المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التنبيه على خبر باطل في أخبار مكة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الافتتاحية

- ‌تجارةوتجارة أخرى لن تبور. .!فضيلة الشيخعثمان الصالح

- ‌رمي الجمرة قبل طلوع الشمس

- ‌القول الثانيلا يجوز رميها قبل طلوع الفجر

- ‌ رمي جمرة العقبة ليلة النفر

- ‌ تقديم رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق

- ‌المذهب الأوللا يجوز تقديم رمي الجمار قبل الزوال

- ‌المذهب الثالثمذهب أبي حنيفة وفيه تفصيل

- ‌ رمي الجمار في ليلتي اليوم الثاني عشر والثالث عشر عن اليوم الذي قبلها

- ‌المذهب الأولالجواز وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية

- ‌ أدلة الترخيص للرعاة في الرمي

- ‌المشقة تجلب التيسير

- ‌أقسام المشقة

- ‌موضع اعتبار الحرج والمشقة

- ‌مصادر البحث وملحقاته

- ‌الطلاق المعلق

- ‌أولا ما ورد عن الصحابة والتابعين من الآثار:

- ‌ثانيا: أقوال فقهاء المذاهب الأربعة

- ‌ مذهب الحنفية

- ‌ مذهب المالكية

- ‌ مذهب الشافعية

- ‌ المذهب الحنبلي

- ‌ التفريق بين التعليق الذي يقصد به الإيقاع والتعليق الذي يقصد به اليمين

- ‌تأجيل دراسة موضوع الطلاق المعلق

- ‌وجهة نظر

- ‌تحديد المهور

- ‌ثانيا: من عرف مهرها من سائر زوجات أصحابه رضي الله عنهم

- ‌ثالثا: هل وجد في نصوص الشريعة حد للمهور

- ‌رابعا: قصة عمر مع من أنكرت عليه حديثه في تقليل المهور

- ‌خامسا: ما الفرق بين تحديد أسعار الأعيان والمنافع وتحديد المهور

- ‌سادسا: مبررات التحديد ومضار عدمه

- ‌قرار رقم 52 وتاريخ 4/ 4 / 1397ه

- ‌تحديد النسل

- ‌ الفرق بين منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل

- ‌بواعث منع الحمل وتحديد النسل مع المناقشة

- ‌ وسائل تحديد النسل وبيان مضارها

- ‌الفلسفة

- ‌ الجو الذي نشأت فيه الفلسفة

- ‌ السمات العامة للفلسفة

- ‌اليهود والفلسفة

- ‌البلاغة النبوية وأثرها في النفوس

- ‌أقباس من العسكرية الإسلامية في القرآن الكريم

- ‌التدريب الفردي

- ‌الحوافز المادية

- ‌معادلة الحرب النفسية

- ‌حرب عادلة

- ‌مبتكر علم الجبرمحمد بن موسى الخوارزمي

- ‌الجذور عند الخوارزمي

- ‌المعادلات ذا الدرجة الأولى والثانية

- ‌طريقة التقريب لجذر المعادلة

- ‌الطريقة البيانية لإيجاد جذر المعادلة

- ‌إيجاد المساحة

- ‌اختلاف ربا الدين في الإسلامعنربا اليهود

- ‌ مزاعم المستشرقين

- ‌ القول بوحدة الربا والاختلاف في أصله

- ‌ نصوص تحريم الربا عند اليهود

- ‌ خصائص الربا عند اليهود

- ‌الخاصية الأولىالربا في القرض والبيع

- ‌الخاصية الثانيةالربا مقابل الأجل

- ‌الخاصية الثالثة الربا ظلم للمدين

- ‌الخاصية الرابعةالحظر القضائي للربا مختلف فيه

- ‌أنواع الربا في القرآن

- ‌أنواع الربا في السنة

- ‌استقلال ربا الدين عن ربوي الفضل والنسيئة

- ‌الفرق بين ربا الدين والنسيئة

- ‌خصائص ربا الدين في الإسلام

- ‌ الربا في الدين وحده ولا ينطبق على البيع

- ‌الربا مقابل الأجل

- ‌الربا محظور على الدائن والمدين معا

- ‌للربا حكمته المتميزة على ظلم المدين

- ‌ المساواة بين المسلم وغير المسلم في الربا

- ‌من نتائج اختلاف الربوين الإسلامي واليهودي

- ‌جهاز تعيين اتجاه القبلة

- ‌استعمال الجهاز

- ‌نظرية الجهاز

- ‌النموذج "م1

- ‌وصف الجهاز

- ‌طريقة الاستعمال

- ‌النموذج "م2

- ‌وصف الجهاز

- ‌النموذج "م3

- ‌المؤتمرات

- ‌المؤتمر العالمي بلندنعنحياة المسيح عليه السلام

