الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني
لا يجوز رميها قبل طلوع الفجر
، ومن رماها قبل طلوع الفجر أعادها.
وقال (1) القرطبي قال الإمام مالك: لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لأحد برمي قبل طلوع الفجر ولا يجوز رميها قبل الفجر، فإن رماها قبل الفجر أعادها. انتهى كلام القرطبي.
وكذلك (2) قال بالمنع أبو حنيفة وأصحابه.
واستدل لهذا القول بالأدلة الآتية:
الدليل الأول
عن كريب عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه وثقله من صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد، وأن لا يرموا الجمرة إلا مصبحين» . أخرجه البيهقي في السنن الكبرى والطحاوي في شرح معاني الآثار.
وعن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في الثقل وقال: لا ترموا الجمرة حتى تصبحوا (3)» . أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار.
وجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن رمي جمرة العقبة إذا قدموا منى حتى يصبحوا (4) إذ المعنى حتى تدخلوا في الصباح وهو ما يحصل بأول الفجر ورد (5) هذا الاستدلال بأن اللفظ مطلق يدل على فرد شائع مما يحتمله اللفظ ومن جملة ما تصح إرادته الوقت الذي بعد طلوع الشمس لدخوله في مطلق الإصباح فيكون مجملا، وقد بين بفعله صلى الله عليه وسلم حيث رماها ضحى فكان هو المراد ولا ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم (حتى تطلع الشمس) لعدم التفاوت بين طلوعها ووقت الضحى الذي هو انبساطها وإشراق نورها إذ فيه تحقيق للبعدية. انتهى.
وأما قول مالك رحمه الله لم يبلغنا يعارض بما سبق في حديث أم سلمة وأسماء.
الدليل الثاني القياس وهو (6) أن النصف الآخر من الليل وقت الوقوف فلم يكن وقتا للرمي كالنصف الأول.
ويجاب عنه بأن (7) أوقات المناسك لا تعرف قياسا.
(1) تفسير القرطبي 3/ 5
(2)
بدائع الصنائع 2/ 137 والمغني والشرح 3/ 449
(3)
صحيح مسلم الحج (1294)، سنن الترمذي الحج (893)، سنن أبو داود المناسك (1941).
(4)
الروض النضير 3/ 53
(5)
الروض النضير 3/ 54
(6)
المنتقي للباجي 2/ 22
(7)
بدائع الصنائع 2/ 138
القول الثالث
أن أول وقته للضعفة من طلوع الفجر ولغيرهم من بعد طلوع الشمس وهو (1) قول النخعي والثوري (2) واختيار ابن القيم.
واستدل لهذا القول بأدلة:
الدليل الأول عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: (لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه (3)» رواه مسلم.
وجه الدلالة قال النووي (4) وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «لتأخذوا مناسككم (5)» ، فهذه اللام لام الأمر ومعناه: خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال، والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس، وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة:«صلوا كما رأيتموني أصلي (6)» . انتهى.
الدليل الثاني عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس (7)» . رواه أصحاب السنن الأربعة (8) وصححه الترمذي (9) والنووي (10) وابن القيم.
ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة وقد مضى إيراد ابن القيم على هذا الحديث ودفعه ومناقشته لحديث أم سلمة وأسماء.
الدليل الثالث حديث أسماء المتفق عليه وقد سبق قال فيه: «قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: نعم قالت: فارتحلوا. فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا قالت: يا بني " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن (11)» أ. هـ.
(1) المغني والشرح 3/ 449
(2)
زاد المعاد 1/ 471
(3)
صحيح مسلم الحج (1297)، سنن النسائي مناسك الحج (3062)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).
(4)
النووي على مسلم 9/ 43
(5)
صحيح مسلم الحج (1297)، سنن النسائي مناسك الحج (3062)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).
(6)
صحيح البخاري الأذان (631)، سنن الدارمي الصلاة (1253).
(7)
صحيح البخاري الحج (1678)، سنن الترمذي الحج (893)، سنن النسائي مناسك الحج (3048)، سنن أبو داود المناسك (1941).
(8)
جامع الترمذي مع التحفة 2/ 103
(9)
المجموع شرح المهذب 8/ 108
(10)
زاد المعاد 1/ 471
(11)
صحيح البخاري الحج (1679)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 347).
وجه الدلالة: هذا (1) الحديث المتفق عليه صريح أن أسماء رمت الجمرة قبل طلوع الشمس بل بغلس وهو بقية الظلام.
وصرحت بأنه صلى الله عليه وسلم أذن في ذلك للظعن ومفهومه أنه لم يأذن للذكور الأقوياء. انتهى.
وقد مضت مناقشة هذا الدليل عند الاستدلال به للمذهب الأول.
الدليل الثاني حديث عبد الله بن عمر المتفق عليه وفيه أنه كان يقدم ضعفة أهله وأن منهم من يقدم لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول رخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجه الدلالة حديث (2) ابن عمر هذا المتفق عليه يدل دلالة واضحة على الترخيص للضعفة في رمي جمرة العقبة بعد الصبح قبل طلوع الشمس كما ترى ومفهومه أنه لم يرخص لغيرهم في ذلك. وقد جمع ابن القيم بين أدلة هذا الباب فقال: لا (3) تعارض بين هذه الأحاديث فإنه أمر الصبيان ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس فإنه لا عذر لهم في تقديم الرمي، أما من قدمه من النساء فرمين قبل الشمس للعذر والخوف عليهن من مزاحمة الناس وحطمهم وهذا الذي دلت عليه السنة جواز الرمي قبل طلوع الشمس للعذر بمرض أو كبر يشق معه مزاحمة الناس لأجله، وأما القادر الصحيح فلا يجوز له ذلك. انتهى.
وبعد سرده للمذاهب في هذه المسألة قال (4): والذي دلت عليه السنة إنما هو التعجيل بعد غيبوبة القمر لا نصف الليل وليس مع من حده بالنصف دليل.
* وقال (5) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي الذي يقتضي الدليل رجحانه في هذه المسألة أن الذكور الأقوياء لا يجوز لهم رمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس وأن الضعفة والنساء لا ينبغي التوقف في جواز رميهم بعد الصبح قبل طلوع الشمس لحديث أسماء وابن عمر المتفق عليهما الصريحين في الترخيص لهم في ذلك، وأما رميهم أعني الضعفة والنساء قبل طلوع الفجر فهو محل نظر فحديث عائشة عن أبي داود يقتضي جوازه وحديث ابن عباس عند أصحاب السنن يقتضي منعه.
والقاعدة المقررة في علم الأصول هي أن يجمع بين النصين إن أمكن الجمع وإلا فالترجيح بينهما، وقد جمعت
(1) أضواء البيان5/ 279
(2)
أضواء البيان 5/ 279
(3)
زاد المعاد 1/ 471
(4)
زاد المعاد 1/ 472
(5)
أضواء البيان 5/ 280