المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رمي الجمرة قبل طلوع الشمس - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الافتتاحية

- ‌تجارةوتجارة أخرى لن تبور. .!فضيلة الشيخعثمان الصالح

- ‌رمي الجمرة قبل طلوع الشمس

- ‌القول الثانيلا يجوز رميها قبل طلوع الفجر

- ‌ رمي جمرة العقبة ليلة النفر

- ‌ تقديم رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق

- ‌المذهب الأوللا يجوز تقديم رمي الجمار قبل الزوال

- ‌المذهب الثالثمذهب أبي حنيفة وفيه تفصيل

- ‌ رمي الجمار في ليلتي اليوم الثاني عشر والثالث عشر عن اليوم الذي قبلها

- ‌المذهب الأولالجواز وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية

- ‌ أدلة الترخيص للرعاة في الرمي

- ‌المشقة تجلب التيسير

- ‌أقسام المشقة

- ‌موضع اعتبار الحرج والمشقة

- ‌مصادر البحث وملحقاته

- ‌الطلاق المعلق

- ‌أولا ما ورد عن الصحابة والتابعين من الآثار:

- ‌ثانيا: أقوال فقهاء المذاهب الأربعة

- ‌ مذهب الحنفية

- ‌ مذهب المالكية

- ‌ مذهب الشافعية

- ‌ المذهب الحنبلي

- ‌ التفريق بين التعليق الذي يقصد به الإيقاع والتعليق الذي يقصد به اليمين

- ‌تأجيل دراسة موضوع الطلاق المعلق

- ‌وجهة نظر

- ‌تحديد المهور

- ‌ثانيا: من عرف مهرها من سائر زوجات أصحابه رضي الله عنهم

- ‌ثالثا: هل وجد في نصوص الشريعة حد للمهور

- ‌رابعا: قصة عمر مع من أنكرت عليه حديثه في تقليل المهور

- ‌خامسا: ما الفرق بين تحديد أسعار الأعيان والمنافع وتحديد المهور

- ‌سادسا: مبررات التحديد ومضار عدمه

- ‌قرار رقم 52 وتاريخ 4/ 4 / 1397ه

- ‌تحديد النسل

- ‌ الفرق بين منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل

- ‌بواعث منع الحمل وتحديد النسل مع المناقشة

- ‌ وسائل تحديد النسل وبيان مضارها

- ‌الفلسفة

- ‌ الجو الذي نشأت فيه الفلسفة

- ‌ السمات العامة للفلسفة

- ‌اليهود والفلسفة

- ‌البلاغة النبوية وأثرها في النفوس

- ‌أقباس من العسكرية الإسلامية في القرآن الكريم

- ‌التدريب الفردي

- ‌الحوافز المادية

- ‌معادلة الحرب النفسية

- ‌حرب عادلة

- ‌مبتكر علم الجبرمحمد بن موسى الخوارزمي

- ‌الجذور عند الخوارزمي

- ‌المعادلات ذا الدرجة الأولى والثانية

- ‌طريقة التقريب لجذر المعادلة

- ‌الطريقة البيانية لإيجاد جذر المعادلة

- ‌إيجاد المساحة

- ‌اختلاف ربا الدين في الإسلامعنربا اليهود

- ‌ مزاعم المستشرقين

- ‌ القول بوحدة الربا والاختلاف في أصله

- ‌ نصوص تحريم الربا عند اليهود

- ‌ خصائص الربا عند اليهود

- ‌الخاصية الأولىالربا في القرض والبيع

- ‌الخاصية الثانيةالربا مقابل الأجل

- ‌الخاصية الثالثة الربا ظلم للمدين

- ‌الخاصية الرابعةالحظر القضائي للربا مختلف فيه

- ‌أنواع الربا في القرآن

- ‌أنواع الربا في السنة

- ‌استقلال ربا الدين عن ربوي الفضل والنسيئة

- ‌الفرق بين ربا الدين والنسيئة

- ‌خصائص ربا الدين في الإسلام

- ‌ الربا في الدين وحده ولا ينطبق على البيع

- ‌الربا مقابل الأجل

- ‌الربا محظور على الدائن والمدين معا

- ‌للربا حكمته المتميزة على ظلم المدين

- ‌ المساواة بين المسلم وغير المسلم في الربا

- ‌من نتائج اختلاف الربوين الإسلامي واليهودي

- ‌جهاز تعيين اتجاه القبلة

- ‌استعمال الجهاز

- ‌نظرية الجهاز

- ‌النموذج "م1

- ‌وصف الجهاز

- ‌طريقة الاستعمال

- ‌النموذج "م2

- ‌وصف الجهاز

- ‌النموذج "م3

- ‌المؤتمرات

- ‌المؤتمر العالمي بلندنعنحياة المسيح عليه السلام