- ‌الحوار الإسلامي المسيحيووجهة نظرإسلامية

- ‌إيضاحات وتنبيهات

- ‌حكم الاحتفال بالموالد

- ‌وجوب إنكار المعاملات الربوية

- ‌حرمة تأخير تزويج البنات والأخوات

- ‌تهنئة لحكومة الباكستان لإعلانها تطبيقالشريعة الإسلامية

- ‌التنبيه على خبر باطل في أخبار مكة

- ‌حول ما سمي بمسجد الخندق بالمدينة المنورة

- ‌أهداف معهد اللغة العربية - جامعة الرياضالمملكة العربية السعودية

- ‌الصلاة في الطائرة. . وإمامة الصلاة في الجمعة. . وزكاة الحلي

- ‌حكم الصلاة على السجاد المحلى بالصور

- ‌«من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة

- ‌ما حكم تارك الصلاة

- ‌الشرط - قضاء الفريضة

- ‌فيالوضوء - الصلاة - الإمامة - الطواف

- ‌كيفية تحديد مواقيت الصلاة

- ‌ترك الصلاة طيلة وجوده في الجامعة

- ‌حادث المسجد الحراموأمرالمهدي المنتظر

- ‌بيان من هيئة كبار العلماءبشأن الاعتداء علىالمسجد الحرام

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌التنبيه على خبر باطل في أخبار مكة

‌التنبيه على خبر باطل في أخبار مكة

حمود التويجري

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد، فقد ذكر الأزرقي في أخبار مكة في باب ما جاء في ذكر بناء قريش الكعبة في الجاهلية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمحو الصور التي في الكعبة سوى صورة مريم وعيسى عليهما السلام. وروى الأزرقي ذلك بأربعة أسانيد كلها ضعيفة فلا يغتر بها ولا يعتمد على شيء منها.

الإسناد الأول

قال حدثني جدي قال حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال جلس رجال من قريش في المسجد الحرام - فذكر خبرا طويلا في بناء الكعبة وقال في آخره - وجعلوا في دعائمها صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائكة فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن شيخ يستقسم بالأزلام وصورة عيسى ابن مريم وأمه وصور الملائكة عليهم السلام أجمعين «فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فأرسل الفضل بن العباس بن عبد المطلب فجاء بماء زمزم ثم أمر بثوب مبتل بالماء وأمر بطمس تلك الصور فطمست. قال ووضع كفيه على صورة عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام وقال: " امحوا جميع الصور إلا ما كانت تحت يدي " فرفع يديه عن عيسى ابن مريم وأمه» .

ص: 271

الإسناد الثاني: قال وحدثني جدي قال حدثنا داود بن عبد الرحمن قال أخبرني بعض الحجبة عن مسافع بن شيبة بن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «يا شيبة امح كل صورة فيه إلا ما تحت يدي، قال فرفع يده عن عيسى ابن مريم وأمه» .

الإسناد الثالث: قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم قال حدثنا يزيد بن عياض بن جعدبة عن ابن شهاب «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة يوم الفتح وفيها صور الملائكة وغيرها فرأى صورة إبراهيم فقال قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام ثم رأى صورة مريم فوضع يده عليها وقال امحوا ما فيها من الصور إلا صورة مريم (1)» .

الإسناد الرابع: قال أخبرني محمد بن يحيى عن الثقة عنده عن ابن إسحاق عن حكيم بن عباد بن حنيف وغيره من أهل العلم أن قريشا كانت قد جعلت في الكعبة صورا فيها عيسى ابن مريم ومريم عليهما السلام قال ابن شهاب قالت أسماء بنت شقران امرأة من غسان حجت في حاج العرب فلما رأت صورة مريم في الكعبة قالت بأبي وأمي إنك لعربية «فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمحو تلك الصور إلا ما كان من صورة عيسى ومريم» .

