الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*ويتضح من هذا وضوحا تاما أن الإسلام والإيمان إنما هما عبارة عن التسليم بحاكمية الله القانونية والإذعان لها، وما الجحود بها إلا كفر صريح (1).
(1) نظرية الإسلام وهديه في السياسة .. لأبي الأعلى المودودي ص (256 - 257).
وولي الأمر يقوم بوظيفتين:
الأولى: إقامة الدين الإسلامي وتنفيذ أحكامه، والثانية: القيام بسياسة الدولة التي رسمها الإسلام، على أننا نستطيع أن نكتفي بالقول بأن وظيفة الخليفة هي إقامة الإسلام لأن الإسلام - كما علمنا - دين ودولة، فإقامة الإسلام هي إقامة للدين وقيام بشئون الدولة في الحدود التي رسمها الإسلام.
*وقد جاءت الآيات القرآنية الكريمة تبين أن وظيفة الدولة الإسلامية - أو
وظيفة ولي الأمر
- هي أن تقيم المآثر والمكارم التي يجب أن تتحلى بها الحياة البشرية، وتبث الخير، وتبذل جهد المستطاع في رقيها وتعميم ميراثها، وأن تستأصل وتنفي عن الأرض كل ما يبغضه الله من الفواحش والمنكرات، وتطهرها من شوائبها وأدناسها، وأن تقيم الصلاة وتأخذ الزكاة، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأن تسوس أمور الناس في حدود ما أنزل الله تعالى.
*وقد أجمل الدكتور محمد عبد الله العربي رحمه الله هذه الوظائف التي نصت عليها الآيات القرآنية الكريمة: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) فقال:
(1) سورة آل عمران الآية 104
أول ما يفرضه هذا الإرشاد الإلهي على المجتمع الإسلامي هو إقامة هيئة تضطلع بأداء وظائف ثلاث:
الوظيفة الأولى: هي الدعوة إلى الخير، والدعوة إلى الخير إذا قامت بها الهيئة ذات السلطان في المجتمع فليس معناها مجرد الدعوة، بل العمل الإيجابي على تحقيق مقتضيات الخير للمجتمع، وإذن فالدولة الإسلامية لن تكون إلا دولة خيرة، دولة شعارها تحقيق فلاح المجتمع الإنساني في كل آفاقه.
والوظيفة الثانية: هي الأمر بالمعروف، والمعروف هو كل الأصول الكلية التي فرضها الله تعالى لصالح المجتمع الإسلامي، وكل ما يبنى عليها ويتفرع منها.
والوظيفة الثالثة: هي النهي عن المنكر، والمنكر هو كل ما نهت عنه النصوص والأصول الكلية، وكل ما يقاس عليها في إلحاق الضرر بالمجتمع (1).
وليس هذا حصرا لكل وظائف الدولة، وإنما هو بيان إجمالي لها، لأن الدولة تقوم بكثير من الواجبات والوظائف الإيجابية والسلبية.
* يقول الأستاذ المودودي: (إن الدولة التي يريدها الإسلام ليس لها غاية سلبية فقط، بل لها غاية إيجابية أيضا، أي ليس من مقاصدها المنع من عدوان الناس بعضهم على بعض، وحفظ حرية الناس، والدفاع عن الدولة فحسب، بل الحق أن هدفها الأسمى هو نظام العدالة الاجتماعية الصالح الذي جاء به كتاب الله، وغايتها في ذلك النهي عن جميع المنكرات التي ندد بها الله تعالى بها في آياته، واجتثاث شجرة الشر من
(1) النظم الإسلامية، د. محمد عبد الله العربي: 1/ 122، مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية: 1/ 155.
جذورها، وترويج الخير المرضي عند الله تعالى، المبين في كتابه، ففي تحقيق هذا الغرض تستعمل القوة السياسية تارة، ويستفاد من منابر الدعوة والتبليغ العام تارة أخرى، ويستخدم لذلك وسائل التربية والتعليم طورا، ويستعمل لذلك الرأي العام والنفوذ الاجتماعي طورا آخر، كما تقتضيه الظروف والأحوال. فمن الظاهر أنه لا يمكن لمثل هذا النوع من الدولة أن تحدد دائرة عملها، لأنها شاملة محيطة بالحياة الإنسانية بأسرها، وتطبع كل فرع من الفروع الحياة الإنسانية بطابع نظريتها الخلقية الخاصة وبرنامجها الإصلاحي الخاص، فليس لأحد أن يقوم في وجهها ويستثني أمرا من أموره قائلا: إن هذا أمر شخصي خاص لكي لا تتعرض له الدولة.
وبالجملة: إن الدولة الإسلامية تحيط بالحياة الإنسانية وبكل فرع من فروع الحضارة وفق نظريتها الخلقية وبرنامجها الإصلاحي) (1).
ويقول أيضا: (ليست المهمة الحقيقية التي تتولاها الدولة الإسلامية في الأرض هي أن تعمل على إقامة الأمن والدفاع عن حدود البلاد أو رفع مستوى معيشة الأهالي، فما هذا هو الغرض الأقصى والغاية العليا من وراء قيام الدولة الإسلامية، فإن الميزة التي تميزها عن سائر الدول غير المسلمة هي أن تعمل على ترقية الحسنات التي يريد الإسلام أن يحلي بها الإنسانية، وتستنفذ جهودها في استئصال السيئات التي يريد الإسلام أن يطهر منها الإنسانية)(2).
* فالدولة الإسلامية لا تقتصر وظيفتها على الوظيفة التقليدية، وهي حفظ الأمن الداخلي والخارجي وإقامة مرفق القضاء، ولا على التدخل أو
(1) نظرية الإسلام وهديه في السياسة .. للمودودي ص (45 - 46).
(2)
نظرية الإسلام السياسية للمودودي ص (277 - 278).