- ‌الحوار الإسلامي المسيحيووجهة نظرإسلامية

- ‌إيضاحات وتنبيهات

- ‌حكم الاحتفال بالموالد

- ‌وجوب إنكار المعاملات الربوية

- ‌حرمة تأخير تزويج البنات والأخوات

- ‌تهنئة لحكومة الباكستان لإعلانها تطبيقالشريعة الإسلامية

- ‌التنبيه على خبر باطل في أخبار مكة

- ‌حول ما سمي بمسجد الخندق بالمدينة المنورة

- ‌أهداف معهد اللغة العربية - جامعة الرياضالمملكة العربية السعودية

- ‌الصلاة في الطائرة. . وإمامة الصلاة في الجمعة. . وزكاة الحلي

- ‌حكم الصلاة على السجاد المحلى بالصور

- ‌«من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة

- ‌ما حكم تارك الصلاة

- ‌الشرط - قضاء الفريضة

- ‌فيالوضوء - الصلاة - الإمامة - الطواف

- ‌كيفية تحديد مواقيت الصلاة

- ‌ترك الصلاة طيلة وجوده في الجامعة

- ‌حادث المسجد الحراموأمرالمهدي المنتظر

- ‌بيان من هيئة كبار العلماءبشأن الاعتداء علىالمسجد الحرام

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌رمي الجمرة قبل طلوع الشمس

‌رمي الجمرة قبل طلوع الشمس

ص: 19

الحمد لله وحده وبعد:

فقد عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثانية المنعقدة في مدينة الرياض في المدة من 1/ 8 / 1392 هـ إلى 13/ 8 / 1392هـ.

موضوع (حكم رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد ورميها في ليلة اليوم الأول من أيام التشريق. وكذا حكم تقديم الرمي أيام التشريق قبل الزوال. وحكم الرمي ليالي أيام التشريق) مشفوعا بالبحث المعد من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

ورغبة في إطلاع قراء (مجلة البحوث الإسلامية) على هذا البحث القيم ننشره بنصه:

ص: 20

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فهذا بحث في بيان حكم رمي جمرة العقبة ليلة النحر، ورميها ليلة القمر، وتقديم رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق، والرمي في ليلتي يومي الثاني عشر والثالث عشر، وبيان أدلة الترخيص للرعاة، وطريقة البحث هي: تحرير محل الخلاف، وذكر المذاهب، وبعض القائلين بكل مذهب وبيان مآخذهم، ومناقشة هذه المآخذ، والمقارنة بينها على القدر الذي يسره الله جل وعلا وترك الترجيح لأصحاب السماحة والفضيلة أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء، وقد روعي في إعداد هذا البحث نسبة كل قول إلى من قال به مع ذكر المصدر الذي أخذ منه، وسيكون في آخر البحث قائمة تشتمل على بيان كاف للمصادر التي أخذ منها حتى يتيسر الأمر لمن أراد الاطلاع عليها والله ولي التوفيق.

ص: 21

رمي الجمرة قبل طلوع الشمس

المسألة الأولى: حكم رمي جمرة العقبة ليلة العيد

اختلف العلماء متى يبتدئ وقت رميها فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يجوز رميها بعد منتصف الليل من ليلة النحر وممن قال (1) به الشافعي وقال (2) المرداوي: وهو الصحيح من المذهب مطلقا وقول أكثر الأصحاب وقال** (3) ابن قدامة: وبذلك قال عطاء وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد.

أدلة هذا المذهب:

الدليل الأول

عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعني" عندها (4)» رواه أبو داود وسكت عنه. قال (5) أبو حازم: قال أبو داود في رسالته لأهل مكة وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء. وقال (6) ابن كثير: انفرد به أبو داود وهو إسناد جيد. وقال (7) ابن حجر: إسناده صحيح، وقال (8) ابن قدامة: واحتج به أحمد.

(1) الأم - 2/ 180

(2)

الإنصاف - 4/ 37

(3)

المغني والشرح 3/ 49

(4)

سنن أبو داود المناسك (1942).