وهذه الأخبار مردودة من وجوه: الأول ضعف أسانيدها.

* أما الخبر الأول فإنه منقطع لأن أبا نجيح لم يدرك زمن الجاهلية ولا زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أدرك آخر زمن الصحابة رضي الله عنهم، والمنقطع لا يثبت به شيء، وأيضا ففي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وقد وثقه ابن معين وضعفه أبو داود وقال أبو حاتم: إمام في الفقه تعرف وتنكر ليس بذاك القوي يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي: ليس بالقوي. وهذا مما يزيد الخبر وهنا على وهنه.

* وأما الخبر الثاني فإنه أضعف مما قبله لأمرين أحدهما أنه مرسل والمرسل ليس بحجة، الثاني أن في إسناده رجلا لم يسم ومثل هذا لا يثبت به شيء. وقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير بدون ذكر الزيادة الباطلة فقال في ترجمة مسافع بن عبد الله عن شيبة بن عثمان قال قال رسول صلى الله عليه وسلم «" يا شيبة امح كل صورة في البيت» .

* وأما الخبر الثالث فإنه أضعف مما قبله لأمرين أحدهما أنه مرسل، والثاني أن في إسناده يزيد بن عياض بن جعدبة بضم الجيم والدال بينهما مهملة ساكنة، قال الذهبي في الميزان قال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال يحيى، ليس بثقة، وقال علي: ضعيف، ورماه مالك بالكذب، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال الدارقطني: ضعيف، وروى عباس عن يحيى: ليس بثقة ضعيف، وروى يزيد بن الهيثم عن ابن معين: كان يكذب، وروى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين: ليس بشيء لا يكتب حديثه.

* وأما الخبر الرابع: فإنه ضعيف جدا لأمرين أحدهما أنه منقطع، والثاني أن فيه رجلا لم يسم، ومثل هذا لا يثبت به شيء.

(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3351)، سنن أبو داود المناسك (2027).

ص: 272

الوجه الثاني:

أنه يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يمحو الصور التي في الكعبة وأنه صلى الله عليه وسلم دخلها وما فيها شيء من الصور، قال الإمام أحمد حدثنا روح - وهو ابن عبادة القيسي - حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول «إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب يوم الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها ولم يدخل البيت حتى محيت كل صورة فيه (1)» إسناده صحيح على شرط الشيخين.

* وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا عبد الله بن الحارث - وهو ابن عبد الملك المخزومي - عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يزعم «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصور في البيت ونهى الرجل أن يصنع ذلك (2)» وأن النبي صلى الله عليه وسلم «أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمن الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها ولم يدخل البيت حتى محيت كل صورة فيه (3)» إسناده صحيح على شرط مسلم، وقد رواه الإمام أحمد أيضا بإسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن، ورواه أبو داود في سننه والبيهقي من طريقه وإسناده حسن، وفي هذا الحديث رد لما جاء في الأخبار الأربعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمحو الصور التي في الكعبة ولم يستثن شيئا منها وفي هذا أبلغ رد على من زعم أنه صلى الله عليه وسلم وضع كفيه على صورة مريم وعيسى وأمر بإبقائها ومحو ما سواها.

* وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها وفي هذا رد على ما جاء في خبر أبي نجيح أنه صلى الله عليه وسلم أرسل الفضل بن العباس فجاء بماء زمزم.

(1) سنن الترمذي اللباس (1749)، سنن أبو داود اللباس (4156)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 383).

(2)

سنن الترمذي اللباس (1749)، سنن أبو داود اللباس (4156)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 335).

(3)

سنن الترمذي اللباس (1749)، سنن أبو داود اللباس (4156)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 335).

