الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكثيرة التي تحث على الصدقات وتكرم الذين (يؤتونها) الفقراء وتعد المنفقين ثوابا مضاعفا (الآيات 261 - 274)، وتلت آيات الربا الآيتان 283، 282 في الدين المؤجل وتوثيقه بالكتابة أو بالرهن {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} (1) وظاهر أن الربا الذي نصت عليه الآيات هو ربا الديون، الذي يأخذه الدائنون مقابل تأجيلها، وكثيرا ما يطلق عليه ربا الجاهلية، إذ عرفته أسواق المال العربية قبل الإسلام، كما كان شائعا في سائر الأمم، وهو الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في حجة الوداع:«ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس (2)» . وكان يتفق عليه، إما بإيجاب من المدين يقول لدائنه:" أنظرني أزدك" أو بسؤال من الدائن: " أتقضي أم تربي" فتشترط الزيادة على الدين كلما تأجل وفاؤه.
ويذهب فريق من المفسرين والفقهاء إلى أن لفظ الربا في آيات القرآن ورد عاما أو مجملا، وقد تولت السنة تخصيصه أو تفصيله، فبينت إلى جانب الربا الديون أنواعا أخرى من الربا في البيوت وغيرها. ولا يترتب على هذا الخلاف أثر في التفرقة بين ربا الدين وسائر الربوات التي وردت بالسنة.
(1) سورة البقرة الآية 283
(2)
مسند أحمد بن حنبل (5/ 73)، سنن الدارمي البيوع (2534).
أنواع الربا في السنة
أشارت السنة الشريفة إلى ربا الديون في حديثه عليه الصلاة والسلام: «كل قرض جر نفعا فهو ربا» ولكن لم يتقيد في إطلاق لفظ الربا بهذا المعنى الاصطلاحي في سائر الأحاديث والآثار، بل أطلق الربا على محظورات شتى من بعض البيوع ومن الأفعال المقترنة بالتصرفات المالية، ومن أفعال لا تمس المال بشيء.
فقد روى الأئمة المحدثون عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء (1)» كما روى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبر بالبر مدا بمد. . فمن زاد أو استزاد فقد أربى (2)» ولا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما، يدا بيد، وأما نسيئة فلا، وأخرج مالك في الموطأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا تبيعوا الذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالذهب، أحدهما غائب والآخر ناجز، إني أخاف عليكم الرماء، والرماء هو الربا (3)» . وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى
(1) صحيح البخاري البيوع (2176)، صحيح مسلم المساقاة (1584)، سنن الترمذي البيوع (1241)، سنن النسائي البيوع (4565)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 97)، موطأ مالك البيوع (1324).
(2)
سنن النسائي كتاب البيوع (4563)، سنن أبو داود البيوع (3349).
(3)
تفسير القرطبي، ج3 ص349، 348، والموطأ، طبع دار الشعب، ص 392 - 393
الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر، فجاءهم بتمر جنيب، فقال:" أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة". فقال:" لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا (1)». وقيل فيما يقترن بالبيع " الناجش آكل الربا" وهو الذي لا يريد شراء السلعة، ولكنه يتظاهر بالرغبة فيها ليرفع السعر على من يسوم شراءها.
وكذلك روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا (2)» كما قال: «إن من أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم (3)» وروي عن الصحابة رضوان الله عليهم قولهم: إن من اشترى طعاما فباعه قبل أن يقبضه مخالفا نهي السنة، فبيعه عندهم ربا"، كما قال أحدهم: " إن الرهن في السلم هو الربا المضمون"، وقال آخر: " السلم بما يقوم به السعر ربا، ولكن السلم في كيل معلوم إلى أجل" (4). ويجيء على هذا الإطلاق قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" إن من الربا بيع التمر وهي معصفة قبل أن تطيب" فقد بين معنى الربا الذي يقصده أمير المؤمنين من البيوع المحرمة، ولا ينصرف إلى ربا الديون الذي يعلم عمر ماهيته وحرمته بالدليل القطعي في القرآن، ولا يجوز أن يعرض بأمر أو نهي في شأنه يغير ما فرض الله.
ويتضح بتحديد الربا المقصود وجه قول عمر: " ثلاث وددت لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من الربا" وكذلك ما نسب إليه من قوله رضي الله عنه: " إني لعلي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم، وآمركم بأشياء لا تصلح لكم، وإن من آخر القرآن نزولا آية الربا، وإنه قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبينه لنا، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم".
كما روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه «لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس ثم حرم التجارة في الخمر (5)» ،.
فأبواب الربا التي كان عمر يود بيانها هي كتحريم تجارة الخمر كلها من محظورات البيوع ونحوها، التي بينت السنة أحكام كثير منها. وبقيت أحكام سائرها يستنبطها المجتهدون على هدي الكتاب والسنة، وما يستظهرونه من حقيقة كل معاملة منها وما تحققه من المصالح المشروعة، وفي ذلك ما يحفظ المرونة اللازمة في التشريعات الاقتصادية والتجارية الإسلامية، لتواجه ما يستحدث من التصرفات في مختلف العصور والأمصار.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الربا تسعة وتسعون بابا، أدناها كإتيان الرجل بأمه» يعني الزنا بأمه، وفي حديث رواه أحمد أنه عليه الصلاة والسلام قال:«لدرهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله تعالى من ستة وثلاثين زنية في الخطيئة (6)» وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا (7)» . . . ومعنى الموبقات المهلكات.
(1) نيل الأوطار للشوكاني، ج5 ص166، والحديث رواه البخاري ومسلم
(2)
سنن أبو داود البيوع (3541)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 261).
(3)
سنن أبو داود الأدب (4876)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 190).
(4)
نيل الأوطار للشوكاني، ج5 ص191 و192 و194، وزكي الدين بدوي، ص 27 هـ 1
(5)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4540)، صحيح مسلم المساقاة (1580)، سنن النسائي البيوع (4665)، سنن أبو داود البيوع (3490)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 127)، سنن الدارمي البيوع (2569).
(6)
مسند أحمد بن حنبل (5/ 225).
(7)
صحيح البخاري الوصايا (2767)، صحيح مسلم الإيمان (89)، سنن النسائي الوصايا (3671)، سنن أبو داود الوصايا (2874).