(5)

شروط الأئمة الخمسة 54

(6)

البداية والنهاية 5/ 182

(7)

الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/ 24

(8)

المغني والشرح 3/ 49

ص: 22

وجه الدلالة قال (1) الشافعي: وهذا لا يكون إلا وقد رمت قبل الفجر بساعة، وقد اعترض على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ودلالته.

أما الاعتراض عليه من جهة سنده فإنه روي مرسلا وموصولا مسندا. قال (2) القرطبي روى معمر قال: أخبرني هشام بن عروة عن أبيه قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة أن تصبح بمكة يوم النحر وكان يومها (3)» . قال أبو عمر اختلف على هشام في هذا الحديث، فروته طائفة عن هشام عن أبيه مرسلا كما رواه معمر ورواه آخرون عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أمر أم سلمة بذلك مسندا، ورواه آخرون عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة مسندا أيضا وكلهم ثقاة. انتهى.

* قال (4) إذا اختلف الثقات في حديث فرواه بعضهم متصلا وبعضهم مرسلا فاختلف أهل الحديث هل الحكم لمن وصل أو لمن أرسل أو للأكثر أو للأحفظ على أربعة أقوال، أحدهما الحكم لمن وصل وهو الأظهر الصحيح كما صححه الخطيب، وقال ابن الصلاح إنه الصحيح في الفقه وأصوله. وقد اعتضد هذا الحديث بما رواه (5) الخلال بسنده عن سليمان بن داود عن هشام بن عروة عن أبيه قال:«أخبرتني أم سلمة قالت قدمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قدم من أهله ليلة المزدلفة قالت فرميت بليل ثم مضيت إلى مكة فصليت بها الصبح ثم رجعت إلى منى» .

قال ابن القيم: قلت: سليمان بن أبي داود - هذا - هو الدمشقي الخولاني ويقال: ابن داود، قال أبو زرعة عن أحمد رجل من أهل الجزيرة ليس بشيء، وقال عثمان بن سعيد: ضعيف. انتهى.

قال (6) ابن حجر قال فيه ابن حبان: سليمان بن داود الخولاني من أهل دمشق ثقة مأمون وقد أثنى على سليمان بن داود أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ. ثم قال أيضا: قلت أما سليمان بن داود الخولاني فلا ريب في أنه صدوق. انتهى.

قال (7) الخطيب البغدادي - إذا عدل جماعة رجلا وجرحه أقل عددا من المعدلين فإن الذي عليه جمهور العلماء أن الحكم للجرح والعمل به أولى، وقالت طائفة: بل الحكم للعدالة، وهذا خطأ لأجل ما ذكرناه من أن الجارحين يصدقون المعدلين في العلم بالظاهر ويقولون: عندنا زيادة علم لم تعلموه من باطن أمره. وقد اعتلت هذه الطائفة بأن كثرة المعدلين تقوي حالهم وتوجب العمل بخبرهم وقلة الجارحين تضعف خبرهم، وهذا بعد ممن توهمه لأن المعدلين وإن كثروا ليسوا يخبرون عن عدم ما أخبر به الجارحون، ولو أخبروا بذلك وقالوا: نشهد أن هذا لم يقع منه لخرجوا بذلك من أن يكونوا أهل

(1) الأم 2/ 180

(2)

تفسير القرطبي 3/ 625.

(3)

مسند أحمد بن حنبل (4/ 326).

(4)

شرح ألفية العراقي 1/ 174

(5)

زاد المعاد 1/ 470.

(6)

تهذيب التهذيب.

(7)

الكفاية في علم الرواية 107

ص: 23

تعديل أو جرح لأنها شهادة باطلة على نفي ما يصح ويجوز وقوعه وإن لم يعلموه فثبت ما ذكرناه. وقال (1) أيضا: والذي يقوي عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما، وقد (2) أبطل ابن القيم رحمه الله حديث أم سلمة بما ثبت في الصحيحين عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت:«استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أن تدفع قبله وقبل حطمة الناس وكانت امرأة ثبطة قالت فأذن لها فخرجت قبل دفعه وحبسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه ولأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة أحب إلى من مفروح به (3)»

وجه الدلالة أن الحديث الصحيح يبين أن نساءه غير سودة إنما دفعن معه وقد رد هذا الاستدلال بما رواه الدارقطني وغيره عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نساءه أن يخرجن من جمع ليلة جمع ويرمين الجمرة ثم نصبح في منزلنا فكانت تصنع ذلك حتى ماتت (4)» .

