الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى الأئمة أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه (1)» .
ويحرم هذا الحديث الصحيح على المدين إيتاء ربا الدين كما يحرم كتابته والشهادة عليه، أما ربا البيع فيفسد العقد ذاته، ونجد في حديث ربا الفضل أن طرفي البيع يستويان في اعتبارهما يأكلان الربا بما يصيب كل منهما من العقد المحرم.
فالربا، باستعماله العام في السنة، يعني تعدي محظورات هي من كبائر الإثم، تختلف أنواعها وتتعدد، لتحمي من المصالح الضرورية مثل ما يحميه حظر الربا المعهود في الديون المؤجلة، ونجد الربا بهذا المعنى كالإسراف كما أطلقه القرآن الكريم، ففي مادة اللفظين معنى الزيادة على المعروف، فناسب إطلاقها على ما جاوز أمر الشريعة من عظيم الخطيئات، وقد فسر الإسراف في قوله تعالى مخاطبا الأوصياء في شأن أموال اليتامى:{وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} (2) بأنه أكل مال اليتيم بغير سبب مباح (3). وهو يشبه الربا حين يراد به أكل المال بسبب غير مباح شرعا، وتقصد كل تلك الأحكام، أن تتم رعاية المال في تداوله واستثماره، وتتكامل مع ما شرعه الإسلام لحفظ المال من حدود بيئية تذود عنه السارقين والمحاربين، وتعزير لمن يغصبه أو يماطل في أدائه، ومن تدابير الولاية على من تعوزه أهلية التصرف فيه، حتى يتحقق للمعاملات صحة الإرادة والسلامة من الغش والجهالة وغيرها مما تتوقف عليه المصلحة الشرعية المرجوة للأفراد والأمة جميعا من المعاوضات المالية.
وكما توعد القرآن الذين يأكلون الربا بالنار التي أعدت للكافرين، نصت آياته على أن المسرفين هم أصحاب النار.
(1) نيل الأوطار للشوكاني، ج5 ص161، وتفسير القرطبي، ج3 ص364 و365.
(2)
سورة النساء الآية 6
(3)
تفسير القرطبي، ج5 ص40
استقلال ربا الدين عن ربوي الفضل والنسيئة
واختلاف ربا الدين عن أكثر أنواع الربا التي جاءت بالسنة ظاهر، وإنما يتشابه ربا الدين وربا الفضل، ويتجوز بعض العلماء، ويرون ربا القرض من ربا الفضل، كما شاعت تسمية ربا الدين بربا النسيئة عند آخرين من المفسرين والفقهاء، ويرجع التشابه بين ربا الدين وربا الفضل، إلى ما في الديون من الزيادة المحظورة، كم ترجع تسمية ربا النسيئة إلى التأجيل الذي يؤخذ عنه الربا (1).
(1) انظر تعريف ربوي الفضل والنسيئة في حاشية ابن عابدين، ج4 ص194.
ويختلف ربا الفضل عن ربا الدين في الماهية ونطاق التطبيق والأثر الشرعي في العقد جميعا.
فحقيقة ربا الفضل، كما يدل صريح الأحاديث، هي أنه حظر الزيادة في مقدار أحد البدلين في بعض البيوع الخاصة، ونجد له الخصائص الآتية: أ- لا يكون إلا في بيع الذهب بالذهب أو التمر بالتمر وغيرهما من الأصناف التي يشتملها النص، مما يقتصر على صور خاصة من عقدي الصرف والمقايضة، ولا يسري على سائر صورهما التي يختلف جنس البدلين فيها، كصرف الذهب بالفضة، أو مقايضة التمر بالشعير، ولا يكون ربا الفضل مطلقا في عقد البيع بمعناه الدقيق، حيث تشتري السلعة بالنقود، وهو الذي تجري به أكثر المعاوضات التي يطلق عليها في الفقه الإسلامي اسم البيوع، وإليه ينسب ربا الفضل.
ب- لا يكون ربا الفضل إلا في البيوع الحاضرة، فهو لا ينفك، في نص الحديث عن ربا النسيئة، فحيث يحظر التفاضل بين البدلين يحرم تأجيل شيء منهما، وتجد بعض العلماء لذلك يسمون ربا الفضل بربا النقد، يقابلونه بربا الدين الذي لا يقع إلا في التأجيل والنسيئة.
ج- التفاضل المحظور هو زيادة في مقدار أحد البدلين في تلك البيوع الخاصة، وليس زيادة في قيمة أي من البدلين؛ ويبين ذلك من حديث التمر الذي جعل فيه النبي صلى الله عليه وسلم من ربا الفضل مقايضة كيل من تمر جيد من الجنيب بكيلين من الجمع وهو تمر رديء، وإن كان سعر الجنيب في الأسواق يساوي مثلي سعر التمر مما لا يذر زيادة في قيمة أي من البدلين، كالتي يقوم بها الربا في الدين، وحيث يوجد فرق يعتد به بين قيمة البدلين، فان السبيل لتلافي الغبن في مبادلتهما، يكون، كما أشارت به السنة في حديث التمر الذي تقدم، بالعدول عن مقايضتهما مقايضة مباشرة تخضع لربا الفضل، إلى بيع كل من البدلين بالنقود، ويشتري كل من البائعين ما يحتاجه من الصنف الذي يريد.
وإذ فرض الشرع إهدار التفاوت في قيم البدلين المتماثلين جنسا، إذا تمت مبادلتهما عن طريق الصرف أو المقايضة، فإن هذا الطريق يوصد في البيوع التي لا يجوز فيها الغبن رعاية لحقوق العباد، التي لا يستوي فيها جيد المال ورديئه، فلا يجوز للوصي أن يبيع قفيز حنطة جيدة من مال اليتيم بقفيز رديء، ويتعين على الوصي البيع بالنقد أو بشيء خلاف جنس الحنطة مراعاة لحق اليتيم وحق الشرع. وفي قول الله تعالى في حفظ أموال اليتامى:{وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} (1) نهي للأوصياء عن مثل تلك المقايضة التي يحيق الغبن فيها باليتيم.
ويكون ربا الفضل بعيدا عن تحقيق التعادل بين المالين المتبادلين بما يمنع الغبن في العقد، خلافا لما قال به بعض الفقهاء واعتنقه المستشرقون وفريق من رجال القانون.
كما لم يشرع هذا الربا ليسد ذريعة إلى ربا (2)
(1) سورة النساء الآية 2
(2)
إعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن قيم الجوزية ج1 ص200 - 204، وزكي بدوي، ص130 - 134.