الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجارة
وتجارة أخرى لن تبور. .!
فضيلة الشيخ
عثمان الصالح
رئيس التحرير
تتأكد بمرور الأيام أهمية الكلمة " منطوقة أو مكتوبة". .
وإذا كانت الكلمة المنطوقة لها دويها نحسه فيما تردده أجهزة كالمذياع والتلفاز وأشرطة التسجيل. .
فإنه سيظل مع ذلك للكلمة المقروءة " وزن خاص" تنفرد به في خضم ذلك الدوي الطنان من الكلمات الهادرة. . والسيل المتدفق من الكلمات في "أسواق الكلمة" العالمية المنحدرة من مختلف أصقاع العالم.
فالكلمة " مكتوبة فمقروءة". . ربما انفردت - لمن يقرأ فيخلص القراءة - بلون خاص من الإصغاء العقلي والتدبر المتأمل تعكس ازدهارا يعقبه من تأملات القلب والعقل ما لا يتأتى إلا بها.
قد يوافقني في ذلك من يدرك الفرق بين " قراءة" القرآن وبين
"الاستماع" إليه. . وإن كان في كل خير. .!
ألست ترى أخي "القارئ" أن العلماء. . . سواء كانوا متخصصين في العلوم الاجتماعية أم العلوم العملية. . . كالطب والهندسة وغيرها. .
لا يرضون بالقراءة بديلا وإن ضموا إليها وسائل أخرى.
وليعذرني القارئ. . . .
إن استخدمت تعبير " أسواق الكلمة". . إذ يبدو بهذا كما لو أني أدخلت " الكلمة" في "قاموس التجارة ". . ومن ثم فقد أجريت عليها " البيع والشراء". . وفتحت عليها بابا ما أوسعه وأشد خطره. .؟؟
وما إلى هذا قصدت. .
ولكني عنيت. . أطهر أنواع البيع والشراء حين تقتات الكلمة الشريفة على عصارة ذهن الكاتب الشريف وقلبه فالمكسب الذي يبتغيه من رواج " سلعته الكلامية". . .
ارتفاع مئذنة. .
وتشييد قبة جامعة. .
وبناء سور. . بل وأسوار وقلاع تحمي بلادنا وأخلاقنا ولنا في تشبيهات كتابنا الكريم المثل الأعلى. .
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (1)
فها أنت ترى " بيعا وشراء". .!
(1) سورة التوبة الآية 111
ولكنه ليس على ما ترى في عالمنا الذي يتسم اليوم بالغش والتدليس في تجارة الكلمة يزوقها ويغلفها بغية إدخالها على القارئ مدخل صدق. .
حتى ليبدو وكأن عالم اليوم قد انقسم إلى قسمين: خادع ومخدوع. . فاللهم إنا نستغيث بك أن نخدع. . أو نخدع. .
واسمع معي أخي المسلم " القارئ". .
المتمعن الفاحص لسلعة الكلمات في أسواقها الرائجة اللامعة وقد اختلف منتجوها. . وتنوعت من وراء ذلك أهداف. . وأهداف. . ألا يحضرك. . ويحضرني معك الآن. .
حديثه صلى الله عليه وسلم محذرا من هؤلاء المنتجين المزيفين. .!! وفي وصفهم ما يجفل منه القلب وتنبه الأعين لرصدهم. .
" حدثنا سويد. . أخبرنا ابن المبارك. أخبرنا يحيى بن عبيد الله
قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
«يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين. .
يلبسون للناس جلود الضأن من اللين،
ألسنتهم أحلى من السكر،
وقلوبهم قلوب ذئاب.
يقول الله عز وجل:
(1) سنن الترمذي الزهد (2404).
أبي يغترون؟
أم علي يجترئون؟
فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيران (1)»
وفي صحيح الترمذي رضي الله عنه يختلون الدنيا بالدين، أي يطلبون عمل الدنيا بعمل الآخرة، يقال: ختله أي خدعه وراوغه. .
ولو وعينا إلى حديث رسول الله هذا. . لكنا أمة من أوعى الأمم في تصنيف الرجال. . . وسبر أغوارهم. . .
بل ما كان يمكن أن ترتفع في سمائنا راية لكاتب مزيف. . مزيف أو لمداح أو هجاء. . . سواء بسواء. . .
كذلك ما جرت عجلات المطابع بطباعة. . . ولا قرأ القراء. . لمؤلف مخادع. . . ولو جرى قلمه بكلام أحلى مذاقا وأشهى من العسل. . .
وأن لو استقمنا على هذه الطريقة. بهذا الحذر الفردي والجماعي بجذوره المرتوية من أحاديثه صلى الله عليه وسلم. . لما امتلأت صحفنا وكتبنا تحذر من الغزو الفكري " وغسل العقول" وما تسللت إلينا كتابات تهدم ما رسخ من أشرف معتقداتنا وسلوكنا. .
تبدأ الكلمات هجومها من القلب والعقل وتنتهي إلى ابتلاع الأوطان ذاتها.