وقد أجاب ابن القيم رحمه الله عن هذا الرد فقال: يرده محمد بن حميد أحد رواته كذبه غير واحد.

ويرده أيضا حديثها الذي في الصحيحين وقولها " وددت إني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة ".

وقد أورد على جواب ابن القيم بأنه ثبت في صحيح مسلم عن أم حبيبة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل (5)» .

فأجاب عنه بأنها من الضعفة التي قدمها صلى الله عليه وسلم.

ثم أورد ابن القيم اعتراضا فقال: فما تصنعون بما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر فرموا الجمرة مع الفجر (6)» .

فأجاب عنه بقوله قيل: نقدم عليه حديثه الآخر الذي رواه أيضا الإمام أحمد والترمذي وصححه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله وقال: لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس (7)» ، ولفظ أحمد فيه:«قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس (8)» لأنه أصح منه وفيه «نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي الجمرة قبل طلوع الشمس» وهو محفوظ بذكر القصة فيه، والحديث الآخر إنما فيه أنهم رموها مع الفجر. انتهى كلام ابن القيم. وأما الاعتراض عليه من جهة متنه: فقال (9) ابن القيم: وأما حديث عائشة رضي الله عنها «أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم

(1) الكفاية في علم الرواية 107

(2)

زاد المعاد 1/ 470، 471

(3)

صحيح البخاري الحج (1681)، صحيح مسلم الحج (1290)، سنن النسائي مناسك الحج (3049)، سنن ابن ماجه المناسك (3027)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 164)، سنن الدارمي المناسك (1886).

(4)

سنن النسائي مناسك الحج (3066).

(5)

صحيح مسلم الحج (1292)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 427)، سنن الدارمي المناسك (1885).

(6)

مسند أحمد بن حنبل (1/ 320).

(7)

صحيح البخاري الحج (1678)، سنن الترمذي الحج (893)، سنن النسائي مناسك الحج (3048)، سنن أبو داود المناسك (1941)، سنن ابن ماجه المناسك (3026).

(8)

صحيح البخاري كتاب الأدب (6148)، صحيح مسلم الجهاد والسير (1802)، سنن الترمذي الحج (893)، سنن النسائي مناسك الحج (3064)، سنن أبو داود المناسك (1940)، سنن ابن ماجه المناسك (3025)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 311).

(9)

زاد المعاد 1/ 470، 469

ص: 24

الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عندها (1)» - رواه أبو داود. فحديث منكر أنكره الإمام أحمد وغيره، ومما يدل على إنكاره أن فيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرها أن توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة " وفي رواية " توافيه بمكة، وكان يومها فأحب أن توافيه (2)» وهذا من المحال قطعا. قال الأثرم: قال لي أبو عبد الله حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه «عن زينب بنت أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة (3)» ولم يسنده غيره وهو خطأ وقال وكيع عن أبيه مرسلا «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة (4)» أو نحو هذا، وهذا أعجب أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر وقت الصبح ما يصنع بمكة ينكر ذلك. قال فجئت إلى يحيى بن سعيد فسألته فقال عن هشام عن أبيه " أمرها أن توافي" ليس " توافيه" قال وبين " ذين فرق" قال: قال لي يحيى: سل عبد الرحمن عنه فسألته فقال: هكذا عن هشام عن أبيه قال الخلال: سها الأثرم في حكايته عن وكيع " توافيه" وإنما قال وكيع: " توافي منى " وأصاب في قوله " توافي" كما قال أصحابه وأخطأ في قوله: " منى " انتهى المقصود.

فقد اعتمد ابن القيم رحمه الله في إنكار هذا الحديث على إنكار الإمام أحمد كما اعتمد عليه (5) ابن التركماني (6)، والطحاوي ولكن يرد استنكار الإمام أحمد رحمه الله لهذا الحديث قول (7) ابن قدامة رحمه الله بعد ذكره لهذا الحديث، واحتج به أحمد، وقد سبق ذكر طائفة من أهل العلم بالحديث ورجاله أنهم صححوه واعتماد ابن القيم رحمه الله وكذلك الطحاوي وابن التركماني على استنكار الإمام أحمد غير صحيح فقد تبين أنه احتج به فبطل الأصل وببطلانه يبطل قول من اعتمد عليه، وصرح (8) ابن حجر في التلخيص الجيد بسلامته من الزيادة التي استنكرها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أي سلامة رواية أبي داود.

