في القياس النحوي في بعض الأحيان كالبصريين وتسامحه فيه في أحيان أخرى اقتداء بالكوفيين هو إلى انتقاله من البصرة إلى بغداد واتصاله بالكوفيين فيها وتأثره بآرائهم وتسمحاتهم،
(1) انظر ابن جني، المنصف 176: 1، 180.
(2)
انظر التصريح 73: 2.
ثم عودته إلى البصرة وإقامته فيها وانقطاعه بذلك عن مشافهة الكوفيين، مما أعاده ثانية إلى شيء من منهج البصريين المتشددين.
ومن مواقف الأخفش المتنوعة إزاء القياس وفيها ما تشدد فيه، وما تساهل، وما تجاوز بتساهله الحد:
- منعه إيلاء إن وأخواتها معمول (1) خبرها مع إجازة غيره ذلك قياسا على ما سمع من قول الشاعر:
فلا تلحني فيها فإن بحبها
…
أخاك مصاب القلب جم بلابله
- إجازته تثنية الأعداد غير المائة والألف وجمعها قياسا على قول الشاعر:
فلن تستطيعوا أن تزيلوا الذي رسا
…
لها عند عال فوق سبعين دائم (2)
وفي حين لم يجز غيره من البصريين هذا القياس وعدوا البيت شاذا يحفظ ولا يقاس عليه (3).
- إجازته إعراب ثاني العدد المركب إذا أضيف مع إبقاء الأول على بنائه قياسا على إحدى لغات العرب، فتقول: هذه خمسة عشرك، بفتح التاء ورفع الراء، وأخذت خمسة عشرك، بفتح التاء ونصب الراء، ونظرت إلى خمسة عشرك، بفتح التاء وجر الراء (4).
- إبقاؤه عمل إن بعد تخفيفها قياسا (5) على إبقاء العرب عمل يكون بعد جزمها وحذف نونها للتخفيف مع بعد ما بينهما، وجعل منه تخفيف أهل المدينة إن وإعمالها في قوله تعالى:{وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} (6).
- قبوله الأشعار الشاذة واتخاذها أصلا للقياس، كما جرى في
(1) انظر الهمع 135: 1.
(2)
قصد الشاعر بالسبعين سبع سماوات وسبع أرضين "انظر الشنقيطي، الدرر اللوامع 18: 1".
(3)
انظر الهمع 43: 1.
(4)
انظر ابن يعيش، شرح المفصل 114:4.
(5)
انظر الصبان، حاشيته على شرح الأشموني 288:1.
(6)
سورة هود الآية 111
قول الشاعر:
فزججتها بمزجة
…
زج القلوص أبي مزاده (1)
فقد جوز الأخفش وتابعه الكوفيون الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول به قياسا على هذا البيت، فأقاموا عليه قاعدتهم هذه وطردوها، في حين ذهب سيبويه إلى أنه لا يجوز الفصل بينهما إلا بالظرف في الشعر فحسب (2).
ومع مواقف الأخفش هذه كانت له مواقف أخرى التزم بها في القياس جانب الاعتدال، وابتعد فيها عن التسمح وعن المغالاة والإبعاد على حد سواء وأدار القياس فيها بكفاءة وفقا لمقاييس المفهومات المتماثلة، واعتمد في الترجيح بين الأحكام القياسية على الذوق اللغوي والإحساس العميق بالمعاني، ومن ذلك:
- قياسه رفع الابتداء للمبتدأ والخبر سويا على إعمال إن في اسمها وخبرها معا واعتباره هذا الحكم في المقيس أقيس وأوجه وأحسن مما ذهب إليه سيبويه من أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وأن الخبر مرفوع (3) بالمبتدأ؛ لأنه أقرب إلى التوجيه الظاهر.
- قياسه بقية أفراد الباب على الفعلين القلبيين المتعديين "علم ورأى" الذين سمع (4) من العرب تعديتهما بالهمزة إلى أكثر من مفعول.
- حكمه بزيادة أكاد في غير التعجب (5) في نحو قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} (6) قياسا على زيادة أصبح وأمسى السماعية في باب التعجب في قول العرب: "ما أصبح أبردها، وما أمسى أدفأها" وقياسا على زيادة "كان" أم الباب القياسية بين ما وفعل التعجب كقول
(1) زججتها: طعنتها، القلوص: الناقة.
(2)
انظر ابن يعيش، شرح المفصل 22:3.
(3)
انظر الهمع 94: 1.
(4)
انظر ابن يعيش، شرح المفصل 7: 65 - 66.
(5)
انظر الهمع 129: 1.
(6)
سورة طه الآية 15