أردت أن أؤكد أننا اليوم في خضم ما يموج به العالم. .
نحتاج للكلمة تعيها أذن واعية. .!
وتسبر أغوارها عين فاحصة. .!!
(1) يختلون الدنيا بالدين: أي يطلبون عمل الدنيا بعمل الآخرة، يقال ختله. (1)
فالكلمة تلتصق بأعماق الأفكار. .
فإذا ما تركت ليوم أو بعض يوم. . . إذا هي عملاقة كأنها مارد يتبختر في طرقاتنا لا نستطيع له دفعا. . .
وهكذا فإن الأذن. . والعين كما تكونان للفرد تكونان للمؤسسات
تخلصان للكلمة النقية. . . وتشغلان بها إنتاجا وترويجا. . منعا ومحقا لما سواها. .!
فالكلمات مثل حدود البلاد يدافع عنها. . ويراقب الداخل إلينا. . والصادر عنا. . . . . كما يفتش في الأمتعة والسيارات والطائرات على ما يضر أمن الوطن والمواطن من سلاح ومخدرات وخمور. .
إننا ينبغي أن نأخذ بذلك أشد الأخذ صرامة. .
وفي حديثه صلى الله عليه وسلم من الدقة في التعبير ما يوضح ما نريده وليكن لنا من عبرته العميقة لقلوبنا مورد ثابت. .
حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا أبو معاوية. حدثنا الأعمش عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. .
«مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها. .
كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر. .!
فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها. .
فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها. .
فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا. .!
فقال الذين في أسفلها: فإنا ننقبها من أسفلها فنستقي. .!؟؟
فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم: نجوا جميعا. .!
وإن تركوهم غرقوا جميعا (1)». .
" حديث حسن صحيح "
(1) صحيح البخاري الشركة (2493)، سنن الترمذي الفتن (2173)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270).
صلى الله عليك وسلم يا رسول الله. .
لقد تركت فينا ما إن تمسكنا به فلن نهلك أبدا. . بل ولاتقينا الفتنة تنشأ من بين أيدينا وأرجلنا. . . ولهي فتنة أشد علينا وعلى المسلمين من أعدائهم من خارج بلادهم. .
" حدثنا محمد بن بشار: حدثنا وهب بن جرير: حدثنا أبي قال: سمعت النعمان بن راشد يحدث عن الزهري عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن خباب بن الأرت عن أبيه قال.
«صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فأطالها. .
قالوا: يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليها؟
قال: أجل إنها صلاة رغبة ورهبة. .
إني سألت الله فيها ثلاثا. .
فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. .!!
سألته أن لا يهلك أمتي بسنة. . فأعطانيها. .
وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم. . فأعطانيها. .
وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض. . فمنعنيها (1)». .!! "
إذن فلا خوف علينا من أن نهلك لنقص في الثمرات. . . .
بل ولا من تداعي الأمم علينا. .
ولكن الخوف والخوف كله من أن يذيق بعضنا بأس بعض. .!
وهل تبدأ نيران هذا البأس إلا بشرارة الكلمات المخاتلة تخلط الدنيا بالدين. . . ومن أولئك الذين يلبسون جلود الضأن من اللين. . وقلوبهم قلوب ذئاب. .!
(1) سنن الترمذي الفتن (2175).
وإذا كنت ألفت الأنظار في مجال الكلمة " مكتوبة فمقروءة". . وأهميتها البالغة. فإنني أنبه لأهمية إشاعة الكلمة العربية منطوقة فمقروءة. . لأنها لغة قرآننا وسمة حضارتنا. .
وليس أولى من جامعاتنا مجتمعة بهذا الدور الأساسي
ولذلك أود ولعلكم تودون معي أن يصبح للغة العربية مرتكز أساسي في أكثر من كلية في أكثر من جامعة. .
أود ذلك في جامعة الرياض. . فهي في القلب والمركز. . في العاصمة. . وأرجوه أكثر في جامعة البترول والمعادن. .
وأتمناه في جامعة الملك فيصل. .
ففي هاتين الجامعتين اللتين تقعان في أطراف البلاد تبدو الحاجة ماسة للغة العربية حيث تفشو الألسنة المتباينة وتفد الكلمات الأعجمية. .
حقائق ربما يعلمها القاصي قبل الداني. .
وهذا الاهتمام الواعي هو من صميم خطة دولتنا والقائمين عليها ممن يسهرون على حماية الإسلام ومقدساته. . . واللغة العربية سورها العظيم. . . .
نعم إننا نحترم التخصص. .
إلا أننا نود والدولة توجب. .! أن يخرج المتخصص في النهاية مسلما عربيا. . منتميا لقومه ودينه وبلسان هذا الدين القيم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. .
اللهم اجعلنا من الذين إذا قرءوا المسطور من الكلمات. . يتبعون أحسنها. .
- والذين إذا رأوا تجارة. . أو لهوا. . . لا ينفضون إليها. .
- أولئك الذين يرجون تجارة لن تبور. . .