وأما الاعتراض على حديث أم سلمة من ناحية الدلالة فمن وجهين: أحدهما أنه خاص بها.

قال (9) الخطابي: وقال غيره - أي الشافعي - إنما هذا رخصة فلا يجوز أن يرمي قبل الفجر.

قال (10) الزرقاني، ويؤيده كون ذلك اليوم يوم نوبتها منه صلى الله عليه وسلم وله أن يخص من شاء بما شاء.

ويجاب عن هذا بأن القاعدة المقررة في علم الأصول أن خطاب (11) المواجهة يعم إلا إذا أول الدليل على الخصوص.

ويرد ذلك بورود الأدلة الدالة على نهي ابن عباس وأمثاله عن الرمي قبل طلوع الشمس، وكذلك رميه صلى الله عليه وسلم ضحى مع قوله:«خذوا عني مناسككم (12)» .

(1) سنن أبو داود المناسك (1942).

(2)

مسند أحمد بن حنبل (6/ 291).

(3)

مسند أحمد بن حنبل (6/ 291).

(4)

مسند أحمد بن حنبل (6/ 291).

(5)

الجوهر النقي في الرد على البيهقي 5/ 132

(6)

شرح معاني الآثار 2/ 221

(7)

المغني والشرح الكبير 3/ 449

(8)

التلخيص الحبير 2/ 258

(9)

معالم السنن 2/ 405

(10)

شرح المواهب اللدنية 8/ 188

(11)

الروضة 2/ 101، 100

(12)

سنن النسائي مناسك الحج (3062).

ص: 25

ويمكن أن يجاب (1) عن هذا بأن حديث عائشة محمول على الجواز، وحديث ابن عباس محمول على الأفضل.

أو أن حديث ابن عباس محمول على غير أهل الأعذار، وحديث عائشة محمول على أهل الأعذار.

الوجه الثاني أن الرخصة لأم سلمة رضي الله عنها أن ترمي في الليل عام في النساء فقط لكنه يجوز لمن بعث معهن من الضعفة كالعبيد والصبيان أن يرمي في وقت رميهن.

وقد يفهم تخصيص ذلك بالنساء من تصرف النسائي حيث ترجم هذه الترجمة " الرخصة في ذلك للنساء" وساق حديث عائشة وذلك بعد روايته لحديث ابن عباس الذي في النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس".

* وقال (2) محمد شمس الحق العظيم أبادي: وهذا الحكم مختص بالنساء فلا يصلح للتمسك به على جواز الرمي لغيرهن من هذا الوقت لورود الأدلة الدالة بخلاف ذلك لكنه يجوز لمن ذهب معهن من الضعفة كالعبيد والصبيان أن يرمي في وقت رميهن ويجري في هذا الوجه من المناقشة والمقارنة ما جرى في الوجه الذي قبله.

الدليل الثاني

عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر «أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: لا. ثم صلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ فقلت: نعم. قالت: فارتحلوا. فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت: يا هنتاه ما أرانا ألا قد غلسنا. قالت: يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن للظعن (3)» . هذا لفظ البخاري وعن عطاء بن أبي رباح، رضي الله عنه، قال: إن مولاة أسماء بنت أبي بكر أخبرته قالت: «جئنا مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما منى بغلس، قالت: فقلت لها: لقد جئنا منى بغلس، فقالت: كنا نصنع ذلك مع من هو خير منك (4)» . أخرجه مالك في الموطأ والنسائي في السنن.

وأخرج أبو داود قال عطاء: أخبرني مخبر «عن أسماء أنها رمت الجمرة قلت: إنا رمينا الجمرة بليل. قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (5)» ، وقول أسماء رضي الله عنها: كنا نصنع ذلك مع من هو خير منك، وكنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم له حكم الرفع كما هو مقرر في (6) علم أصول الحديث.

وجه الدلالة في (7) هذا الحديث دليل على أنه يجوز للنساء الرمي لجمرة العقبة في النصف الأخير من الليل (8) وحد القبلية نصف الليل بشهادة العرف وظاهره سواء كان ثمة عذر أم لا، ولذلك «قالت أسماء: كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى عليه وسلم، (9)» وخطاب المواجهة يعم كما سبق، وقد سبق في رواية البخاري «قد أذن للظعن (10)» .

(1) الروض النضير 3/ 53

(2)

عون المعبود 2/ 139

(3)

صحيح البخاري الحج (1679)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 347).