ص: 273

الوجه الثالث:

ما ذكره الزرقاني على المواهب أنه وقع عند الواقدي في حديث جابر وكان عمر قد ترك صورة إبراهيم فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم رآها فقال: «" يا عمر ألم آمرك أن لا تدع فيها صورة قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام "، ثم رأى صورة مريم فقال: " امحوا ما فيها من الصور قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون» ، وهذا ظاهر في شدة إنكاره صلى الله عليه وسلم للصور التي رآها في الكعبة ومنها صورة مريم. ويدل على تشديده في الإنكار ثلاثة أمور: أحدها إنكاره صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه حين ترك بعض الصور فلم يمحها، والثاني أمره بمحو الصور بدون استشناء، والثالث دعاؤه على المصورين.

وفي معنى قوله: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} (1) أقوال أحدها: لعنهم الله قاله ابن عباس رضي الله عنهما واختاره البخاري، والثاني قتلهم الله قاله ابن جريج، والثالث أنه ليس على تحقيق المقاتلة ولكنه بمعنى التعجب حكاه البغوي في تفسيره.

(1) سورة التوبة الآية 30

ص: 273

قال الراغب الأصفهاني والصحيح أن ذلك هو المفاعلة والمعنى صار بحيث يتصدى لمحاربة الله فإن من قاتل الله فمقتول ومن غالبه فهو مغلوب انتهى.

الوجه الرابع:

أن تصوير الصور واتخاذها من أعظم المنكرات، وتغيير المنكر واجب بحسب القدرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (1)» رواه الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وأهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية للنسائي: «" من رأى منكرا فغيره بيده فقد برئ ومن لم يستطع أن يغيره بيده فغيره بلسانه فقد برئ ومن لم يستطع أن يغيره بلسانه فغيره بقلبه فقد برئ وذلك أضعف الإيمان (2)» .

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس غيرة على انتهاك المحرمات وأشدهم في إنكار المنكرات وتغييرها، ومن المحال أن يرى المنكر وهو قادر على تغييره فلا يغيره فضلا عن أن يأمر بإبقائه، ومن ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإبقاء شيء من الصور التي في الكعبة ونهى أن يمحى فقد ظن به ظن السوء.

(1) صحيح مسلم الإيمان (49)، سنن الترمذي الفتن (2172)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5009)، سنن أبو داود الصلاة (1140)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1275)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 54).

(2)

صحيح مسلم الإيمان (49)، سنن الترمذي الفتن (2172)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5009)، سنن أبو داود الصلاة (1140)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1275)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 53).

ص: 274

الوجه الخامس:

أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التصوير كما في المسند وجامع الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: «" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور في البيت ونهى الرجل أن يصنع ذلك (1)» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وروى الإمام أحمد أيضا والبخاري في تاريخه بأسانيد جيدة عن معاوية رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التصاوير (2)» وما كان النبي صلى الله عليه وسلم لينهى عن التصوير ثم يقر بعضه ويأمر بإبقائه، هذا من أبطل الباطل.

الوجه السادس:.

«أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على عائشة رضي الله عنها ورأى القرام الذي فيه التصاوير هتكه وتلون وجهه قالت عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال: " يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة

(1) سنن الترمذي اللباس (1749)، سنن أبو داود اللباس (4156)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 335).

(2)

مسند أحمد بن حنبل (1/ 320).

ص: 274

الذين يضاهون بخلق الله (1)» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وهذا لفظ مسلم. وفي رواية النسائي «بقرام فيه تصاوير (2)» . وفي رواية ابن ماجه: «بستر فيه تصاوير، (3)» وفي رواية لمسلم: «قالت دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي وقد سترت غطاء فيه تصاوير فنحاه فاتخذت منه وسادتين (4)» .

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد هتك الستر الذي في بيت عائشة رضي الله عنها من أجل التصاوير فكيف يظن به أنه يقر التصاوير في بيت الله تعالى ويأمر بإبقائها.

الوجه السابع:

أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وأخبر أنهم من أشد الناس عذابا يوم القيامة كما في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم " لعن المصورين (5)» رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي.

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «" أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله (6)» متفق عليه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «" كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس فتعذبه في جهنم (7)» رواه مسلم والأحاديث في الوعيد الشديد للمصورين كثيرة جدا. وقد ذكرتها في " إعلان النكير على المفتونين بالتصوير " فلتراجع هناك.