(4)

صحيح البخاري الحج (1679)، سنن النسائي مناسك الحج (3050)، سنن أبو داود المناسك (1943)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 347)، موطأ مالك كتاب الحج (889).

(5)

صحيح البخاري الحج (1679)، سنن النسائي مناسك الحج (3050)، سنن أبو داود المناسك (1943)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 347)، موطأ مالك كتاب الحج (889).

(6)

شرح ألفية العراقي 1/ 128

(7)

عون المعبود 2/ 139

(8)

الروض النضير 3/ 53

(9)

صحيح البخاري الحج (1679)، سنن النسائي مناسك الحج (3050)، سنن أبو داود المناسك (1943)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 347)، موطأ مالك كتاب الحج (889).

(10)

صحيح البخاري الحج (1679)، صحيح مسلم الحج (1291)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 347).

ص: 26

وقد رد هذا الوجه بأن أسماء إنما رمت بعد طلوع الفجر فلا حجة فيه لمن استدل به على جواز رميها قبل طلوع الفجر قال (1) ابن القيم ليس في هذا " يعني" حديث أسماء دليل على جواز رميها أي جمرة العقبة بعد نصف الليل فإن القمر يتأخر في الليلة العاشرة إلى قبيل الفجر، وقد ذهبت أسماء بعد غيابه من مزدلفة إلى منى فلعلها وصلت مع الفجر أو بعده فهي واقعة عليه، ومع هذا فهي رخصة للظعن وإن دلت على تقدم الرمي فإنما تدل على الرمي بعد طلوع الفجر. انتهى.

* وقال (2) الطحاوي متعقبا الاستدلال بحديث أسماء على جواز الرمي بعد نصف الليل قال: فقد يحتمل " أي قول مولى أسماء لها" قد غلسنا " أن يكون أراد التغليس في الدفع من مزدلفة، ويجوز أن يكون أراد التغليس في الرمي فأخبرته أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أذن لهم في التغليس لما سألها عن التغليس به من ذلك، وقال بعد ذلك في باب رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر" قد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب حديث أسماء أنها رمت ثم رجعت إلى منزلها فصلت الفجر فقلت لها: قد غلسنا فقالت: «رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للظعن (3)» . فأخبرت أن ما قد كان رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك للظعن هو الإفاضة من المزدلفة في وقت ما يصيرون إلى منى في حال مآلهم أن يصلوا صلاة الصبح. انتهى.

* (4) وتعقبه أيضا ابن كثير فقال: إن كانت أسماء بنت الصديق رمت الجمار قبل طلوع الشمس كما ذكرها هنا عن توقيف فروايتها مقدمة على رواية ابن عباس لأن إسناد حديثها أصح من إسناد حديثه اللهم إلا أن يقال: إن الغلمان أخف حالا من النساء وأنشط، فلهذا أمر الغلمان بألا يرموا قبل طلوع الشمس، وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لأنهم أثقل حالا وأبلغ في التستر، وإن كانت أسماء لم تفعله عن توقيف فحديث ابن عباس مقدم على فعلها لكن يقوي الأول قول أبي داود. .

«عن أسماء أنها رمت الجمرة بليل، قلت: إنا رمينا الجمرة بليل، قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم (5)» . انتهى كلام ابن كثير.

والغلس (6) محركة ظلمة آخر الليل، والليل (7) والليلات من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق أو الشمس. انتهى. وإذا كان رميها قد وقع قبل الفجر فتجري فيه المناقشة والمقارنة التي مضت في الجواب عن الاعتراض الثاني على حديث أم سلمة من جهة دلالته.

الدليل الثالث

القياس ونصه: ولأنه (8) وقت للدفع من مزدلفة وكان وقتا للرمي كبعد طلوع الشمس. ويجاب عن (9) هذا بأن أوقات المناسك لا تعرف قياسا.

(1) تهذيب السنن 2/ 406

(2)

شرح معاني الآثار 2/ 218، 216

(3)

صحيح البخاري الحج (1679)، صحيح مسلم الحج (1291)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 347).

(4)

البداية والنهاية 5/ 182

(5)

صحيح البخاري الحج (1679)، صحيح مسلم الحج (1291)، سنن النسائي مناسك الحج (3050)، سنن أبو داود المناسك (1943)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 347)، موطأ مالك كتاب الحج (889).

(6)

القاموس2/ 232

(7)

القاموس 4/ 48

(8)

المغنى لابن قدامة 3/ 449

(9)

بدائع الصنائع 2/ 138

ص: 27