وإذا تأمل طالب العلم ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من لعن المصورين وما ثبت عنه أيضا من الوعيد الشديد لهم لم يشك في كذب ما جاء في الأخبار الأربعة التي ذكرها الأزرقي في تاريخه وتقدم ذكرها فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف قوله بفعله ولا يقر المنكر الذي هو من أظلم الظلم ومن كبائر الإثم.

(1) صحيح البخاري البيوع (2105)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2107)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2468)، سنن ابن ماجه اللباس (3653)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 246)، موطأ مالك الجامع (1803).

(2)

صحيح البخاري البيوع (2105)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2107)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2468)، سنن النسائي الزينة (5356)، سنن ابن ماجه اللباس (3653)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 103)، موطأ مالك الجامع (1803)، سنن الدارمي الاستئذان (2662).

(3)

صحيح البخاري اللباس (5954)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2107)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2468)، سنن النسائي الزينة (5357)، سنن ابن ماجه اللباس (3653)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 247)، سنن الدارمي الاستئذان (2662).

(4)

صحيح البخاري البيوع (2105)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2107)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2468)، سنن ابن ماجه اللباس (3653)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 246)، موطأ مالك الجامع (1803).

(5)

صحيح البخاري الطلاق (5347)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 308).

(6)

صحيح البخاري اللباس (5954)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 36).

(7)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2110)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 308).

ص: 275

الوجه الثامن:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في عدة أحاديث صحيحة أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة، وروى الإمام أحمد والبخاري والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت فوجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال صلى الله عليه وسلم: " أما لهم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة هذا إبراهيم مصور فما له يستقسم (1)» وهذا الحديث ظاهر في إنكاره صلى الله عليه وسلم لصورة إبراهيم ومريم حين رآهما في الكعبة. وهذا يرد قول من زعم أنه صلى الله عليه وسلم وضع كفيه على صورة مريم وعيسى وأمر بإبقائها ومحو ما سواها، وإذا كانت الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه الصور فكيف

(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3351)، سنن أبو داود المناسك (2027).

ص: 275

يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يقر صورة مريم وعيسى في بيت الله الذي هو أشرف البيوت وأعظمها حرمة ويأمر بإبقائها ومحو ما سواها. هذا من أسوأ الظن وأبطل الباطل.

الوجه التاسع:

ما رواه أبو داود الطيالسي في سنده بإسناد جيد عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة ورأى صورا قال فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول: " قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون» وهذا الحديث ظاهر في إنكاره صلى الله عليه وسلم لما رآه من الصور في الكعبة وأنه لم يستثن منها. وفي هذا رد على من زعم أنه صلى الله عليه وسلم وضع كفيه على صورة مريم وعيسى وأمر بإبقائها ومحو ما سواها.

الوجه العاشر:

ما رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن علي رضي الله عنه قال «صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع (1)» ، ورواه النسائي ولفظه:«قال صنعت طعاما فدعوت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فدخل فرأى سترا فيه تصاوير فخرج وقال: " إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير (2)» ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيت علي وفاطمة رضي الله عنهما وامتنع عن أكل طعامهما من أجل الستر الذي فيه التصاوير فكيف يظن به أن يقر صورة مريم وعيسى في الكعبة. لا شك أن هذا مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) سنن النسائي الزينة (5351)، سنن أبو داود اللباس (4152)، سنن ابن ماجه اللباس (3650)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 107)، سنن الدارمي الاستئذان (2663).

(2)

سنن النسائي الزينة (5351)، سنن أبو داود اللباس (4152)، سنن ابن ماجه اللباس (3650)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 107)، سنن الدارمي الاستئذان (2663).

ص: 276

الوجه الحادي عشر:

ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا إلا سويته (1)» هذا لفظ إحدى روايات مسلم.

وهذا الحديث الصحيح يدل على أنه يجب طمس الصور أينما وجدت وفي أي شيء كانت، وفيه أبلغ رد على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع كفيه على صورة مريم وعيسى وأمر بإبقائها ومحو ما سواها.

وأما ما رواه الأزرقي عن جده قال حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج قال سأل سليمان بن موسى

(1) صحيح مسلم الجنائز (969)، سنن الترمذي الجنائز (1049)، سنن النسائي الجنائز (2031)، سنن أبو داود الجنائز (3218)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 139).

ص: 276

الشامي عطاء بن أبي رباح وأنا أسمع أدركت في البيت تمثال مريم وعيسى قال نعم أدركت فيها تمثال مريم مزوقا في حجرها عيسى ابنها قاعدا مزوقا. قال وكانت في البيت أعمدة ست سواري وكان تمثال عيسى ومريم في العمود الذي يلي الباب، قال ابن جريج فقلت لعطاء متى هلك قال في الحريق في عصر ابن الزبير. قلت أعلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان قال لا أدري وإني لأظنه قد كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. قال له سليمان: أفرأيت تماثيل صور كانت في البيت من طمسها؟ قال: لا أدري غير أني أدركت من تلك الصور اثنتين درستا وأراهما والطمس عليهما. قال ابن جريج ثم عاودت عطاء بعد حين فخط لي ست سواري ثم قال: تمثال عيسى وأمه عليهما السلام في الوسطى من اللاتي تلين الباب الذي يلينا إذا دخلنا.

ثم قال الأزرقي حدثني جدي قال حدثنا داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن دينار قال: أدركت في بطن الكعبة قبل أن تهدم تمثال عيسى ابن مريم وأمه.

فجوابه أن يقال قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها ولم يستثن شيئا من الصور، وثبت أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال «دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت فوجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال صلى الله عليه وسلم:" أما لهم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة هذا إبراهيم مصور فما له يستقسم (1)» وثبت أيضا عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة ورأى صورا قال فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول: قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون» وقد تقدم ذكر هذه الأحاديث الثلاثة قريبا. وتقدم أيضا ما ذكره الزرقاني على المواهب أنه وقع عند الواقدي في حديث جابر «وكان عمر قد ترك صورة إبراهيم فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم رآها فقال: " يا عمر ألم آمرك أن لا تدع فيها صورة قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام ثم رأى صورة مريم فقال امحوا ما فيها من الصور قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون»، وعلى هذا فيحتمل أن تكون صورة مريم وعيسى محفورة في عمود البيت بحيث لا يذهبها الغسيل بالماء فلهذا بقيت إلى أن احترق البيت في عهد ابن الزبير. ويحتمل أن تكون مصبوغة بصبغ ثابت لا يذهبه الماء أو أنه قد ذهب بعض الصبغ حيث محيت بالماء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبقي منه بقية تظهر منه الصورة، وقد تقدم عن عطاء أنه أدرك أيضا صورتين من الصور التي كانت في الكعبة وأنهما قد درستا وأنه رأى الطمس عليهما. فلعل صورة مريم وعيسى كانت كذلك. ويحتمل أن يكون قد أزلق عليها ما يمنع من رؤيتها فخفيت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الخلفاء الراشدين وعلى غيرهم من الصحابة ورآها عطاء وعمرو بن دينار بعدما أزيل عنها ما يمنع من رؤيتها.

ويحتمل أن يكون بعض النصارى وضعها بعد زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعد زمن الخلفاء الراشدين ولا سيما في زمن الفتنة التي كانت في زمن يزيد بن معاوية فقد يتسمى بعض النصارى بالإسلام بحيث لا يرد عن دخول مكة ودخول الكعبة فيصور صورة مريم وعيسى ليفتن المسلمين بذلك ويوهمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم

(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3351)، سنن أبو داود المناسك (2027).

ص: 277

قد أقر صورتهما. ويحتمل أن يكون ذلك من عمل بعض من أسلم من النصارى بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم والله أعلم.

وليس في بقاء صورة مريم وعيسى في الكعبة بعد زمان النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم لا يقر المنكر ولا يرضى به. وقد قال الله تعالى في صفته {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1).

والمقصود هنا أنه لا يجوز أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يقر شيئا من الصور أو يأمر بإبقائها، ومن ظن ذلك فقد ظن بالنبي صلى الله عليه وسلم ما لا يليق به والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

(1) سورة الأعراف الآية 157

ص: 278